ناسا تحتفي بصورة الرخام الأزرق التي غيّرت نظرتنا لكوكب الأرض إلى الأبد

4 دقائق
طاقم أبولو 17، هاريسون شميت ويوجين سيرنان ورون إيفانز، يقفون مع مدرب المركبة القمرية الجوالة. وكالة ناسا

قبل 50 عاماً في 7 ديسمبر/ كانون الأول من عام 1972، انطلق صاروخ ساتورن 5 التابع لناسا من قاعدة كيب كانافيرال بولاية فلوريدا، حاملاً آخر رائد فضاء من حقبة أبولو إلى سطح القمر.

كانت مهمة أبولو 17 المهمة السادسة والأخيرة في مبادرة ناسا التاريخية لإرسال مستكشفين من البشر إلى القمر، واُعتبرت سبقاً علمياً غير مسبوق: حيث جمع أفراد الطاقم- يوجين سيرنان ورونالد إيفانز وهاريسون شميت- أثناء بقائهم على سطح القمر الذي دام لـ 75 ساعة أنواعاً نادرة من الصخور القمرية وعينات من "التربة البرتقالية"، أو ما يُعرف بالريغوليث، التي تشكلت خلال ثورات البراكين على القمر في غابر الزمان، وأشارت إلى أن النشاط الجيولوجي للقمر خلال العصور الماضية استمر لفترة أطول مما كان يُعتقد سابقاً- وهو ما أكدته نتائج الأبحاث الأخيرة.

لكن سرعان ما أصبحت إحدى أكثر نتائجها تأثيراً علامة بارزة في ثقافتنا: فمن خلال صورة أيقونية واحدة، غيّرت المهمة إلى حد كبير الطريقة التي ننظر بها نحن البشر إلى بيئة الفضاء.

اقرأ أيضاً: لن نترك شخصاً خلفنا: دعوة لعقد اجتماعي جديد في يوم الشعوب الأصلية

صورة الرخام الأزرق التي غيرت نظرتنا إلى الأرض إلى الأبد

بعد نحو 5 ساعات من بدء رحلة الطاقم المتجهة إلى القمر، لفت مشهد كرتنا الأرضية الذي بدا أصغر من النافذة نظر أحد أفراد الطاقم المكون من ثلاثة أشخاص (لا يزال من غير الواضح حتى اللحظة من كان مسؤولاً عنهم). عند رؤية الأرض الجميلة المضاءة بألوان زاهية، أمسك رائد فضاء أدرك عظمة المشهد بكاميرا "هاسيلبلاد" كانت على متن المركبة وبدأ بالتقاط مجموعة من الصور لهذا المشهد الآسر، وكان من بينها الصورة التي تُعرف الآن باسم "الرخام الأزرق" (Blue Marble)؛ أول صورة تُلتقط لكوكب الأرض بالكامل.

ناسا تحتفي بصورة الرخام الأزرق التي غيرت نظرتنا لكوكب الأرض إلى الأبد
تظهر صورة الرخام الأزرق الأرض كما رآها رواد فضاء مهمة أبولو 17. وكالة ناسا

تُظهر اللقطة الفريدة جداً القارة الإفريقية مرئية بالكامل تقريباً ومحاطة بالمحيط الأزرق من جميع جوانبها، وفوقها سُحب غيوم متناثرة بفعل الرياح في الغلاف الجوي. لقد غيّرت هذه الصورة الطريقة التي ينظر بها البشر إلى كوكب الأرض إلى الأبد بغناها بالتفاصيل النابضة بالحياة.

كانت الرخام الأزرق بلا شك إحدى أكثر الصور الفضائية شهرة في التاريخ، فهي لا تزال الصورة الوحيدة حتى الآن التي التقطتها يد البشر وتظهر فيها الأرض المستديرة بالكامل. لقد ساعدت هذه الصورة والصور الأخرى الأولى المذهلة لكوكبنا مصوري وكالة الفضاء في التقاط صور أفضل للأرض والأجرام السماوية الأخرى، وأثّرت حتى على الطريقة التي نلتقط بها ونشارك بها صور الفضاء اليوم.

يعتقد المصور الفلكي وعالم الفلك بجامعة ألاسكا أنكوراج، ترافيس ريكتور، والذي يلتقط صوراً لظواهر الفضاء في أوقات فراغه، أن جمال الصور المبكرة لعصر الفضاء ألهم جميع علماء الفلك من جيله، ويقول: «لقد كانت أول صور عالية الجودة لعوالم غريبة مثل المريخ والقمر، وجعلتنا ننظر إلى تلك النجوم في السماء كعوالم حقيقية يمكننا تخيل زيارتها شخصياً. وقد كانت صورة الرخام الأزرق فريدة جداً لأنها لا تظهر الجمال الآسر لعالمنا وحسب، بل وتظهر حدوه أيضاً».

اقرأ أيضاً: خطر الأجسام القريبة: الأمم المتحدة تحتفل باليوم الدولي للكويكبات

ويقول إن هذه الحدود تحتوي على كل موارد العالم، مثل الغذاء والهواء والماء، والتي تحافظ على استمراريتنا. ولكن، ومع الاحتفال بالذكرى الخمسين لأبولو 17، كيف تطورت قدرة البشر على التقاط جمال العوالم الأخرى منذ أن بدأنا بالتوجه نحو النجوم؟

عند مقارنة صورة الرخام الأزرق بالصور الحديثة عالية الدقة للأرض وللأجسام السماوية الأخرى التي ترسلها الأقمار الصناعية، أو على سبيل المثال، الصور التي التقطتها أخيراً مركبة أوريون الفضائية التابعة لبرنامج أرتميس، والتي عادت إلى الأرض منذ بضعة أيام، يبدو الفرق جلياً بين عقود من التقدم التكنولوجي في مجال التصوير. في الواقع، كان لظهور كاميرات أكثر قوة قادرة على التقاط صور بالأشعة تحت الحمراء والأشعة السينية وغيرها من النطاقات غير المرئية تأثير كبير على توقعاتنا لما يبدو عليه الكون.

تحسن ملفت للصور الفضائية

ويقول ريكتور إن العامل الثاني الذي أثّر على جودة الصور الفضائية يعود إلى تحسن معالجة البيانات وبرامج معالجة الصور. فمع تطور المركبات الفضائية جيلاً بعد آخر، التقطت الكاميرات التي حُملت عليها العديد من الصور الفضائية المذهلة لأغرب الأجسام الفضائية. بالإضافة إلى ذلك، تحسنت جودة إرسال واستقبال البيانات من المركبات التي تسافر بعيداً في أعماق الفضاء السحيق. في حين أن مقاطع الفيديو التي كانت أبولو ترسلها كانت بالأبيض والأسود ومنخفضة الدقة، فإن مهمة "أرتميس 2" المقبلة سترسل مقاطع فيديو فائقة الدقة من مدار القمر وفقاً لوكالة ناسا.

اقرأ أيضاً: حضارات ذكية وكواكب صالحة للحياة: الإنجازات الفلكية في 2020

يعد نظام الألوان المذهل هذا مختلفاً جداً عن نظام كاميرات الفيديو الرقمية البدائية- كانت دقتها 800x800 بكسل- التي حملتها مركبتا فوياجر التوأم، واللتان تحتفلان الآن بمرور 45 عاماً على بدء مهمتهما. يقول ريكتور: «للمقارنة، تبلغ دقة كاميرا المجال الواسع التي سيحملها تلسكوب نانسي غريس رومان الفضائي 300 ميغابكسل». ويعتقد ريكتور أن التكنولوجيا المستخدمة لالتقاط صور عالية الدقة للفضاء قد تستمر في التطور مع تحسن الكاميرات في تحسس الضوء دون الحاجة إلى المرشحات، مشيراً إلى أنها ستفتح آفاقاً جديدة لإنشاء صور ملونة مركبة للفضاء».

لقد أصبح التصوير الفلكي عنصراً شائعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وغالباً ما تظهر منتجاته على مئات المواقع المتخصصة ويُطبع على الملابس وأغلفة الكتب والملصقات المستوحاة من الفضاء. ومع نهاية أول مهمة قمرية من الجيل التالي لوكالة ناسا، كانت الصور ومقاطع الفيديو التي أرسلتها مركبة أوريون أحد أكثر اللقطات الرائعة التي أنتجها برنامج فضائي على الإطلاق.

تمثل الصورة الشهيرة التي التقطتها مهمة أبولو 17 نهاية حقبة من رحلات البشر إلى الفضاء، وانتهى بها الأمر لتصبح سمة مميزة في تاريخ التصوير الفضائي.

الاحتفال بهذه الصورة تحية مناسبة لتخليد ذكرى استكشاف الإنسان للقمر، الإنجاز الذي كان يعتقد أنه مستحيل في يوم من الأيام.

المحتوى محمي