حقق باحثون من مختبر المواد الذكية ومركز المواد الهندسية الذكية في جامعة نيويورك أبوظبي سبقاً علمياً بنجاحهم في تطوير نسيج فريد يستغل خواص البلورات العضوية، وذلك بتسخير تقنيات النسيج البسيطة والمعروفة. ويمكن بفضل هذا الابتكار تشكيل نسيج من البلورات أحادية البعد يتميز بالاستواء والمرونة وذي قوة فائقة تفوق قوة مكوناتها البلورية بنحو 20 مرة، كما أنها مقاومة لانخفاض درجات الحرارة.
تطبيقات محتملة لهذه الأنسجة المبتكرة
ولهذه الأنسجة مجموعة من التطبيقات المحتملة المهمة، بما في ذلك الإلكترونيات المرنة مثل أجهزة الاستشعار والمصفوفات الضوئية، وقد تُستخدم في الظروف القاسية ذات درجات الحرارة المنخفضة التي نجدها في مهام استكشاف الفضاء. وفي ورقة بحثية بعنوان "بلورات عضوية منسوجة" نشرتها مجلة "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications)، أثبت بانتشى نوموف، أستاذ الكيمياء في جامعة نيويورك أبوظبي ومدير مركز المواد الهندسية الذكية وزملاؤه من جامعة جيلين الصينية، إمكانية نسج البلورات العضوية بسهولة لتشكيل رقع مرنة وقوية بملمس يماثل ملمس بعض الأقمشة.
اقرأ أيضاً: الكيفلار الحديث: ثورة جديدة في صناعة السترات المضادة للرصاص
مواصفات فريدة للأنسجة الجديدة
ونظراً للمرونة التي تتمتع بها البلورات العضوية بطبيعتها، فقد وجد الباحثون أن الرقع ليست خفيفة الوزن فحسب، ولكنها أيضاً مقاومة للضغوط الميكانيكية، كما أنها أكثر مقاومة من البلورات المفردة بمقدار 15 ضعفاً على الأقل، بفضل الاستجابة الجماعية لهذه العناصر الهيكلية المتشابكة لضغوط الانحناء أو التأثيرات الأخرى.
أفاد الباحثون أيضاً بأن الثبات الحراري لـ "النسيج البلوري" الجديد يعد من الخصائص المهمة للبلورات المرنة، ففي حين أن الاستقرار الحراري يعتمد على البلورات المستخدمة في النسيج، فإن بعض هذه الأنسجة البلورية يحافظ على مرونته ضمن مجال حراري يتراوح من 196 درجة تحت الصفر و150 درجة مئوية، أي يمتدُ إلى نحو 350 درجة مئوية، ما يعني أن لهذه الأنسجة خاصية تتفوق بها على العديد من البوليمرات أو اللدائن التي عادة ما تصبح هشة تحت درجة حرارة التحول الزجاجي.
كما يحافظ النسيج الجديد على خاصية النقل البصري، ما يسمح باستخدامه لبناء شبكات من أدلة الموجات الضوئية القادرة على إجراء عمليات منطقية عن طريق الإثارة الليزرية الانتقائية لبعض مكوناتها من البلورات. وقد أفاد الباحثون بنجاحهم في تشكيل مصفوفات بصرية من البلورات المنسوجة التي يمكنها أداء وظائف منطقية بسيطة.
يمكن تحقيق مستوى عالٍ جداً من التوافق الميكانيكي بشرط اتساق أبعاد البلورات العضوية ضمن مجال محدد، حيث يحافظ النسيج على شكله المنحني أو الملتوي أو المتعرج. من المحتمل أن تعود المرونة غير المتوقعة للبلورات العضوية إلى ضعف التفاعلات بين الجزيئات، ما يسمح لها بتحمل ضغط كبير دون تعرضها للكسر.
اقرأ أيضاً: كيف نجعل استهلاكنا للملابس والأنسجة مستداماً؟
يقول الدكتور نوموف: "منذ آلاف السنين، استخدم البشر أساليب النسيج لإنتاج مجموعة من المواد التي تتميز بالمرونة، حيث تصبح تلك المواد مجتمعة أقوى من مكوناتها، بالإضافة إلى مقاومتها للاهتراء والتلف ومتانتها. وإلى فترة قريبة، كانت البلورات العضوية تعتبر صلبة وهشة، ولكن اكتشاف مرونتها قد قلب الموازين تماماً. لم يضف هذا الاكتشاف إلى مجموعة خصائصها الفريدة فحسب، بل إنه فتح المجال لاستكشاف اتجاه لم يكن معروفاً في علم المواد. إن مفهومنا الجديد المتمثل في استخدام البلورات أساساً للنسيج يفتح المجال لمجموعة مثيرة من التطبيقات التقنية بدمج هذه البلورات المنسوجة مع مواد أخرى".
يجري العمل على هذا الابتكار في ظل رئاسة جامعة نيويورك أبوظبي شبكة المناخ الجامعية التي تضم عدداً من الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتهدف إلى تفعيل الحوارات وورش العمل والفعاليات العامة ورسم السياسات العامة وتفعيل دور الشباب في الفترة التي تسبق مؤتمر الأطراف وما بعد ذلك.