ما هي الثانية الكبيسة السالبة وما تأثيرها على العالم الرقمي؟

ما هي الثانية الكبيسة السالبة وما تأثيرها على العالم الرقمي؟
تعتقد بعض شركات التكنولوجيا أن إزالة ثانية من الوقت ستسبب فوضى عارمة في العالم، لكن الأمر قد لا يكون بهذا السوء. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

سيتخلى العالم قريباً عن سياسة الثانية الكبيسة، فقد أعلنت الجهات المسؤولة عن إدارة الوقت العالمي أنها ستتخلى عن إضافة الثانية الكبيسة التقليدية في عام 2035،

مع ذلك، ما تزال لديها فرصة استخدام الثانية الكبيسة قبل الموعد المحدد ولكن بطريقة غير تقليدية. استخدم العلماء الثواني الكبيسة الإيجابية فقط منذ إنشاء هذه السياسة، إذ أضافوا ثانية واحدة كل مرة لإبطاء ساعات العالم حين تسبق دوران الأرض بدرجة كبيرة.

دوران الأرض يسبق ساعات العالم

لكن ساعات العالم لم تعد تسبق دوران الأرض اليوم، بل أصبحت متأخرة عنه، وإذا استمرت هذه الحال فمن المحتمل أن تكون الثانية الكبيسة التالية سالبة، أي أن تُزال ثانية من الوقت لتسريعه مجدداً بمقاييس البشر، وهي طريقة جديدة وغير مجربة من قبل.

لن يلاحظ غالبية الناس أن ثانية من الوقت أُزيلت من حياتهم أو أُضيفت إليها، لكن أجهزة الكمبيوتر وشبكاتها تواجه مشكلات بسبب الثواني الكبيسة الموجبة بالفعل، وفي حين يمكن لمشغلي أجهزة الكمبيوتر وشبكاتها الاستعداد لإضافة ثانية كبيسة موجبة، فهم لن يعرفوا ما يمكن أن تفعله الثانية الكبيسة السالبة حتى تُزال ثانية من الوقت بالفعل.

تقول الباحثة في المجلس القومي للبحوث المسؤول عن ضبط الوقت في كندا، مارينا غرتسفولف: “لا نعرف كيف ستتفاعل أنظمة البرمجيات معها”.

أنظمة البرمجيات والثانية الكبيسة

تحسب الساعات الذرية الثانية بدقة مذهلة من خلال عملية تحدث داخل نواة ذرة السيزيوم-155 (cesium-155)، لكن مدة اليوم تُحدد بناءً على الوقت الذي تستغرقه الأرض لإنهاء دورة كاملة واحدة، وهو 24 ساعة أو 86,400 ثانية.

إلا أن مدة اليوم الأرضي في الواقع لا تساوي دائماً 86,400 ثانية تماماً، لأن دوران الأرض ليس ثابتاً ويمكن أن يتأثر بعوامل مختلفة تتراوح بين تموج طبقة الوشاح وحركة الغلاف الجوي وقوة جاذبية القمر، ما يؤدي إلى تقصير اليوم أو إطالته بمقدار بضعة أجزاء من الألف من الثانية كل يوم، وتتراكم هذه الفروقات بمرور الوقت.

اقرأ أيضاً: تهدد الأرض بالغرق: تعرف إلى أنهار الغلاف الجوي  

الهيئة الدولية لدوران الأرض وأنظمة الفضاء (IERS) هي المسؤولة عن مراقبة التغيرات في دوران الأرض وضبط الأنظمة وفقاً لها؛ عندما يكون التباين بين الدوران الفعلي والدوران المتوقع بناءً على الساعات الذرية كبيراً، تعلن الهيئة إضافة ثانية كبيسة إلى الدقيقة الأخيرة من يوم 30 يونيو/ حزيران أو 31 ديسمبر/ كانون الأول، أيهما يأتي بعد الإعلان، ومنذ عام 1972، أُضيفت 31 ثانية كبيسة موجبة تحت إشرافها.

لكن دوران الأرض على مدى الأشهر القليلة الماضية كان يسبق ساعات العالم، وإذا استمرت هذه الحال فمن المحتمل أن تكون الثانية الكبيسة التالية سالبة. من الممكن أن تقرر الهيئة الدولية لدوران الأرض وأنظمة الفضاء في وقت ما بين أواخر العقد الثالث وبداية العقد الرابع من الألفية الثالثة إزالة الثانية الأخيرة من الدقيقة الأخيرة من يوم 30 يونيو/حزيران أو 31 ديسمبر/ كانون الأول، لتتألف الدقيقة الأخيرة بالتالي من 59 ثانية، أي أن التوقيت سينتقل من الساعة 23:59:58 إلى الساعة 00:00:00 مباشرة. عواقب هذه الثانية الكبيسة السالبة غير معروفة،

وكل ما نعرفه هو الفوضى الكبيرة التي سببتها الثواني الكبيسة الموجبة الماضية في أنظمة الكمبيوتر. وعلى الرغم من أن تأثير تعديلات الوقت لم يرتقِ إلى الانهيار المروع الذي كان متوقعاً وتم الاستعداد له إبان الدخول في الألفية الجديدة عام 2000، فقد عانى مدراء الأنظمة بسببها مشكلات مزعجة؛ ففي عام 2012، أدت الثانية الكبيسة إلى حدوث خلل في نظام التشغيل لينوكس، وانهار موقع ريديت في منتصف الليل، وفي عام 2017، واجه موقع كلاودفلير (Cloudflare) الذي يعدّ مزوداً رئيسياً لخدمات الإنترنت انقطاعاً كبيراً بسبب الثانية الكبيسة. تظهر المشكلات دائماً عندما يتصل جهاز كمبيوتر أو خادم بجهاز كمبيوتر أو خادم آخر لم تُضف إليه الثانية الكبيسة.

اقرأ أيضاً: الصين تستكمل بناء أكبر تلسكوب في العالم لمراقبة النشاط الشمسي

كيف تستعد شركات التكنولوجيا لإضافة ثانية كبيسة؟

ونتيجة لذلك كانت شركات التكنولوجيا التي تحمّلت تبعات الثانية الكبيسة أكبر منتقدي هذه الممارسة. على سبيل المثال، أعربت شركة فيسبوك عن قلقها بشأن احتمال إضافة ثانية كبيسة سالبة، إذ قال اثنان من مهندسيها عام 2022 إن أثر الثانية الكبيسة السلبية لم يخضع بعدُ للتقييم على نطاق واسع، ويمكن أن يسبب أضراراً كارثية للأنظمة والبرامج التي تعتمد على أجهزة ضبط الوقت أو تنظيم الجداول.

لكن الجهات المسؤولة عن إدارة الوقت لا تتوقع انهياراً شاملاً؛ يقول الباحث في المعهد الوطني للقياس، وهو الهيئة العليا للقياس في أستراليا، مايكل ووترز، إن تأثير الثواني الكبيسة السالبة أقل ضرراً من تأثير الثواني الكبيسة الموجبة.

مع ذلك، وضعت بعض المؤسسات خططاً للطوارئ تحسباً لمثل هذا الحدث. على سبيل المثال، تستخدم شركة جوجل عملية تدريجية تُدعى “التوزيع” (smear)، وتنطوي على إضافة الثانية مجزأة على دفعات على مدار اليوم لتعويض الفرق بدلاً من إضافتها كاملة دفعة واحدة. وفقاً للشركة، اختبرت هذه العملية الثانية الكبيسة السالبة عن طريق حذف أجزاء من الثانية في فترات موزعة على مدار اليوم ليبلغ مجموعها في نهاية اليوم ثانية كاملة.

تعتمد أنظمة ضبط الوقت في العديد من الخوادم على مجموعات من الأقمار الصناعية المخصصة للملاحة، مثل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) الأميركي ونظام غاليليو (Galileo) الأوروبي ونظام بيدو (BeiDou) الصيني. تقرأ الخوادم بيانات الأقمار الصناعية بواسطة أجهزة استقبال متخصصة تترجم الإشارات إلى بيانات، وهي تشمل البيانات المتعلقة بالوقت، ويقول ووترز إن العديد من شركات تصنيع أجهزة الاستقبال هذه اختبر الأنظمة للتعامل مع الثواني الكبيسة، وإن الوعي بالثواني الكبيسة زاد بدرجة ملحوظة مقارنة بما كانت عليه الحال في الماضي.

اقرا أيضاً: بدء بناء أكبر تلسكوب في العالم مكون من 130 ألف هوائي

في نهاية المطاف، الثانية الكبيسة هي تعديل بشري مصطنع على الوقت تستخدمه الجهات المسؤولة عن إدارة الوقت العالمي لمواءمة الدورات الفلكية التي كانت تحدد وقتنا في الماضي مع الساعات الذرية التي حلّت مكان النجوم. تقول غرتسفلوف: “يلغي هذا النهج فكرة أن الوقت ينتمي إلى بلد أو قطاع معين”.

وافقت الجهات المسؤولة عن تنظيم الوقت العالمي كلها على التخلص من سياسة الثانية الكبيسة قريباً، وإذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، ستدور الأرض كما يحلو لها دون الحاجة إلى تخطي أي ثانية.