السبات الشتوي. وما يحدث عندما يدخل الحيوان في سبات هو أكثر من مجرد الاستلقاء لقيلولة طويلة بعض الشيء، إذ تحدث تغيّراتٍ أيضية شديدة، يتباطأ قلب الحيوان وتنفسه وتنخفض درجة حرارة جسمه إلى أن قد تصل إلى درجة مئوية واحدة، وقد تمر أيام أو حتى أسابيع دون أن يستيقظ الحيوان حتى للشرب أو الأكل أو لقضاء حاجته. لنتعرف أكثر إلى هذا السلوك.
أشكال السبات الشتوي
مثل معظم سلوكات الكائنات الحية التي تتشابه في الهدف وتختلف في الآلية، فإن سلوك السبات الشتوي يتنوع بين الثدييات، وينقسم إلى نوعين رئيسيين؛ السبات الإلزامي، والسبات الطوعي. فالحيوانات التي لديها سبات إلزامي؛ هي الحيوانات التي تدخل السبات بشكل لا إرادي وبشكل سنويّ بغض النظر عن درجة الحرارة المحيطة وإمكانية الوصول إلى الغذاء. ويشمل هذا السلوك العديد من أنواع السناجب الأرضية، والقوارض الأخرى، وفئران الليمور، والقنافذ الأوروبية وغيرها من آكلات الحشرات، والجرابيات.
يتميز السبات الإلزامي بفترات انقطاع تسمى بـ«الاستيقاظ الدوري»، حيث يتم استعادة درجات حرارة الجسم ومعدلات ضربات القلب إلى مستوياتها النموذجية. ولا يزال سبب هذه الاستثارات والغرض منها غير واضح، لكن هناك فرضيات متعددة حول هذا الموضوع. إحداها هي أن فترات قصيرة من ارتفاع درجة حرارة الجسم أثناء السبات تسمح للحيوان باستعادة مصادر الطاقة المتاحة، أو أن الجسم يحتاج الحرارة لبدء استجابةٍ مناعيةٍ ما.
النوع الآخر للسبات؛ هو السبات الاختياري، وهو المصطلح الذي يطلق على الحيوانات التي تدخل في سبات بسبب درجة الحرارة شديدة الانخفاض أو الحرمان من الطعام. هذا يعني أن طول الفترة التي يدخلها الحيوان في السبات يعتمد على الظروف الجوية والإمدادات الغذائية، لذا فإن أنماط السبات الاختياري ليست متّسقة كما في السبات الإلزامي. تتبع هذا السلوك الدببة وفئران الجيب والهامستر السوري وكلاب البراري ذات الذيل الأسود.
السبات الشتوي لدى الزواحف
بقيت فترات السكون الموسمية لدى الزواحف، شديدة البرودة بشكل عام، محطّ جدل فيما إذا كانت مماثلة لحالة السبات لدى الثدييات أم لا. فعندما تنغلق الثدييات على ذاتها، فإنها لا تستجيب للإشارات الخارجية، أو تفعل ذلك بحركة بطيئة جدا، بينما الزواحف ليست كذلك، فإذا اقتربت من مكانها في السبات، فسوف تنظر إليك، مما يعني أنها تستجيب.
لم يتم دراسة السبات في الزواحف بشكل جيد مثل السبات في الثدييات، وذلك بسبب تمثيلها الغذائي المنخفض للغاية -حتى عندما لا تكون في حالة سبات- مقارنةً بالانخفاض المهول في التمثيل الغذائي لدى الثدييات عندما تدخل في سباتها.
لكن الأبحاث التي أُجريت على سحالي«tegu» البرازيلية، أظهرت نتائجها أن تلك الحيوانات تقمع نشاطها الأيضي -وهو سمة محددة من سمات السبات- في فترات السكون الشتوي عندما تقضي ستة أشهر تحت الأرض وينخفض معدل ضربات قلبها من 30 نبضة في الدقيقة.
اقرأ أيضاً: سلسلة الشتاء: الهجرة أو كيف تنجو الطيور من برد الشتاء
سبات الدببة
رغم كونه السبات الشتوي الأكثر شهرة، إلا أنه لطالما طُرح سؤالٌ في المجتمع العلمي حول ما إذا كانت الدببة تمر في حالة سبات حقيقية أم لا. ذلك لأنها لا تعاني إلا من انخفاض طفيف في درجة حرارة الجسم -3 إلى 5 درجات مئوية- مقارنةً بالانخفاضات الأكبر من ذلك بكثير التي شوهدت في سباتات حيوانات أخرى. اعتقد العديد من الباحثين أن نوم الدببة العميق لا يمكن مقارنته بالسبات الحقيقي، لكن أبحاثاً أجريت على الدببة البنية والدببة السوداء دحضت هذه النظرية.
تتحمل الدببة في حالة السبات القدرة على إعادة تدوير البروتينات والبول، مما يسمح لها بالتوقف عن التبول لأشهر وتجنب ضمور العضلات، وتحافظ على رطوبتها من خلال الدهون الأيضية التي يتم إنتاجها بكميات كافية تلبي احتياجات الدب للماء. كما أنها لا تأكل أو تشرب أثناء السبات وتعيش على مخزون الدهون. وعلى الرغم من الخمول طويل الأمد ونقص تناول الطعام، يُعتقد أن الدببة السباتية تحافظ على كتلة عظامها ولا تعاني من هشاشة العظام، كما أنها تحافظ على وفرة بعض الأحماض الأمينية الأساسية في العضلات، بالإضافة إلى تنظيم نسخ مجموعة من الجينات التي تحد من هزال العضلات.
وفي دراسة أجريت عام 2016 بواسطة طبيب بيطري للحياة البرية وأستاذ مشارك في جامعة إنلاند النرويجية للعلوم التطبيقية على 14 دباً بنياً خلال ثلاثة فصول شتاء. تم قياس حركتها ومعدل ضربات القلب ودرجة حرارة الجسم والنشاط البدني ودرجة الحرارة المحيطة وعمق الثلج لتحديد دوافع بداية ونهاية السبات بالنسبة للدببة. ووضعت هذه الدراسة التسلسل الزمني الأول لكل من الأحداث البيئية والفسيولوجية قبل بداية السبات.
أظهرت النتائج أن الدببة تدخل عرينها لتبدأ السبات عند وصول الثلج، وانخفاض درجة الحرارة المحيطة إلى 0 درجة مئوية، ولكن حتى قبل عدة أسابيع من دخولها، يبدأ نشاطها ومعدل ضربات القلب ودرجة حرارة الجسم لديها في الانخفاض ببطء بشكل تدريجي. بينما ينخفض معدل ضربات القلب بشكل كبير ولمرة واحدة عند بدء السبات، مما يشير بشكل غير مباشر إلى أن قمع التمثيل الغذائي مرتبط بسلوك السبات لدى الدببة كذلك. قرب نهاية السبات، وقبل شهرين من الاستيقاظ، ارتفعت حرارة أجسام الدببة، بسبب ارتفاع درجة الحرارة الخارجية لا ارتفاع معدل ضربات القلب. بينما بدأ معدل ضربات القلب بالارتفاع فقط حوالي ثلاثة أسابيع قبل الاستيقاظ. واتّضح أن الدببة تغادر عرينها بمجرد أن تكون درجات الحرارة الخارجية في أدنى مستوى مناسب. مما يشير إلى أن الدببة تقوم بالتكوين الحراري، وأن سبات الدب مدفوعاً بمؤشرات بيئية، لكن استيقاظه مدفوعاً بإشارات فيزيولوجية.
السبات الشتوي لدى البشر
تشير الدراسات إلى أنّ البشر كانوا يدخلون في مرحلة سبات شتوي؛ وذلك وفقاً لحفريات مُكتشَفة في مواقع عدة يعود تاريخها إلى حوالي 430 ألف عام، وربما كانت تنتمي إلى أفراد من إنسان نياندرتال أو نوع آخر من البشر يسمى إنسان هايدلبيرغ عاشوا خلال فترة جليدية. إذ أشارت الحفريات إلى أنّ المراهقين كان لديهم سن بلوغ متقطع سنوياً في هذه الفئة من البشر، بالإضافة إلى وجود علامات واضحة في العظام تدل على نقص فيتامين د بسبب قلة التعرض لأشعة الشمس، وتظهر اختلافات موسمية تشير إلى أنّ نمو العظام تعطَّل لعدة أشهر من كل عام. تتوافق هذه الآفات الموجودة في عظام الإنسان في الكهف مع الآفات الموجودة في عظام الثدييات التي تدخل في مرحلة السبات الشتوي. ولم يُعرف بعد ما الذي أفقد البشر هذه القدرة.
كما يدرس الباحثون كيفية إحداث السبات عند البشر، وذلك بحقن مادة كيميائية في الدم تمت تجربتها على فئران ونجحت بالفعل في تحويلها من كائنات الدم الحار إلى كائنات الدم البارد لمدة ستة ساعات قبل عودتها إلى الحالة الطبيعية. وتكمن أهمية تحقيق ذلك لدى البشر بشكل رئيسي في شراء الوقت لأولئك الذين ينتظرون علاجٍ ما أو عملية زراعة أعضاء، أو في بعثات الفضاء الطويلة مستقبلاً.
اقرأ أيضاً: سلسلة الشتاء: الاستحمام بالماء البارد يعزز المناعة ويحسن الدورة الدموية