تقع معظم مزارع توليد الطاقة الشمسية الكبيرة في العالم في الصحاري، إذ توفر هذه المناطق مساحات واسعة من الأرض الشاغرة التي يسودها ضوء الشمس على مدار العام. تصور الباحثون تحويل الصحراء الكبرى، أكبر منطقة صحراوية على وجه الأرض، إلى مزرعة شمسية ضخمة قد يكون لديها القدرة على إنتاج 4 أضعاف الطلب العالمي الحالي من الطاقة الكهربائية.
لكن هناك مشكلة كبيرة: الغبار. يمكن أن يؤدي تراكم الغبار التدريجي على الألواح الشمسية إلى تقليل كفاءتها بنسبة 30% تقريباً خلال شهر واحد من التشغيل. يقابل انخفاضاً يبلغ 3-4% في كفاءة الألواح الشمسية حول العالم خسارة اقتصادية لا تقل عن 3.3-5.5 مليار دولار. ومع ازدياد شدة العواصف الرملية نتيجة لتغير المناخ، قد تخسر الألواح الشمسية نسبة من كفاءتها بسرعة ما لم يتم تنظيفها عدة مرات في الشهر.
تُعد رشاشات ونفاثات المياه المضغوطة الطريقة الأكثر شيوعاً لتنظيف الألواح الشمسية. ولتجنب خطر تلطيخ زجاج الألواح الشمسية وإتلافه، لا يمكن استخدام سوى المياه النقية الخالية من المعادن. إن نقل المياه النظيفة إلى المناطق الصحراوية الجافة أو النائية التي تعاني من ندرة إمدادات المياه يمثّل نسبة 10% من تكاليف عمليات تشغيل المزارع الشمسية وصيانتها.
في حين أن القدرة العالمية للمزارع الشمسية تتجاوز حالياً 500 غيغاواط، يقدر الباحثون أن ما يصل إلى 45.4 مليار لتر من مياه الشرب تستخدم كل عام فقط لتنظيف الألواح الشمسية. ولوضع الأمور في نصابها، يمكن أن تلبي هذه الكمية من المياه المتطلبات السنوية لما يقرب من مليوني شخص يعيشون في البلدان النامية.
يقول «كريبا فاراناسي»، أستاذ الهندسة الميكانيكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (لا علاقة له بمؤلفة المقال): «لقد اندهشت من الكمية الهائلة من المياه النقية المطلوبة لتنظيف الألواح الشمسية»، ويضيف: «سيزيد استهلاك المياه في المزارع الشمسية في المستقبل. ونحن بحاجة لإيجاد طرق لجعل مزارع الطاقة الشمسية أكثر استدامة».
الحاجة لطرق تنظيف جديدة للألواح الشمسية
إزالة الغبار المتراكم على الألواح الشمسية باستخدام طرق التنظيف الجاف مثل الفراشي والهواء المضغوط تولد خطر إتلاف الألواح الشمسية بسبب تعرض السطح للخدش بمرور الوقت.
دفعت عدم كفاءة طرق التنظيف الحالية فاراناسي وطالبه في مرحلة الدراسات العليا، «سريداث بانات»، إلى ابتكار نظام تنظيف لا يتطلّب التلامس يمكنه صد الغبار تلقائياً على الألواح الشمسية بدون استخدام المياه.
يستخدم النظام الجديد التنافر الكهرسكونيّ (التنافر الكهربائي الساكن) لإبعاد جزيئات الغبار عن سطح الألواح الشمسية. في حين أن الغبار في حد ذاته ليس موصلاً كهربائياً، إلا أن الباحثون وجدوا أن تطبيق قوة كهربائية أو جهد كافٍ من خلال قطب كهربائي، مثل قضيب معدني يمر فوق سطح اللوح الشمسي، يشحن جزيئات الغبار الموجودة على اللوح. بعد ذلك، يتم شحن رقاقة شفافة، مثل تلك التي تستخدم لحماية شاشات الهواتف والحواسيب المحمولة، بشحنة معاكسة، ويتم تركيبها على اللوح، ما يسمح للسطح الزجاجي بصد جزيئات الغبار.
يمكن استخدام هذا النظام بشكل منفصل إلى جانب روبوت مخصص لتنظيف الألواح الشمسية. أو يمكن تركيبه على كل جانب من جوانب اللوح، وتشغيله باستخدام كمية صغيرة من الطاقة الشمسية. كتب فاراناسي وبانات عن نظامهما الجديد في ورقة بحثية نُشرت مؤخراً في دورية «تقدّمات علمية».
في الماضي، استخدمت وكالة ناسا الكهرباء الساكنة لإزالة الغبار من الألواح الشمسية على مركبات المريخ الجوالة بمساعدة الشاشات الكهروديناميكية. ومع ذلك، فقد نجحت هذه التكنولوجيا فقط لأنها نُفّذت في ظروف جافة للغاية، وهو أمر مستحيل على الأرض. يوضح فاراناسي قائلاً: «تتطلب تكنولوجيا ناسا أيضاً استخدام أقطاب كهربائية متداخلة تولّد قوة كهربائية أضعف ولا يمكنها تحمل الرطوبة».
جعل هذا فاراناسي وطالبه يتّبعان طريقة مختلفة لاستخدام الكهرباء الساكنة لتنظيف الألواح الشمسية. وبدؤوا بإجراء تجارب على جزيئات الغبار بمختلف الأحجام، واكتشفوا أن مركّب ثنائي أوكسيد السيليكون (السيليكا) في جزيئات الغبار يمتص الرطوبة من الغلاف الجوي.
يقول فاراناسي: «تأتي شحنة جزيئات الغبار من طبقة رقيقة من الماء الممتص لا يتجاوز سمكها بضعة نانومترات، ولكنها تلعب دور موصل مع ذلك. مكننا ذلك من تقدير القوة الكهربائية لجزيئات الغبار وإزالة تلك التي تتراوح أقطارها بين 30 و40 ميكروناً.
وصل الباحثون إلى هذا الخرق الواعد بعد إجراء التجارب ضمن مجال واسع من مستويات الرطوبة، والتي تراوحت بين 5% و95%. ثم لاحظوا أن الرطوبة هي العامل الأساسي الذي يجعل النظام فعّالاً.
يقول فاراناسي: «طالما أن الرطوبة النسبية تزيد عن 30%، فسيكون هذا النظام فعّالاً وسيعمل بشكل جيد للغاية»، ويضيف: «يمكننا تطبيق هذا النظام في معظم المناطق الجغرافية، وحتى الصحاري الأكثر جفافاً، بسبب تشكّل الندى في الصباح».
صمم فاراناسي وطالبه نموذجاً مخبرياً أولياً يتألف من لوحة شمسية وسطح موصل وقطب كهربائي متحرك متصل بأعلى اللوح. لكن هذا النظام لا يزال غير قادر على إزالة جزيئات الغبار التي يقل قطرها عن 10 ميكروناً.
يقول فاراناسي: «جزيئات الغبار الصغيرة هذه هي التي تولّد تأثير التظليل على الألواح الشمسية»، ويضيف: «نحن نعمل على بعض التحسينات الأخرى للتغلب على هذه المشكلة».
حلول بديلة لتقليل استهلاك المزارع الشمسية للمياه
بينما يستعد مهندسو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لجعل نظامهم الجديد قابلاً للتطبيق على نطاق أوسع في المستقبل، يعمل باحثون آخرون على تطوير تكنولوجيا تعتمد على طلي الألواح الشمسية لتقليل تراكم الغبار. حاول باحثون مقيمون في ألمانيا من جامعة «بن غوريون» تطوير طلاء خاص بالألواح الشمسية مصنوع من السيليكون ومقاوم للماء. هذا التصميم مستوحى من أوراق زهرة «اللوتس» التي تتمتع بالقدرة على التنظيف الذاتي، ويمكن لهذا الطلاء أن يمنع الغبار من التراكم على سطح الألواح الشمسية، وأن يقلل من كمية المياه المطلوبة لتنظيفها.
أطلقت شركة «سولار شارك» التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها طلاءً صادّاً للغبار خاصاً بالألواح الشمسية، واستخدم الخبراء في هذه الشركة بنى من الجسيمات النانوية لا يتجاوز سمكها بضعة ميكرونات، وذلك لجعل الطلاء شفافاً. وفقاً لموقع الشركة، يتمتّع الطلاء بالقدرة على التنظيف الذاتي، ويتيح تكوين قطرات الماء التي يمكن أن تسيل على سطح الألواح.
لكن فاراناسي يقول إن مشكلة الطلاء المعتمد على بنى الجسميات النانوية أنه يمكن أن يتآكل بمرور الوقت بعد التعرّض للعواصف الترابية والرياح. يقول فاراناسي: «يمكن أن يتأثر قوام الطلاء بهذه العوامل ويفقد شفافيته».
على الرغم من كل التحديات المعقدة التي ينطوي عليها منع تراكم الغبار على الألواح الشمسية، لا يزال المهندسون مثل فاراناسي متفائلين بشأن تطوير التكنولوجيا المناسبة لجعل قطاع توليد الطاقة الشمسية أكثر استدامة بيئياً.
يقول فاراناسي: «المياه مورد ثمين»، ويضيف: «إذا فكرت شركات توليد الطاقة الشمسية بطريقة استباقية وعالجت هذه المشكلة من منظور شامل، فلن تؤثر بشكل مباشر على وصول المجتمعات للمياه النظيفة».