كيف يمكن لشخصٍ واحد التحكم بـ 130 طائرة درون في نفس الوقت؟

4 دقائق
سرب من الدرونات
حقوق الصورة: راثيون بي بي إن.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، في فورت كامبل بولاية تينيسي، على بعد 800 متراً من حدود كنتاكي، قاد إنسان واحد سرباً مكوناً من 130 روبوتاً. قام السرب، والذي احتوى على طائراتٍ غير مأهولة ومروحيات رباعية ومركبات أرضية، باستكشاف المباني الافتراضية في محاكاة بمجمع كاسيدي رينج، وإنشاء ومشاركة المعلومات المرئية ليس فقط مع المشغل البشري، بل ومع الأشخاص الذين كانوا على نفس الشبكة. كان التمرين جزءاً من برنامج تكتيكات تمكين الأسراب الهجومية «أوفسيت» (OFFSET) التابع لوكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية (داربا).

إذا كان من الممكن أيضاً إجراء التجربة خارج بيئة الاختبار الخاضعة للرقابة، فهذا يشير إلى أن إدارة الأسراب في حالة حرب يمكن أن تكون سهلة على من يقوم بها ولن تحتاج إلا لبضع نقراتٍ بالماوس.

يقول شين كلارك من شركة «رايثون بي بي إن» للتصنيع العسكري، والذي كان مسؤولاً عن برنامج أوفسيت: «كان مشغل سربنا يتفاعل مع الأشياء كلها معاً في نفس الوقت بالفعل، وليس بشكلٍ إفرادي. لقد أنجزنا وضع المستويات الأساسية لاستقلالية الطائرات بدون طيار لدعم تفاعلات نمط (واحد إلى كثير) بطريقة طبيعية».

يمكن أن تكون قيادة حتى طائرةٍ واحدة أمراً مرهقاً جداً لدرجة أنك غالباً ما ترى مقاطع فيديو لطائراتٍ تتحطم على الفور في تجربتها الأولى. إن الوصول إلى النقطة التي يستطيع فيها إنسان واحد التحكم في أكثر من مائة طائرة بدون طيار يتطلب بعض المهارة، ومستوىً عالٍ من الذكاء الاصطناعي.

إجمالاً، قام مشغل السرب بتوجيه 130 مركبةً في العالم المادي بالإضافة إلى 30 طائرة في محاكاةٍ تعمل في بيئة افتراضية. دُمجت هذه الطائرات الافتراضية الثلاثون في تخطيط السرب وظهرت بحيث لا يمكن تمييزها عن بقية طائرات السرب الحقيقية في برنامج المشغل البشري. حلقت هذه الطائرات الافتراضية كأطياف رقمية خالصة ومسيرةً بواسطة الذكاء الاصطناعي في تشكيلٍ مع الطائرات الحقيقية، وناورت كما لو كانت موجودةً بالفعل في الفضاء المادي.

سرب من الدرونات
جزء من السرب. حقوق الصورة: الجيش الأميركي، جيري وولر.

كيف تحكم شخص واحد بسرب الدرونات؟

بالنسبة للشخص الذي يوجه السرب، تظهر مجموعة الروبوتات بالكامل كما لو أنها ضمن لعبة واقع افتراضي استراتيجية تم إسقاطها على الواقع الحقيقي.

يقول كلارك: «يرتدي الموجه نظارات الواقع الافتراضي من مايكروسوفت، ويتفاعل مع واجهة ثلاثية الأبعاد افتراضية تحتوي على ما يسمى عرض طاولة الرمل الرقمية. إنها أشبه بعرض لعبة (God’s Eye) الاستراتيجية في الوقت الحقيقي، حيث يمكنك رؤية جميع الطائرات بدون طيار فوق خريطة في بيئةٍ ثلاثية الأبعاد. عندما يتم رصد شيء ما، تتلقى الطائرات إشارةً مرتبطة بالموقع المحدد. لذلك، إذا اكتشفت إحدى المنصات خطراً حول مبنىً ما، فسترى الطائرات رمزاً أحمراً يومض محدداً موقعه ويظهر لها وهي في الجو».

مع استخدام نظارات الواقع الافتراضي، كان المشغل قادراً على تحديد مهام السرب ومعرفة ما اكتشفه بالفعل، دون أن يقوم بتوجيه أوامر فردية للطائرات. كان السرب المسير بواسطة الذكاء الاصطناعي، والذي يتلقى الأوامر والبيانات المعالجة بواسطة المستشعرات، بمثابة الوسيط بين التحكم البشري وحركة الروبوتات في الفضاء المادي.

في الوقت الحالي، عندما تريد فرقة عسكرية استخدام طائرة بدون طيار لاستكشاف منطقة ما، فإن الأمر يتطلب طياراً متخصصاً للتحكم بها عن طريق الكمبيوتر اللوحي لرؤية الروبوت وتوجيهه. أما النهج الجديد فله مزايا وعيوب؛ نظراً لأن نظارات الواقع الافتراضي للمشغل تعزله عن محيطه، لا يدرك المشغل محيطه بشكلٍ مباشر إلا عند عرضه داخل سماعة الرأس. في الوقت نفسه، يقوم المشغل البشري بتوجيه سلوك العشرات من الروبوتات، ما يغير بشكل جذري العلاقة الفردية بين الطيار والطائرة بدون طيار. يمكن للطائرات بدون طيار، شريطة أن يظل مشغل السرب البشري آمناً وأن تظل الشبكة تعمل، جمع معلومات مفيدة ونقلها إلى الجنود القريبين في الميدان. في الواقع، تسمح التكنولوجيا الجديدة بإحداث نقلةٍ نوعية فيما يمكن معرفته عن ساحة المعركة في الوقت الفعلي.

اقرأ أيضاً: للخصوصية والأمان: طائرات بدون طيار تبثّ إشارات الإنترنت الكمي

كيف يعمل السرب؟

تضمنت نماذج الدرونات طائرات بدون طيار مخصصة صنعها مختبر جونز هوبكنز للفيزياء التطبيقية، حيث كان دورها في السرب الطيران فوق منطقة التدريب ورسم بعض الخرائط الأولية، مع ذلك، استخدمها السرب لتوفير المراقبة بالكاميرات عند الحاجة. على الأرض كانت هناك روبوتات صغيرة بعجلات من صنع شركة «أيون ربوتيكس»، وكان السرب يحتوي أربع أنواع مختلفة من الدرونات رباعية المراوح، من بينها 75 درون «ثري دي آر سولو» (3DR Solo)، ونماذج عرض خفيفة من درونات  «يو فيفاي» (UVify)، ودرونات رباعية من صنع شركة «مودال إيه آي» (ModalAI) بحجمين مختلفين.

كانت جميع الروبوتات المستخدمة إما نماذج تجارية أو نماذج مخصصة مبنية من أجزاء تجارية جاهزة للاستخدام. لم يكن هذا سرباً مصمماً وفقاً للحاجات العسكرية، كان دروناتٍ تجارية ومصممة خصيصاً للعمل معاً من خلال برامج مخصصة. أدى ذلك لخفض تكلفة كل درون بنحو 2000 دولار فقط.

تقوم هذه الأنواع الستة من الروبوتات بنقل بيانات المسافة فيما بينها، ما يسمح للسرب بمعرفة مكان كل منها في الجو، وتنسيق مسارات طيرانه في الوقت الفعلي، وتحريك كل طائرة حسب الحاجة لتجنب الاصطدامات.

يقول كلارك: «نعمل بجد لإجراء بعض المعالجة لقراءات أجهزة الاستشعار التي تحملها الدرونات، بحيث لا نُضطر إلى إرسال الكثير من البيانات على الشبكة، فنحن لا نرسل صوراً خاماً على الشبكة لنعيد إرسالها إلى الدرون ونقول له إن هذه صورة باب مثلاً أو هناك ما يمثل خطراً محتملاً فيها أو تحتوي على أية معلومات. تتم معالجة هذه البيانات على متن الدرون مباشرة، ونحن نعيد إرسال إشعارٍ فقط إليها».

تسمح المعالجة الآلية للبيانات بجعل تفاعلات السرب ممكنة. واعتماداً على طبيعة البيانات المراد معالجتها، فإنها تنطوي أيضاً على احتمال ارتكاب أخطاءٍ كثيرة خلالها.

تم تجهيز كل روبوت بمودم صغير لاتصالات الجيل الرابع «إل تي إي» (LTE)، ولضمان تواصل الروبوتات مع بعضها بعضاً ومع المشغل البشري، أنشأ الفريق برجاً خلوياً بتقنية إل تي إي، على غرار الأبراج التي تعالج إشارات الهاتف الخلوي. يتيح ذلك للأسراب مشاركة الموقع مع تطبيق «Android Tactical Assault Kit» أو «ATAK» اختصاراً، وهو تطبيق يعمل على الهواتف الذكية ويسمح للجنود في الميدان بتلقي وإرسال المعلومات المتعلقة بالمعركة.

يقول كلارك: «أثناء التمرين الميداني، ولتسهيل المهمة، كان هناك مراقبون أمنيون في نطاق عمل السرب للتحقق من أي ظروف أو مشاكل تتعلق بالسلامة مثل اقتراب طائراتٍ منها، حيث كانت هواتفهم تتلقى جميع إشارات درونات السرب وتهتز محذرةً إياهم إذا ما اقترب شيءٌ ما منها، لأنه من الصعب جداً تتبعها كلها وهي في الهواء في نفس الوقت».

من خلال وصول الموقع التقريبي للدرون فقط إلى الأشخاص في الميدان، لن يشارك السرب إلا ما يحتاج المراقبون معرفته على الفور. في السيناريوهات الواقعية، ومع تحرك الأسراب لدعم المعركة، غالباً ما يحتاج الجنود إلى معرفة ما إذا كانت طائرة الدرون القريبة صديقةً أم لا، ولن يرغبوا في قضاء الكثير من الوقت في تحديد مكان وجود بقية السرب بالضبط.

نظراً لأن البنتاغون يتوقع حدوث معارك مستقبلية في بيئات حضرية ضخمة، فإن اكتساب وعي أفضل بالموقف قد يعني الفرق بين نجاة الجنود ووقوعهم في كمين.

شاهد مقطع فيديو من منظور موجه السرب البشري:

المحتوى محمي