الطاقة الشمسية ليست وليدة العصر الحديث؛ بل هي اكتشاف بدأ قبل منتصف القرن التاسع عشر، وتحديداً في عام 1839؛ حين اكتشف العالم الفيزيائي الفرنسي إدموند بيكريل البالغ من العمر 19 عاماً التأثير الكهروضوئي. لاحظ بيكريل أن تسليط الضوء على قطب كهربائي مغمور في محلول موصل يُنتج تياراً كهربائياً؛ لكنه لم يستطع تفسير سبب ذلك، وفي عام 1883، شيّد المخترع الأمريكي تشارلز فريتز أول لوح شمسي يعمل بالفحم باستخدام عنصر السيلينيوم، في محاولة للتنافس مع محطات توماس إديسون؛ لكن هذا اللوح لم يلقَ رواجاً لكونه لم يكن فعالاً إلا بنسبة 1%. أما في عام 1953م، فقد استطاع علماء من مختبرات كالفن فولر وجيرالد بيرسون وداريل شابين، استبدال مادة السيلينيوم بالسيليكون؛ ومن هنا ولدت صناعة ألواح الطاقة الشمسية الحديثة؛ أو بالأحرى وُضعت اللبنة الأساسية لها.
من الشمس تولد الطاقة
باتت الطاقة الشمسية إحدى المصادر الرئيسية للطاقة المتجددة في جميع أنحاء العالم، وتزداد شعبيتها في توليد الكهرباء أو التدفئة وتحلية المياه. يمكن للشمس أن تمدنا بالطاقة حتى لو كان الطقس غائماً. وتُولَّد الطاقة الشمسية بطريقتين رئيسيتين:
الخلايا الكهروضوئية «PV»:
وتسمى أيضاً الخلايا الشمسية؛ وهي أجهزة إلكترونية تحول ضوء الشمس مباشرةً إلى طاقة كهربائية، وتعد الطاقة الشمسية الكهروضوئية واحدةً من أسرع تقنيات الطاقة المتجددة نمواً.
الطاقة الشمسية المركزة «CSP»:
وهي عبارة عن مرايا عاكسة مرتبة في خطوط حول وحدة مركزية، تستقبل الإشعاعات التي تعكسها هذه المرايا، وتركزها تجاه وحدة استقبال تقوم بتسخين الأشعة وهي عبارة عن سائل حراري؛ مما يشكل بخاراً لتشغيل التوربينات وتوليد الكهرباء، وتُستخدم الطاقة الشمسية المركَّزة لتوليد الكهرباء في محطات توليد الطاقة واسعة النطاق.
الطاقة المتجددة ليست رفاهيةً أبداً
يعد التوجه العالمي نحو الطاقة المتجددة بجميع أنواعها أمراً حتمياً لا مفر منه، فالعالم الآن في مواجهة كبرى مع التغيُّر المناخي الذي يمثل تهديداً حقيقياً لملايين البشر؛ بل ويهدد كذلك النُظم الإيكولوجية؛ مما يستلزم تكاتف الجهود البشرية للتقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة، وتخفيض استهلاك المحروقات المستخدَمة في توليد الكهرباء في محطات الكهرباء التقليدية.
وفقاً للأمم المتحدة؛ تُعدّ الطاقة هي المسبب الرئيسي في تغير المناخ؛ حيث تتسبب في نحو 60% من مجموع انبعاثات غازات الدفيئة، لذا نصّ الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة على: «ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة»، وتضمنت مقاصد الهدف تحقيق زيادة كبيرة في حصة الطاقة المتجددة في مجموعة مصادر الطاقة العالمية، ومضاعفة المعدل العالمي لتحسين كفاءة استخدام الطاقة بحلول عام 2030.
لاحظت وكالة الطاقة الدولية أن بناء مشاريع الطاقة الشمسية الجديدة على نطاق المرافق أقل كلفةً من مجرد تشغيل محطات الفحم الحالية في دول مثل الصين والهند. أيضاً؛ تكاليف الطاقة المتجددة حول العالم تنخفض بشكل واضح يوماً بعد يوم، وتوقعت الوكالة أن تصبح الطاقة المتجددة المصدر الأول لتوليد الكهرباء في العالم بحلول عام 2025.
الطاقة الشمسية: القائد الجديد
ارتفعت كمية الطاقة الكهربائية المتجددة المضافة عالمياً في عام 2020 المنصرم، بنسبة 45٪ لتصل إلى 280 غيغاواط؛ وفقاً لآخر تحديث للسوق من وكالة الطاقة الدولية؛ وهي أكبر زيادة سنوية منذ عام 1999. ومن المقرَّر أن يُضاف حوالي 270 غيغاواط من الطاقة المتجددة في عام 2021 الجاري، وما يقرب من 280 غيغاواط في عام 2022، وأكدت الوكالة أن الحكومات في جميع أنحاء العالم تتجه بمستويات قياسية إلى الاستفادة من الطاقة المتجددة.
يُعد التحول إلى توليد الطاقة إلى مصادرَ متجددة، ركيزةً أساسيةً للجهود العالمية للوصول إلى تحييد الكربون؛ ولكن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من المقرَّر أن ترتفع العام الجاري، بسبب الارتفاع الموازي في استخدام الفحم؛ مما يُبرز التغييرات السياسية الرئيسة والاستثمارات في الطاقة النظيفة اللازمة لتحقيق الأهداف المناخية المنشودة.
ذكرت الوكالة أن تركيبات الطاقة الشمسية الكهروضوئية مستمرة في تحقيق أرقام قياسية جديدة، ومع توقع وصول الإضافات السنوية إلى أكثر من 160 غيغاواط بحلول عام 2022؛ أي بنسبة أعلى تُقدر بحوالي 50٪ تقريباً من المستوى الذي حُقق في عام 2019؛ مما يؤكد مكانة الطاقة الشمسية باعتبارها «القائد الجديد» لأسواق الكهرباء العالمية.
الدول العربية تدخل السباق بقوة
تحاذي الدول العربية خطى دول العالم في مشاريع الطاقة المتجددة، وبدأت في تشييد محطات ضخمة لتوليد الطاقة النظيفة الصديقة للبيئة؛ وخاصةً الطاقة الشمسية، نظرًا لاتساع رقعة الصحارى فيها. على سبيل المثال؛ يوجد في المملكة العربية السعودية العديد من مشروعات الطاقة المتجددة؛ من أبرزها محطة سكاكا لإنتاج الكهرباء التي افتُتحت بعد الإعلان عن «مبادرة السعودية الخضراء»، و«مبادرة الشرق الأوسط الأخضر» في مطلع العام الجاري، وكذلك عملت المملكة على توقيع اتفاقيات لسبع مشروعات جديدة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في مناطق مختلفة من المملكة، وستصل القدرة الإنتاجية لهذه المشروعات، بالإضافة إلى مشروعيّ سكاكا ودومة الجندل، إلى أكثر من 3600 ميغاواط؛ مما سيساهم بدوره في خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري إلى أكثر من 7 ملايين طن سنوياً.
أيضاً؛ هناك في الإمارات العربية المتحدة جهودٌ حثيثة لافتتاح أكبر مجمع للطاقة الشمسية في العالم بقدرة إنتاجية تبلغ 950 ميغاواط؛ والذي يساهم في خفض الانبعاثات الكربونية بنحو 1.6 مليون طن سنوياً. وفي جمهورية مصر العربية التي بدأت في عام 2019 في تشييد أضخم مشروع للطاقة الشمسية، يحمل اسم «شموس النوبة» في مجمع بنبان للطاقة الشمسية في محافظة أسوان؛ حيث انتهت من تشييد ثلاث محطات من المشروع بمعدل إنتاج يصل إلى 186 ميغاواط، ويهدف المشروع إلى توليد 752 ميغاواط من الطاقة الكهربائية لإمداد أكثر من 350 ألف من السكان بالكهرباء في المرحلة الأولى؛ وسط توقعات بخفض انبعاث الغازات الدفيئة عالمياً بأكثر من نصف مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً.
أيضاً في العراق وتونس وسلطنة عمان والمغرب؛ أُطلقت مشاريع لبناء محطات للطاقة الشمسية، وعليه؛ يُمكن القول بأن الدول العربية لم تتخلف عن الركب العالمي؛ بل تتقاسم معه أهداف التنمية المستدامة.
المؤسسات العلمية العربية في المواجهة
تمثل مشاريع الطاقة المتجددة في الدول العربية، عناصرَ جوهريةً في الخطط الرامية للوصول إلى الطاقة الأمثل لإنتاج الكهرباء، عبر الطرق الأعلى كفاءةً، والأقل تكلفةً، والأكثر إسهاماً في حماية البيئة والحفاظ عليها.
ومع سباق الدول العربية في الحصول على طاقة نظيفة ومتجددة من الطاقة الشمسية، يظل للمؤسسات العلمية العربية دور بارز في تطوير التقنيات الحديثة لمواكبة مشاريع بلادها الوطنية. على سبيل المثال؛ توصل باحثون في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست» إلى تقنية جديدة لإنتاج خلايا شمسية معتمدة على مزيج من مادة البيروفسكايت وخلايا السيليكون التقليدية، لتكون أفضل أداءً، ويمكن إنتاجها على نطاق واسع، وقد تُمثل حجر الأساس لظهور جيل جديد من الخلايا الشمسية يتميز بكفاءة أعلى مقارنةً بالتقنيات المتاحة حالياً.
أيضاً تسعى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية «كاكست» إلى تقديم حلول تقنية مبتكَرة لإنتاج الطاقة الشمسية بكفاءة اقتصادية عالية؛ عن طريق تطوير تقنيات تخزينها، وإيجاد حلول لتوفيرها للمناطق النائية، وتحسين تقنيات الطاقة لتلائم الظروف البيئية القاسية في المملكة.
تقنيات مدينة الملك عبد العزيز في مشروعات الطاقة
أولت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية قطاع الطاقة اهتماماً كبيراً، نظراً للطلب المتزايد على الطاقة البترولية لتوليد احتياجها من الكهرباء، ومما لاشك فيه أن البحث عن تقنيات متطورة للحد من تنامي استهلاك البترول لتوليد الطاقة الكهربائية يعد مطلباً أساسياً، لذا قدمت المدينة العديد من المشروعات الواعدة في هذا المجال، ومن أبرزها:
تطوير وتوطين صناعة المتابعات الشمسية
يعمل المتابع الشمسي بنوعيه المحوري والخطي بتوجيه تقنيات الطاقة الشمسية بجميع أنواعها نحو قرص الشمس في السماء، وبشكل مستمر بهدف زيادة إنتاج الطاقة.
يهدف هذا المشروع إلى تطوير صناعة المتابعات الشمسية في المملكة؛ حيث قُدمت فيه دراسةٌ عن جميع تقنيات المتابعات الشمسية- بشقيها المحوري والخطي- التي تلائم الظروف المناخية والجغرافية للمملكة. كما تعاونت المدينة مع جهات حكومية داخل المملكة وخارجها للاستفادة من خبراتها العلمية والمهنية في هذا المجال، لتحقيق أهداف المشروع المتوافقة مع برامج التحول الوطني الهادفة إلى تقليل الاعتماد على النفط.
تقنيات معالجة ومقاومة الغبار على الألواح الشمسية
يهدف المشروع إلى تطوير طلاء طارد للغبار يتناسب مع أجواء المملكة مكون من أكاسيد السليكون ذات الحجم النانوي (من 20 إلى 5 نانومتر)، لتُطلى به ألواح الزجاج، ثمّ تُجرى عمليّة تقسية لمادته على أسطح الزجاج داخل أفران تبدأ درجة حرارتها من 500 درجة مئويّة.
اختيرت ثماني مدن على مستوى المملكة في هذا المشروع؛ وهي: الرياض، والأحساء، والقصيم، والخفجي، وينبع، ومكة المكرمة، وتبوك، والقرية الشمسية في العيينة، لوضع الحوامل للزجاج المطلي لدراسة تأثير خاصية الطلاء الطارد للغبار في أجواء مختلفة؛ إذ تُستخدم الحوامل لعمل اختبارات لمادة الطلاء المناسبة للخلايا الشمسيّة تساعد في حماية الأسطح الزجاجيّة، ورفع كفاءتها، والتقليل من تكلفة تنظيف الألواح الزجاجية والخلايا الشمسيّة، إضافة إلى حمايتها من تأثير الأشعة فوق البنفسجيّة.
ستُصمَّم في هذا المشروع أيضاً وحدة صناعية وخط إنتاج للدهان بسعة تزيد عن 100 لتر في القرية الشمسية، لاستخدام المنتج وتطبيقه على أسطح ألواح الخلايا الشمسيّة.
تطوير الخلايا الشمسية من مادة البيرفوسكايت
يتمثل التحدي الرئيسي لإنتاج الخلايا الشمسية بإيجاد موادَ جديدة قادرة على تخفيض التكاليف ومنافسة للطاقة التقليدية، لذا استهدفت المدينة تصنيع خلايا شمسية باستخدام مادة ذات تكلفة منخفضة قادرة على امتصاص الأشعة الشمسية تُسمى البيرفوسكايت «Perovskite».
يعمل المشروع على تطوير وتصنيع خلايا شمسية بجودة عالية وكفاءة توفير تتجاوز 20٪؛ حيث تتمتع هذه الخلايا بقدرتها على العمل في مختلف الظروف الطبيعية لتحسين كفاءة هذه الخلايا الشمسية، أيضاً دُرست خواص المواد الكهربائية والضوئية والكيمائية في هذا المشروع أيضًا لزيادة الكفاءة.
ختاماً؛ يمكن القول أن الدول العربية باتت تسابق دول العالم في مكافحة تغير المناخ والحفاظ على البيئة، ويتجلى هذا بوضوح في اختيار الطاقة النظيفة كبديلاً لتوليد الكهرباء، وستتحول أغلب الدول العربية إلى الطاقة النظيفة بشكل كبير مع نهاية العقد الجاري؛ وهو ما يحقق أهداف التنمية المستدامة التي نصت عليها الأمم المتحدة.