في حين تدور الأرض وتتحرك الشمس عبر السماء من الشرق إلى الغرب، تدير نباتات عباد الشمس وجوهها الصفراء اللامعة لتتبعها. لا يعلم علماء الأحياء النباتية بعد أسرار الآلية وراء هذه العملية، التي تحمل اسم الانتحاء الشمسي. يستبعد العلماء في دراسة نشرت بتاريخ 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023 في مجلة بلوس بايولوجي (PLOS Biology) أن قدرة عباد الشمس على تتبع الشمس مرتبطة بالاستجابة المعروفة للضوء التي تتمتّع بها النباتات الأخرى. وبدلاً من ذلك، قد تعتمد هذه النباتات على عدة عمليات أكثر تعقيداً.
استجابة الانتحاء الضوئي
لا تستطيع النباتات التحرّك إذا كان الضوء الذي تحتاج إليه لتركيب المواد المغذية محجوباً بالنباتات القريبة أو إذا كانت في مكان مظلل، وذلك لأنها تتجذّر في مكان واحد. تعتمد النباتات على النمو أو الاستطالة للتحرّك نحو الضوء، وهناك عدة أنظمة جزيئية مسؤولة عن هذه الوظيفة. الاستجابة الأكثر شهرة هي استجابة الانتحاء الضوئي. تتحسس البروتينات التي تحمل اسم الفوتوتروبينات (phototropins) الضوء الأزرق الذي يضيء مناطق مختلفة من الشتلات بنسب غير متساوية، ما يتسبب بإعادة توزيع هرمونات النمو في النبات. يؤدي ذلك في النهاية إلى انحناء النبات تجاه مصدر الضوء.
افترض علماء الأحياء النباتية منذ زمن طويل أن قدرة عباد الشمس على تتبع الشمس تعتمد على آلية الانتحاء الضوئي نفسها. يميل رأس نبات عباد الشمس قليلاً تجاه الجزء الشرقي من الساق لتتبع الشمس. يؤدي ذلك إلى تموضع الرأس بطريقة توجهه نحو جهة شروق الشمس. بعد ذلك، يتحرّك الرأس تجاه الغرب مع تحرّك الشمس عبر السماء. بيّنت دراسة سابقة أن عباد الشمس يتمتّع بساعة يوماويّة داخلية تتنبأ بوقت شروق الشمس وتُزامن فتح الزُهيرات مع الوقت الذي تصل فيه الحشرات الملقِّحة في الصباح.
اقرأ أيضاً: هل تتمتع النباتات بذاكرة جينيّة؟ وكيف يمكن الاستفادة منها؟
استخدم مؤلفو الدراسة الجديدة نباتات عباد الشمس المزروعة في المختبر وتلك المزروعة في الهواء الطلق تحت ضوء الشمس للتحقق إن كان هذا هو سبب قدرة عباد الشمس على تتبع الشمس بالفعل. تحقق الباحثون من الجينات التي تُفعّل عند تعرّض مجموعتي النباتات لمصادر الضوء الخاصة بها. نمت النباتات المزروعة في المختبر مباشرة نحو مصدر الضوء الأزرق، وتفعّلت الجينات المرتبطة ببروتينات الفوتوتروبين فيها. ولكن كان نمط التعبير الجيني لدى النباتات التي نمت في الهواء الطلق وحرّكت رؤوسها مع حركة الشمس مختلفاً. لم تكن هناك أي اختلافات واضحة في نسب جزيئات الفوتوتروبين بين الجوانب المتقابلة لسيقان هذه النباتات، كما هي الحال في نباتات المختبر.
ما الآلية التي تتبعها نباتات عباد الشمس لتتبع الشمس؟
قالت عالمة الأحياء النباتية في جامعة كاليفورنيا في ديفيس والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، ستيسي هارمر، في بيان صحفي: "تُفاجئنا دائماً الحقائق التي نكتشفها عند دراسة الآلية التي تطبقها نباتات عباد الشمس لتتبع الشمس كل يوم. وأبلغنا في هذه الدراسة أن هذه النباتات تستخدم مسارات جزيئية مختلفة لبدء حركات التتبع والحفاظ عليها، وأن المستقبلات الضوئية المعروفة بأنها تتسبب بانحناء النباتات يبدو أنها تؤدي دوراً ثانوياً في هذه العملية المذهلة".
حجب الفريق أيضاً الضوء الأزرق والضوء فوق البنفسجي والأحمر والضوء الأحمر البعيد باستخدام صناديق التظليل. ولم يكن لذلك أي تأثير في عملية الانتحاء الشمسي. وفقاً للفريق، يشير ذلك إلى أنه من المرجّح وجود عدة مسارات تستجيب لأطوال موجية مختلفة من الضوء تؤدي الوظيفة نفسها المتمثلة في تتبع الشمس.
لم يحدد العلماء بعد الجينات التي تؤدي دوراً في عملية الانتحاء الشمسي. قالت هارمر: "يبدو أننا استبعدنا مسار الفوتوتروبين، ولكننا لم نكتشف دليلاً قاطعاً بعد".
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تكشف الأسباب الجينية للون الجزر المميز
بدأت نباتات عباد الشمس المزروعة في المختبر بتتبع الشمس من أول يوم عندما نُقلت إلى منطقة مفتوحة. ازدادت نسب التعبير الجيني في الجانب المظلل من هذه النباتات بدرجة كبيرة في البداية، وهو ما لم يحدث في الأيام التالية. وقالت هارمر إن ذلك يشير إلى حدوث عملية "إعادة توصيل" من نوع ما في هذه النباتات.
بالإضافة إلى استبعاد بعض الخطوات في الآلية التي تطبّقها نباتات عباد الشمس لتتبع الشمس، الدراسة الجديدة مهمة لأنها تفيد في تصميم التجارب المستقبلية على النباتات الهادفة لفهم الآليات التي تتبعها.
قالت هارمر: "قد لا تُرصد الظواهر التي نرصدها في بيئة مضبوطة مثل غرفة الإنماء في العالم الحقيقي".