العلماء يكتشفون أدلة جديدة عن البركان الذي أدى لإبادة سكان مدينة كاملة

4 دقيقة
العلماء يكتشفون أدلة جديدة عن البركان الذي أدى لإبادة سكان مدينة كاملة
عثر العلماء على قالب من الجبس من بقايا بشرية في بومبي، بعد أن دمر ثوران بركاني كبير هذه المدينة الرومانية.

بالإضافة إلى ثوران جبل فيزوف الكارثي عام 79 ميلادي، أدّت سلسلة من الزلازل العنيفة أيضاً دوراً في تدمير مدينة بومبي وقتل العديد من سكانها. بدأ العلماء الآن بكشف تأثير هذين الحدثين الطبيعيين الخطيرين في بعضهما. اكتشف العلماء في دراسة جديدة من المعهد الوطني للجيوفيزياء وعلم البراكين (Istituto Nazionale di Geofisica e Vulcanologia) ومتنزه بومبي الأثري أن هذه الزلازل ربما جعلت الثوران فتاكاً أكثر.

هذه الدراسة هي من أولى الدراسات التي أنجز فيها العلماء المهمة المعقّدة المتمثلة في وصف الزلازل المتزامنة التي وقعت قبل الثوران البركاني وفي وقت قريب منه بالتفصيل. هذه مهمة صعبة لأن الثورانات البركانية والزلزال تكون متزامنة أو تحدث بالتتالي غالباً. يمكن أن تطغى التأثيرات البركانية الانفجارية على التأثيرات الناجمة عن الزلازل والعكس صحيح. وُضِّحَت النتائج في دراسة نشرت بتاريخ 18 يوليو/تموز 2024 في مجلة آفاق في علوم الأرض (Frontiers in Earth Science).

اقرأ أيضاً: ما حقيقة الأضواء التي رافقت زلزالي المغرب وتركيا؟

النشاط البركاني في أثناء ثوران البركان أدى دوراً في تدمير بومبي

قال عالم البراكين في المعهد الوطني للجيوفيزياء وعلم البراكين والمؤلف المشارك للدراسة، دومينيكو سباريتشه، في بيان صحفي: "تشبه هذه التعقيدات أحجية صور مقطوعة يجب أن تتوافق قطعها جميعها لكشف الصورة الكاملة. أثبتنا أن النشاط الزلزالي في أثناء الثوران أدى دوراً كبيراً في تدمير مدينة بومبي، وربما أثّر في خيارات سكان المدينة الذين واجهوا الموت المحتّم".

التوصل إلى فهم أعمق لعلاقة السبب والنتيجة بين الظاهرتين هو سر إعادة إنشاء الآلية التي أثرت وفقها الثورانات البركانية والزلازل في كل من المباني والبشر في بومبي منذ زمن طويل.

"شهدنا عدة هزات أرضية على مدى أيام"

وثّق المؤلف الروماني، بلينيوس الأصغر، أحداث اهتزاز الأرض العنيفة في أثناء ثوران البركان في رسالتين معروفتين. كتب بلينيوس في رسالته الثانية: "شهدنا عدة هزات أرضية على مدى أيام، ولم تكن هذه الهزات مثيرة للقلق، خاصةً أنها تحدث كثيراً في منطقة كمبانيا. لكن في تلك الليلة، كانت الهزات الأرضية عنيفة للغاية لدرجة أن الأرض بأكملها بدت وكأنها تهتز وتنقلب رأساً على عقب. جاءت والدتي مسرعةً إلى غرفتي وجلسنا معاً في الفناء الأمامي المواجه للبحر".

اكتشف العلماء هيكلين عظميين في أنقاض مبنى في مدينة بومبي واستنتجوا أن الوفاة يجب أن تكون ناجمة عن انهيار الجدران الناجم عن الزلازل. المصدر: منتزه بومبي الأثري.

مثل بلينيوس، كان العديد من سكان بومبي يمارس حياته اليومية على نحو اعتيادي عندما بدأ الثوران في وقت ما من الظهيرة بتاريخ 24 أغسطس/آب 79 ميلادي. سقطت جسيمات من الصخور والرماد على المدينة على مدى 18 ساعة تقريباً. اعتقد العديد ممن بحثوا عن مأوى للهروب من الأنقاض أنهم في مأمن، وذلك حتى بدأت الأرض تهتز.

قالت عالمة الأنثروبولوجيا التي ترأس مختبر الأبحاث التطبيقية في متنزه بومبي الأثري والمؤلفة المشاركة للدراسة، فاليريا أموريتي، في بيان صحفي: "طَمرَ الحطام الناجم عن انهيار المباني التي كانت ضعيفة بالفعل بسبب الزلزال الأشخاص الذين لم يفروا من ملاجئهم، وكان هذا مصير الشخصين اللذين انتشلنا هيكليهما العظميين".

اقرأ أيضاً: الموجات الزلزالية تكشف أسرار أعماق الأرض

دلائل من الهياكل العظمية

لاحظ الفريق سمات غريبة في المباني المنهارة في أثناء التنقيب في موقع "كاسا دي بيتوري آل لافورو" (Casa dei Pittori al Lavoro، التي تعني "بيت الرسامين العاملين") في بومبي.

قال عالم البراكين في المعهد الوطني للجيوفيزياء وعلم البراكين والمؤلف المشارك للدراسة، ماورو دي فيتو، في بيان صحفي: "اكتشفنا خصائص غريبة لا تتوافق مع آثار الظواهر البركانية الموصوفة في الأدبيات البركانية حول مدينة بومبي. لا بد من وجود تفسير مختلف".

عثر العلماء على هيكلين عظميين يحتويان على كسور وإصابات رضيّة بالغة. يعود الهيكلان إلى رجلين بلغا من العمر نحو 50 عاماً عند وفاتهما. استنتج الباحثون بناءً على تموضع الهيكلين أن الهيكل العظمي المُسمى "الفرد 1" سُحق فجأة عندما انهارت قطعة كبيرة من أحد الجدران. تسبب ذلك بإصابة رضية شديدة وأدى على الأرجح إلى وفاة الرجل على الفور.

الهيكل العظمي للفرد 1، وهو ذكر يبلغ من العمر نحو 50 عاماً. يشير تموضع الهيكل العظمي إلى أن هذا الرجل سُحق فجأة بسبب انهيار جزء كبير من أحد الجدران. المصدر: منتزه بومبي الأثري.

مع ذلك، ربما كان الفرد 2 متنبّهاً للخطر، وحاول حماية نفسه. عثر الفريق على جسم خشبي مستدير يحتوي على آثار طفيفة من الرواسب البركانية. ربما استُخدم هذا الجسم على أنه درع.

وفقاً للفريق، كان هناك العديد من العلامات التي تشير إلى أن الفردين لم يموتا بسبب الحرارة الشديدة أو استنشاق الرماد. تشمل هذه العلامات تموضع بقاياهما على أحجار الخفاف الصغيرة، بدلاً من أن تكون تحتها. يشير ذلك إلى أن الرجلين بقيا على قيد الحياة حتى المرحلة الأولى من الثوران البركاني. طمرت الجدران المنهارة الرجلين في نهاية المطاف عندما توقف الثوران مؤقتاً قبل وصول تيارات الحمم البركانية، وهي الانهيارات الساخنة من الرماد البركاني والغازات والحطام التي تتحرك فوق الأرض في أثناء الثوران البركاني الانفجاري.

الهيكل العظمي "للفرد 2"، وهو ذكر يبلغ من العمر نحو 50 عاماً ربما تنبّه للخطر وحاول حماية نفسه بجسم خشبي مستدير. المصدر: منتزه بومبي الأثري.

مصير محتّم

اكتشف العلماء خلال ما يقرب من 300 عام من التنقيب في بومبي أدلة تبين أن هناك ضحايا لم يتمكنوا من الوصول إلى مكان آمن ولو مؤقتاً. يشير وجود العديد من البقايا التي اكتُشفت في رواسب الرماد إلى أنه من المحتمل أن العديد من سكان المدينة فرّ إلى الخارج، على الرغم من أن الوضع كان ميؤوساً منه. لم يتوصّل العلماء لتقديرات دقيقة حول عدد الأشخاص الذين ماتوا بسبب البراكين أو الأضرار الناجمة عن الزلازل.

اقرأ أيضاً: كيف يساعد التحليل الكيميائي على كشف الأسرار الأثرية لمدينة بومبي الرومانية؟

قال مدير متنزه بومبي لعلم الآثار، غابرييل زوكتريغل، في بيان صحفي: "تقرّبنا الرؤى الجديدة حول دمار مدينة كثيراً من فهم تجربة البشر الذين عاشوا فيها قبل 2000 عام. حسمت الخيارات التي اتبعها سكان المدينة، وكذلك ديناميكيات الأحداث التي تظل محور أبحاثنا، مصيرهم في الساعات الأخيرة من وجود هذه المدينة".

المحتوى محمي