أظهر بحث جديد من جامعة ساوث كاليفورنيا الأميركية أن الملء السريع لسد النهضة الأثيوبي عند منبع نهر النيل؛ أكبر ممر مائي في العالم، يمكن أن يقلل إمدادات المياه إلى مصب النهر في مصر والسودان بأكثر من الثلث، ونُشرت الدراسة في دورية إنفيرومنتال ريسيرش ليترز.
رسالة علمية تحذيرية لأثيوبيا
وجدت الدراسة أن العجز المائي بهذا الحجم يمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار جزء متقلب سياسياً من العالم؛ عن طريق تقليل الأراضي الصالحة للزراعة في مصر بنسبة تصل إلى 72٪، وتتوقع الدراسة أن تصل الخسائر الاقتصادية للزراعة إلى 51 مليار دولار، وستؤدي خسارة الناتج المحلي الإجمالي إلى دفع البطالة إلى 24٪ ، وتشريد الكثير من الناس وتعطيل الاقتصادات.
تتنبأ الدراسة بآثار خطيرة لإمدادات المياه في اتجاه مجرى النهر؛ وهو الأمر الذي سيؤدي إلى نزاع حول الإجهاد المائي. قال الباحث عصام حجي؛ المؤلف الرئيسي للدراسة، أنه بحساب متوسط الخسائر من جميع سيناريوهات الملء المعلنة؛ يمكن أن يضاعف نقص المياه هذا العجز الحالي في إمدادات المياه في مصر تقريباً، وسيكون له عواقبُ وخيمةٌ على الاقتصاد المصري والتوظيف والهجرة والإمدادات الغذائية.
على الرغم من المخاطر؛ تقدم الدراسة حلولاً سياسيةً للاستدامة يمكن أن تقلل من تأثيرات دول مصب النيل. على سبيل المثال؛ يمكن تعويض التأثيرات جزئياً عن طريق تعديل العمليات في مصب سد أسوان في جنوب مصر، وضخ المزيد من المياه الجوفية، وزراعة أنواع مختلفة من المحاصيل وتحسين أنظمة الري.
النيل لا يخص أثيوبيا وحدها
يعتمد حوالي 280 مليون شخص في 11 دولة في حوض نهر النيل على الممر المائي؛ وهو مصدر رئيسي للري لأكثر من 5000 عام. تعتمد مصر على النيل في أكثر من 90٪ من مياهها، ويمكن أن يزداد عدد سكان المنطقة بنسبة 25٪ خلال 30 عاماً؛ مما يؤدي إلى زيادة الطلب في وقت تتوقع فيه مصر كميات أقل من المياه من نهر النيل. كانت حقوق المياه على طول نهر النيل محل نزاع منذ عام 1959، وتدور الآن مفاوضات دولية لإقناع أثوبيا بالعدول عن الملء الثاني للسد؛ لكن لا يوجد تقدم يذكَر في النزاع الذي دام عقداً من الزمن.
جوهر الجدل هو أن سد النهضة الأثيوبي الكبير الذي تبلغ تكلفته 5 مليارات دولار، يقترب من الاكتمال عند منابع النيل. الآن في المرحلة الثانية من الملء؛ سيكون أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في أفريقيا وسيخلق خزاناً يحتوي على 74 مليار متر مكعب من المياه.
نظراً لسعة الخزان الضخمة واعتماداً على المدة التي يستغرفها لأجل الملء؛ يمكن أن يكون لعمليات تحويل المياه آثار مدمرة في اتجاه مجرى النهر. مصر والسودان لديهما حقوق مائية على نهر النيل، بينما لم يتم تخصيص حصة قابلة للقياس لأثيوبيا؛ ولكن مع تزايد الطلب على المياه والطاقة في حوض نهر النيل، تؤكد أثيوبيا احتياجاتها من الطاقة الكهرومائية والزراعة المروية لتعزيز التنمية.
يُعتبر النزاع بين دول مصب النيل وأثوبيا؛ رمزاً لنزاعات أوسع حول ندرة المياه؛ حيث يؤثر تغير المناخ على البلدان النامية التي تشهد نمواً سريعاً.
استراتيجية أثيوبيا تسبب العجز المائي
فحصت دراسة جامعة جنوب كاليفورنيا سيناريوهات مختلفةً لملء السدود وتأثيرات نقص المياه في مصر. استناداً إلى استراتيجيات الملء قصيرة الأجل التي تتراوح من 3 إلى 5 سنوات والتي تفضلها إثيوبيا حالياً؛ ووجدت الدراسة أن مثل هذه الاستراتيجية ستضاعف العجز المائي في اتجاه مجرى النهر في مصر تقريباً إلى 83٪ من الفاقد الإضافي للمياه، بسبب تقييد تدفق السدود والتبخر و 17٪ مفقود بسبب التسرب إلى الصخور والرمال.
تساعد الدراسة في سد فجوة في النزاع؛ من خلال تقليل الغموض حول كيفية تأثير سيناريوهات ملء السدود على عجز الميزانية المائية في مصر، فضلاً عن تقديم مؤشر جدوى للحلول المحتملة المختلفة. مع تسارع ظاهرة الاحتباس الحراري والجفاف، فإنها تؤكد على الحاجة إلى مزيد من الأبحاث حول المياه في الأراضي القاحلة؛ وهي المهمة الأساسية لمركز أبحاث المناخ القاحل والمياه في كلية الهندسة في جامعة جنوب كاليفورنيا في فيتربي.
قال الباحثون إنه من الممكن حتى الآن إيجاد حل يربح فيه الجميع نهر النيل، بناءً على خيارات السياسة التي تحددها الدراسة، ومع ذلك؛ تمت إعاقة التقدم بسبب الافتقار إلى المعلومات الموثوقة حول إمدادات المياه في اتجاه مجرى النهر والآثار الاقتصادية. من المرجح أن يتطلب الحصول على اتفاقية بيانات وتوقعات أفضل بشأن التأثيرات على المجتمع البشري وكذلك الآثار البيئية على طول نهر النيل.