يتميز الإنسان عن الكائنات الأخرى بقدرته على الكلام. وبمرور الوقت، تعددت طرق تعبيره عن نفسه بكلمات مختلفة انقسمت إلى لغات متعددة. ولأنه كائن ذكي، لديه قدرات دماغية ساعدته على معالجة اللغات جيداً، لكن ماذا لو أُصيبت مناطق اللغة في الدماغ بأمراض؟
ربما لا يستطيع الإنسان التعبير عن نفسه. وفي هذا الصدد، كشفت مجموعة بحثية من جامعة نورث وسترن بالولايات المتحدة الأميركية عن 5 أمراض تهاجم مناطق اللغة في النصف الأيسر من الدماغ، ما يتسبب في إعاقة لغوية بصورة تدريجية، فيما يُعرف بـ "الحبسة التقدمية الأولية" (PPA). ونُشرت الدراسة في أبريل/نيسان 2022 في دورية "براين" (Brain).
اقرأ أيضاً: نظام ذكي لتعلّم اللغة: يرتب أهمية الكلمات في الجملة
مراكز اللغة في الدماغ
لا تنحصر مراكز اللغة في مكان واحد، إذ تعمل مجموعة من المراكز في الدماغ من أجل استيعاب وفهم ونطق الكلام بأي لغة، وأبرز هذه المناطق:
منطقة بروكا (Broca)
وهي تقع في النصف الأيسر من الدماغ، ومسؤولة عن معالجة الكلام وترتيبه وحفظ التعبيرات. وهي المنطقة التي تجعلنا ننتبه للأخطاء اللغوية والنحوية.
منطقة فيرنيك (Wernicke)
وهي مسؤولة عن فهم وإدراك الكلام، وإذا حصل أي خلل في هذه المنطقة، لن تستطيع فهم أي كلمة موجة إليك من أي شخص. وتتصل منطقة فيرنيك مع بروكا، ما يمنحنا القدرة على الكلام، أي أنّ قدرتنا على الكلام وفهم اللغات مرتبط بالتعاون بين هاتين المنطقتين في الدماغ.
اقرأ أيضاً: لأول مرة: ترجمة أفكار رجل عاجز عن الكلام إلى عبارات على الشاشة
الحبسة التقدمية الأولية (PPA)
وهي حالة عصبية، يعاني فيها الأشخاص من فقدان قدراتهم على الكتابة والكلام والقراءة وفهم ما يقوله الآخرون نتيجة حدوث تلف ما في مناطق الدماغ المسؤولة عن اللغة، ما يؤثر على قدرات المرء اللغوية. وفي الدراسة الحديثة التي أجراها باحثو نورث وسترن اعتمد الباحثون على تشريح 118 جثة من الحالات المصابة بالحبسة التقدمية الأولية، وكانوا يتابعون الحالات صاحبة الجثث لمدة 25 عاماً، ما جعل الدراسة شاملة وفريدة من نوعها، فهذا أكبر عدد من الحالات المصابة التي تم تجميعها ودراستها حتى الآن.
لاحظ مؤلفو الدراسة أنّ كل مرض من الأمراض الخمسة يصيب جزءاً مختلفاً من مناطق اللغة، فقد يصيب مرضٌ ما المنطقة المسؤولة عن القواعد اللغوية، وفي حالات أخرى، قد يؤثر المرض على الكلمات. ويتطور كل نوع من الأمراض بمعدل خاص، وله آثار مختلفة.
ما تلك الأمراض التي تهاجم الدماغ؟
أثناء الدراسة، شرَّح الباحثون 118 حالة كانت مصابة بالحبسة الأولية التقدمية، ووجدوا إصابات بالأمراض التالية:
- ألزهايمر: تعاني نسبة 42% من الحالات التي عمل عليها الباحثون من ألزهايمر، على الرغم من أنه معروف عنه إضعاف الذاكرة، لكن اتضح وجود نوع يمكنه إضعاف القدرات اللغوية أيضاً. ويصيب الشخص تحت سن الخامسة والستين، وهذا مبكر مقارنة بمرض ألزهايمر المعروف.
- مرض بيك: هناك 10 % من الحالات تعاني من مرض بيك، وهو أحد أنواع الخرف، ويؤثر على 2 من أهم فصوص الدماغ، وهما: الفصان الجبهي والصدغي، ما قد يؤدي إلى فقدان الوظائف العقلية بصورة تدريجية.
- الخرف الجبهي الصدغي (FTLD): وجد الباحثون أنّ 60% من الحالات تعاني من مرض يُسمى "الخرف الجبهي الصدغي"، وهو مسؤول عن 50% من أمراض الخرف قبل عمر الخامسة والستين.
- اعتلال البروتين المرتبط بالحمض النووي من النوع A: وجد مؤلفو الدراسة أنه قد أصاب نحو 10% من الحالات.
- اعتلال البروتين المرتبط بالحمض النووي من النوع C: وقد اتضح أنّ نحو 11% من المرضى مصابون به.
اقرأ أيضاً: هل نصرف الكثير من الطاقة أثناء الكلام؟
كيف يمكن علاج المصابين بالحبسة التقدمية الأولية؟
يمكن السيطرة على تطور ألزهايمر بالأدوية، وعادةً ما يتم علاج الأشخاص الذين يعانون من صعوبة في فهم الكلمات عبر تحفيز الخلايا العصبية، ويصف الأطباء العلاج السلوكي وبعض الأدوية المضادة للقلق من أجل علاج صعوبة إدراك الكلمات وتذكرها. ويسعى الباحثون إلى تطوير أساليب التشخيص، ما يساعدهم في تطوير الأدوية وطرائق العلاج الفعالة للحبسة التقدمية الأولية في المستقبل، حيث قدّر الباحثون أنّ 1 من بين كل 100 شخص مصاب بهذا المرض.