البر أمْ البحر؟ أين تشكلت الخلية الحية الأولى؟

3 دقائق
البر أمْ البحر؟ أين تشكلت الخلية الحية الأولى؟
حقوق الصورة: أنسبلاش.

أصبح من المعروف أنه لتتشكل الحياة على الأرض كان لا بُدّ من وجود الماء والحرارة، فهما عنصران متوفران في أعماق المحيط منذ اللحظة التي غمر فيها الكوكب، وهذا ما دعا العلماء لاقتراح نظرية نشوء أول خلية عند الفتحات المائية الحرارية في وسط المحيط. فما مدى صحة هذه النظرية؟ وهل فعلاً نشأت الحياة على أرضنا من هناك؟ 

ما هي الفتحات الحرارية المائية؟

بدايةً، دعونا نتعرف على المكان الذي ساد الاعتقاد بأنه مكان تشكل الخلية الحية الأولى: "الفتحات الحرارية المائية" (Hydrothermal vents)، وهي هياكل جيولوجية طبيعية، توجد في قاع المحيط، تتشكل عند نقاط التقاء الصفائح التكتونية. عند هذه النقاط، تتمدد القشرة الأرضية وتتكسر، فتشكل شقوقاً يتسرب منها ماء المحيط، فيسخن بسبب حرارة وشاح الأرض المرتفعة، ويعود وينطلق السائل الساخن نحو المحيط مرة أخرى من خلال فتحة التهوية، وهو بحرارة قد تصل إلى 400 درجة مئوية. 

يحمل الماء الساخن معه الغازات والمعادن المذابة، ويختلط بماء البحر البارد، ما يؤدي إلى ترسيب المعادن، وتشكيل بنية صلبة في قاع البحر حول السائل المعروف باسم مدخنة التهوية.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر أجهزة تنظيف المحيطات من الجزيئات البلاستيكية على أشكال الحياة البحرية؟

تشكل الحياة في الفتحات الحرارية المائية

على الرغم من الحرارة الشديدة للفتحات المائية، فإنها تشكل بيئة صالحة لازدهار مجموعة من الحيوانات. فالحرارة العالية تقتصر على السائل الخارج من الفتحة المائية، لكنه يبرد بسرعة وتنخفض الحرارة حوله لتصل إلى 20 درجة مئوية تقريباً، ما يساعد العديد من الحيوانات على النمو في هذه البيئة.

تعتمد الحياة على الأرض على عملية [tooltip content="التركيب الضوئي هي العملية التي تقوم بها النباتات والطحالب عبر تحويل طاقة الفوتونات في أشعة الشمس إلى طاقة كيميائية مختزنة داخل الخلية" url="https://popsciarabia.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d9%83%d9%8a%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b6%d9%88%d8%a6%d9%8a/" ]التمثيل الضوئي[/tooltip] التي تقوم بها النباتات والطحالب، لكن هذه العملية مستحيلة في الفتحات المائية لعدم وصول ضوء الشمس إليها، لذلك لا بُدّ من وجود عملية مماثلة وبديلة عن التمثيل الضوئي، وهذا ما وُجد عند أنواع البكتيريا التي تعيش هناك، إذ تقوم هذه البكتيريا بعملية تسمى التمثيل الكيميائي، حيث تستمد الطاقة من المواد المذابة في سائل التنفيس، خاصة غاز ثاني أوكسيد الكربون، وتحوله إلى السكريات التي تعد المادة الغذائية الأساسية.

بسبب قدرة البكتيريا على العيش في هذه البيئة والقيام بعملية التمثيل الكيميائي، وبالتالي الحصول على السكريات، يعتقد العلماء أن الفتحات المائية هي مكان تشكل الخلية الحية الأولى، خاصة وأن أقدم دليل على وجود الحياة الميكروبية على الأرض جاء من الصخور الموجودة في كندا والتي تشكلت داخل بيئات الفتحات الحرارية المائية منذ نحو 4 مليارات سنة، وهو ما يعزز الفرضية.

البعض يقول لا

من ناحية أخرى، يرفض بعض العلماء هذه النظرية، وذلك بسبب العثور على حفريات لحيوانات متعددة الخلايا يعود تاريخها إلى أكثر من 500 مليون سنة، في حين أن أقدم حفريات حيوانية تم الحصول عليها من الفتحات الحرارية المائية يبلغ عمرها نحو 440 مليون سنة. 

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: سر نشأة الحياة يكمن في قطرات الماء

البر وليس البحر منشأ الخلية الحية الأولى 

بالإضافة إلى ذلك، تشير بعض الدراسات إلى أنه من المحتمل أن تكون الخلايا الأولى قد نشأت في أحواض حرارية أرضية، تتكون من الطين الدافئ اللزج الذي يغذّيه البخار الساخن البركاني، وليس في المحيطات البدائية، وهو ما يتوافق مع اقتراح العالم تشارلز داروين بأن الحياة يمكن أن تكون قد نشأت من "بركة صغيرة دافئة" غنية بالعناصر الغذائية.

يستند هؤلاء العلماء إلى أن السائل الموجود في أحواض الطين يناسب الخلية الحية أكثر من ذاك الموجود في قاع البحر، فالماء هناك مشبع بالمواد التي تعد سامة للخلية الحية، كما أنه غني بالصوديوم الذي يعيق تركيب البروتينات فيها، بينما السائل في أحواض الطين غني بالبوتاسيوم المهم لتركيب البروتين الضروري للحياة.

تمتلك الخلايا الحية اليوم تراكيب تحمل الصوديوم نحو الخارج، بينما لم تمتلك الخلايا البدائية هذه التراكيب.

تشير دراسات أخرى إلى أن المواد الكيميائية الأساسية للحياة تتطلب أشعة فوق بنفسجية من ضوء الشمس حتى تتشكل، وأن البيئة المائية يجب أن تصبح شديدة التركيز أو حتى تجف تماماً في بعض الأحيان.

فقد استطاع بعض العلماء إنتاج الحمض النووي والبروتينات والمكونات الأساسية الأخرى للخلايا عن طريق تسخين المواد الكيميائية البسيطة القائمة على الكربون، وتعريضها للأشعة فوق البنفسجية وتجفيفها بشكل متقطع، لكن لم يتمكن الكيميائيون بعد من تصنيع هذه الجزيئات البيولوجية في ظروف تحاكي مياه البحر.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تفيد دراسة آلية التكاثر عند قنافذ البحر في تصميم الروبوتات ذاتية القيادة؟

ربما يجب أن نذهب بعيداً!

ذهب الباحثون بعيداً مؤخراً، إذ يعتقدون أن الجزيئات الرئيسية للحياة وعملياتها الأساسية، يمكن أن تتشكل فقط في أماكن على الأرض تشبه فوهة جيزيرو على المريخ، والتي يعتقد أنها بقعة ضحلة تحتوي المياه على الكوكب الأحمر.

وقد أرسلت وكالة ناسا مركبتها الجوالة "بيرسيفيرانس" إلى هناك لتكتشف وجود لبنات الحياة الأولى هناك، وما زلنا بانتظار ما ستعود به من اكتشافات.

المحتوى محمي