تعني كلمة كاكاو "الطعام من الآلهة" في اللغة اللاتينية. لذا من منا لا يرغب بتجربة هذا الشكل الأنقى من الشوكولاتة؟ وفقاً لبحث جديد في مجال علم الآثار، تناول جميع مواطني مدينة إل بيلار المايانيّة القديمة الكاكاو على الأرجح.
تقول أنابيل فورد (Anabel Ford)، مديرة مركز أبحاث أميركا الوسطى في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا: "إن تناول الكاكاو هو طقس مايانيّ أصيل".
بحث جديد حول الكاكاو
فحصت فورد وفريقها في دراسة نُشرت بتاريخ 26 سبتمبر/ أيلول 2022 في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم 54 وعاءً؛ بحثاً عن بقايا المؤشرات الحيوية للكاكاو بهدف تعويض النقص في الأبحاث المتعلقة باستهلاك الكاكاو من قبل الطبقات غير العليا لشعب المايا.
اقرأ أيضاً: حضارة المايا القديمة لديها فلاتر مياه متطورة تضاهي المعاصرة
وجد الباحثون أن 56% من المزهريات والأوعية والجرار والصحون التي فحصوها تحتوي على بقايا بذور الكاكاو. تم إيجاد هذه القطع الأثرية في أميركا الوسطى، وهي تعود إلى الفترة ما بين عامي 600 و900 ميلادي. تم تجميع غالبية هذه القطع من الوحدات السكنية في مدينة إل بيلار والمناطق المحيطة بها بدلاً من الأماكن الملكية. بيّنت التحليلات السابقة التي أجريت على الأوعية المزخرفة التي تم استخدامها في الاحتفالات أن استهلاك بذور الكاكاو اقتصر على الطبقات النخبويّة، وهي نتيجة يفنّدها البحث الجديد.
على الرغم من أنه تم استئناس شجرة الكاكاو منذ 5400 سنة في أميركا الجنوبية، فإنها كانت تمثّل محصولاً بالغ الأهمية بالنسبة لشعب المايا الذي عاش في المناطق التي أصبحت الآن جزءاً من البرازيل وغواتيمالا. تقول كاميرون ماكنيل (Cameron McNeil)، المتخصصة في علم النبات الأثري في جامعة مدينة نيويورك: "لا يفاجئني على الإطلاق أن الباحثين وجدوا الكاكاو في مناطق عاش فيها عوام الناس بالإضافة إلى تلك التي عاشت فيها النخبة"، وتضيف: "كان الكاكاو المادة المنبّهة الوحيدة المتوفرة للبشر في أميركا الوسطى. وأعتقد أن هذا السبب الذي جعله بالغ الأهمية بالنسبة للكثيرين في مناطق واسعة".
قام الباحثون بتحليل آثار المركبات الموجودة في المصنوعات الفخارية التي تعود لعصر المايا الكلاسيكي من خلال فحص مركبات الميثيل زانتين، وهي الفئة التي تتضمن الكافيين الموجود في البن والثيوبرومين الموجود في الشوكولاتة. ثبت أن وجود مادة كيميائية واحدة على وجه الخصوص، وهي الثيوفيلين، كان حاسماً في الكشف عن بقايا الكاكاو. قال المؤلفون في الدراسة إنه على الرغم من أن شجرة الكاكاو تحتوي على الكافيين والثيوبرومين، فإنها النبات الوحيد الذي يحتوي على الثيوفيلين في أميركا الوسطى.
من كان يزرع الكاكاو؟
بيّنت التحليلات الكيميائية السابقة للأوعية المزخرفة أن النخبة من شعب المايا هم الذين استهلكوا الكاكاو. مع ذلك، لم يكن معظم شعب المايا من النخبة، بل كان سكان تلك المناطق مزارعين لديهم وصول للمحاصيل مثل شجرة الكاكاو. تقول فورد: "أول سؤال أطرحه هو من كان يزرع شجر الكاكاو؟ وأنا متأكدة من أن الطبقات العليا لم تكن تفعل ذلك".
تضيف فورد قائلة إنه بغض النظر عن الطبقة التي استهلكت الكاكاو، فإن طقس استهلاك هذه المادة كان مهماً لشعب المايا في مدينة إل بيلار لقدسيته ولأنها كانت توفّر مادة الكافيين المنبّهة لمن يتناولها". تشرح ماكنيل قائلة إن الكاكاو كان ذا قيمة عالية أيضاً بسبب صعوبة إنمائه، لدرجة أن الباحثين يعتقدون أنه استُخدم كعملة وحتى إن البشر كانوا يُستبدلون به. لكن هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن استهلاكه اقتصر على الطبقة فاحشة الثراء. على الرغم من أن ماكنيل تقول إن الطبقة الملكية كانت قادرة على استهلاك الكاكاو بشكل أكثر اتساقاً بسبب وضعها المالي، فإن المواطنين غير النخبويين كانوا يستخدمون هذا المنبه في حياتهم وطقوسهم اليومية عندما يستطيعون ذلك. يشبه ذلك استهلاكنا لهذه النبتة حالياً.
تقول فورد: "يمكن أن تكون الطقوس مترفة وغير مترفة. يشبه الأمر الفرق بين جنازة الملكة إليزابيث وجنازة والدي". مثلما يعتبر تناول الشوكولاتة وشرب القهوة من الطقوس اليومية للكثيرين في زمننا، ربما لم يقتصر استهلاك الكاكاو على الاحتفالات الباذخة.
اقرأ أيضاً: هل تعشق الشوكولاتة دون معرفة تاريخها القديم؟
تساعد نتائج هذه الدراسة في دحض المعتقدات غير الدقيقة التي تنص على أن استهلاك الكاكاو اعتمد على الطبقة الاجتماعية في أميركا الوسطى. ووفقاً لماكنيل، تم ترويج هذه المعتقدات جزئياً من مقبل المستعمرين الإسبان. تقول ماكنيل: "لم يكتب المؤرخون الإسبان عما كان المزارعون من العوام يفعلون ويأكلون". بدلاً من ذلك، ركّز هؤلاء على ممارسات الطبقة الملكية. تناقل الكثيرون منذ ذلك الحين هذه القصص وكرروها وافترضوا أنها الحقيقة الكاملة.
بالنسبة لفورد، لا يمثّل إثبات أن الطبقات العاملة استهلكت الكاكاو اكتشافاً أثرياً مثيراً فحسب، بل إنها تأمل أن يدرك الباحثون أن المزارعين والطهاة وعوام شعب المايا لا يقلّون أهمية عن الطبقة الملكية من ناحية قدرتهم على إكسابنا معلومات قيّمة. تقول فورد: "يحب الجميع التركيز على الأشياء الفاخرة. ولكن إذا أردنا التعلّم عن المجتمعات، يجب علينا أن نتعلّم عن التاريخ الاجتماعي. إن دراسة التاريخ القديم وحضارة المايا القديمة لا يقتصر على دراسة الطبقة الملكية"، وتضيف: "يجب أن يميّز الباحثون الافتراضات التي يضعونها، وإلا ستصبح مسلمات بالنسبة لهم".