ينصح معظم خبراء التغذية الناس "بتناول الأطعمة المختلفة الألوان" لتحقيق التوازن في أنظمتهم الغذائية، ويشمل ذلك الخضروات الخضراء مثل الكرنب، والبنفسجية مثل الباذنجان، والحمراء مثل الطماطم. تناوُل الأطعمة المغذية ذات اللون البرتقالي الطبيعي، مثل الجزر الغني بفيتامين أيه والألياف ومضادات الأكسدة والأصباغ التي تحمل اسم الكاروتينات، ضروري للحصول على مجموعة كاملة وصحية من المغذّيات.
سُمّيت الكاروتينات باسمها باللغة الإنجليزية لأنها عُزلت أول مرة من الجزر (carrot). لكن ما السبب الدقيق للون الفاقع لأنواع الجزر المفضلة لدينا؟ وفقاً لدراسة نشرت بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول في مجلة نيتشر بلانتس (Nature Plants)، هناك 3 جينات محددة فقط تمنح الجزر البرتقالي لونه المميز.
اقرأ أيضاً: تفضل مأكولات دون غيرها: الأجنة تضحك للجزر وتغضب من الكرنب
جينات محددة فقط تمنح الجزر البرتقالي لونه المميز
نظر فريق من جامعة ولاية كارولينا الشمالية وجامعة ويسكونسن ماديسون في الدراسة الجديدة في المخططات الجينية لأكثر من 600 نوع من الجزر. وفوجئ الباحثون بأن هذه الجينات الثلاثة يجب أن تكون متنحية، أو غير مفعّلة.
قال عالم البستنة في جامعة ولاية كارولينا الشمالية والمؤلف المشارك للدراسة، ماسيمو يوريتسو، في بيان صحفي: "يجب أن تكون الجينات مفعّلة عادة لأداء الوظائف. أما في حالة الجزر البرتقالي، فالجينات التي تنظّم نشاط الكاروتينات البرتقالية، وهي طليعة فيتامين أيه التي ثبت أن لها فوائد صحية، يجب أن تكون غير مفعّلة".
سلسل الفريق نفسه جينوم الجزر أول مرة في عام 2016، واكتشف أيضاً الجين المسؤول عن تصبّغ الجزر الأصفر. أما في الدراسة الجديدة، فقد سلسل الباحثون 630 جينوماً للجزر ضمن دراسة مستمرّة حول تاريخ هذا النوع المقرمش من الخضروات الجذرية وتدجينه.
أجرى الفريق عمليات تحمل اسم عمليات المسح الانتقائية، وهي تحليلات بنيوية أجريت على 5 مجموعات مختلفة من الجزر. بحث المؤلفون خلال هذه العمليات عن مناطق الجينوم التي خضعت للانتقاء على نحو مكثّف في مجموعات معينة. ووجدوا أن العديد من الجينات المتعلقة بعملية الإزهار كانت تُنتقى لأداء وظيفة أساسية تتمثّل في تأخير هذه العملية. تؤدي هذه العملية إلى تحول الجذر الصالح للأكل الذي يأكله البشر، الذي يحمل اسم الجذر الوتديّ، إلى خشب غير صالح للأكل.
اقرأ أيضاً: كيف يساعد التطفل بعض الأنواع على الانتشار؟
جينات خضعت للانتقاء
قال يوريتسو: "لاحظنا أن العديد من الجينات المتعلقة بتنظيم عملية الإزهار خضعت للانتقاء ضمن مجموعات متعددة من الجزر البرتقالي من المحتمل أنها قادرة على التكيّف في مناطق جغرافية مختلفة".
بالإضافة إلى ذلك، أنشأ المؤلفون جدولاً زمنياً عاماً لتدجين الجزر، ووجدوا المزيد من الأدلة التي تبيّن أن الجزر دُجّن في القرن الميلادي التاسع أو العاشر في غرب آسيا ووسطها.
قال يوريتسو: "كان كل من الجزر البنفسجي والجزر الأصفر شائعاً في آسيا الوسطى. ونُقل النوعان إلى أوروبا، لكن الجزر الأصفر كان أكثر شعبية بسبب مذاقه على الأرجح".
ظهر الجزر البرتقالي في أوروبا الغربية قرابة القرن الخامس عشر أو السادس عشر، ربما نتيجة تهجين الجزر الأصفر والجزر الأبيض. على الأرجح، إن لون الجزر البرتقالي الفاقع ونكهته الحلوة جعلاه أكثر شعبية من الأصناف الأخرى، ما دفع المزارعين لانتقائه باستمرار.
اقرأ أيضاً: هل تتمتع النباتات بذاكرة جينيّة؟ وكيف يمكن الاستفادة منها؟
طُورت أنواع مختلفة من الجزر البرتقالي في شمال أوروبا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، وتمكن رؤية الجزر البرتقالي بدرجات لونية مختلفة في اللوحات التي تعود لتلك المنطقة. استمرت شعبية الجزر البرتقالي بالتزايد مع اكتشاف التأثير الإيجابي في صحة العين للمركبات، مثل ألفا كاروتين وبيتا كاروتين وفيتامين أيه، الموجودة في النظام الغذائي خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
تسلّط النتائج التي توصلت إليها الدراسة الجديدة المزيد من الضوء على السمات المهمة التي يجب أخذها في الاعتبار عند تحسين أنواع الجزر، والتي تؤدي إلى الحصول على فوائد صحية أفضل من هذا النوع المغذّي من الخضروات.