اكتشاف جديد: الأطعمة الحارة قد تخدع الدماغ مثل الأدوية الوهمية

4 دقيقة
اكتشاف جديد: الأطعمة الحارة قد تخدع الدماغ مثل الأدوية الوهمية
"قد تعزز التوقعات الإيجابية الاستكشاف والسعي للحصول على المكافأة، بينما قد تؤدي التوقعات السلبية إلى استجابات دفاعية و(أو) تجنبية".

توقعاتنا لها تأثير كبير في الطريقة التي نختبر فيها العالم. أفضل مثال على ذلك هو تأثير الوهم، الذي يحدث عندما يتوقع المرء أن علاجاً ما سيكون فعّالاً، وتأثير الوهم المرضي، الذي يتوقع فيه المرء أن العلاج لن يكون فعالاً. لهذين التأثيرين تبعات بالغة على فاعلية العلاجات.

مع ذلك، هناك الكثير من الطرق الأخرى التي تحدد وفقها توقعاتنا تجاربنا. على سبيل المثال، توقعاتنا حول نكهة الأطعمة التي نتناولها وإن كنا سنحب هذه النكهة لها تأثير كبير في استمتاعنا بتناول هذه الأطعمة من عدمه.

نظر العلماء في هذه التأثيرات في دراسة جديدة نشرتها مجلة بلوس بايولوجي (PLOS Biology) بتاريخ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2024. ركّز الباحثون في هذه الدراسة على التجربة المتمثلة في تناول الطعام الحار، وفحصوا طريقتين متميزتين تؤثّر وفقهما التوقعات في التجربة، وهما "المكون الحسي" (أي درجة حر الطعام وفقاً للمشاركين) و"مكون اللذة" (أي مدى استمتاع المشاركين بحرّ الطعام).

اقرأ أيضاً: حقائق غريبة حول تأثير الطعام الحار في صحتك

استجابة الدماغ للتوقعات الإيجابية والسلبية مختلفة

أوضح المؤلف المشارك للدراسة، يي لو، لبوبيولار ساينس أن الدراسة أتاحت للباحثين عزل التأثيرات الفردية للمكونين والنظر في كيفية تفاعلهما، إذ قال: "أتاح لنا فصل المكون الحسي (توقع شدة الحر) عن مكون اللذّة (توقع الاستمتاع) في التوقعات المتعلقة بالصلصة الحارة فحص كيفية تفاعل هذين الجانبين وتأثيرهما في التجارب الذاتية والاستجابات العصبية".

تشير نتائج الدراسة إلى وجود فروق جوهرية في كيفية استجابة الدماغ للتوقعات الإيجابية والسلبية والمناطق التي تتفعل في أثناء هذه الاستجابة. قد يتوقع المرء أن الاستجابة ستكون محصورة في المنطقة من الدماغ التي تعالج التذوّق في الحالتين، لكن الاستجابة في الواقع أعقد من ذلك بكثير. إذا كانت التوقعات إيجابية، تتفعل أجزاء من الدماغ مختلفة للغاية عن تلك التي تتفعل إذا كانت التوقعات سلبية.

يقول المؤلف المشارك للدراسة وزميل لو، كينيث كيشيدا: "هذه فكرة بالغة الأهمية. عندما توقع المشاركون تجربة إيجابية، بدا أن أدمغتهم دخلت في حالة تستطيع فيها دمج المعلومات واستيعابها، وعلى النقيض من ذلك، عندما توقع [المشاركون] تجربة سلبية، بدا أن أدمغتهم دخلت في حالة وقائية [ركزت فيها على معالجة درجة الألم الناتج عن التحفيز (وليس أكثر من ذلك)".

توقعاتنا السلبية ترتبط بوظائف دماغية مستواها أخفض

تنطوي حالة دمج المعلومات واستيعابها على وظائف دماغية من مستوى أعلى، ويقول كيشيدا إن ذلك يعكس حقيقة مفادها أن "هذه الحالة ملاءمة أكثر للتعلم والنمو وربما الاستكشاف، [وهو] أمر مفيد للغاية لتوسيع أفق المعتقدات حول الأحداث التي نمر فيها في نهاية المطاف وسلوكياتنا تجاهها". في المقابل، ينطوي رد الفعل السلبي على وظائف دماغية بمستوى اخفض تؤدي فيها الغريزة والتفاعلية دوراً أكبر من دور الإدراك. يقول كيشيدا: "[تكون] الحالات الأليمة والعاطفية المرتبطة بمستوى أدنى من الوظائف الدماغية أكثر تفاعلية، وربما يكون فيها تنفيذ السلوكيات الدفاعية التي تعلمها الفرد مسبقاً على نحو انعكاسي أسرع".

ما يزال العلماء يبحثون في الأسباب وراء هذه الاختلافات العميقة، ويتوقع لو أنها قد تنتج عن تكيّفات تطورية عميقة للغاية؛ إذ يقول: "قد تعزز التوقعات الإيجابية الرغبة بالاستكشاف والسعي للحصول على المكافأة، بينما قد تؤدي التوقعات السلبية إلى استجابات دفاعية و (أو) تجنبية". مع ذلك، فهو يحذّر قائلاً: "يجب إجراء المزيد من الأبحاث للتوصل إلى فهم عميق لأسباب هذه الاختلافات".

اقرأ أيضاً: مكمل الألياف: الحل البسيط لتحسين وظائف الدماغ في 3 أشهر

هل يمكن أن تؤثر التوقعات على إدراكنا الحسي؟

هناك أيضاً مسألة تفاعل المكون الحسي ومكون اللذة. هل يؤثّر مكون اللذة للتوقعات في المعلومات التي يستقبلها الدماغ وتمثّل المكون الحسي؟ وكيف يفسّر الدماغ هذه المعلومات؟ هل يغيّر توقعك بأنك ستحب طعم شيء ما الإشارات الحسية عن المذاق التي تصل إلى الدماغ أمْ أن طريقة تفسير الدماغ لهذه المعلومات تختلف وفقاً لإن كان الشخص يحب هذا المذاق أو لا يحبّه؟

وفقاً للو، تبيّن الأدلة التي كشفتها الدراسة الجديدة أن طريقة التفسير تختلف بالفعل؛ إذ يقول: "ظلت المدخلات الحسية نفسها؛ إذ نشّط الكابسيسين في الصلصة الحارة المستقبلات نفسها بغض النظر عن التوقعات، لكن توقعات المشاركين غيرت تجربتهم الذاتية لتلك المدخلات. يشير هذا إلى أن التوقعات تغيّر استجابة الدماغ للمدخلات الحسية بدلاً من تغيير الإشارة الحسية الطرفية نفسها".

يجري العلماء الكثير من الأبحاث في تأثير الوهم وتأثير الوهم المرضي، ووفقاً لكيشيدا، يعود ذلك ببساطة إلى أن "دراسة الظواهر الحيوية العصبية الكامنة وراء التأثيرين صعبة". يقول كيشيدا إن دراسته "توفّر نهجاً جديداً لدراسة الآليات الكامنة بطريقة عمومية أكثر" لأنها تركّز على تجلّي التوقعات في الدماغ.

قد تكون نتائج الدراسة مفيدة في مجالات أخرى منفصلة عن تجربة البشر للطعام الحار. على الرغم من أننا نميلُ إلى الإشارة إلى تأثير الوهم بأنه ظاهرة منفصلة، فإن التفسير الأدق هو أن هناك فئة من هذه التأثيرات المرتبطة إلى حد ما ولكن كل منها يتمتّع بآلية عمل مختلفة. يقول لو إنه في النهاية، الظواهر القائمة على التوقعات التي نظرت فيها الدراسة الجديدة "قد تكون مشابهة لتأثيري الوهم والوهم المرضي المتعلقين بالطعام".

دراسة آليات تسكين الألم الوهمي

يشرح لو هذه الفكرة مشيراً إلى أن "تأثيرات التوقع المتعلقة بالطعام لدى البشر تشترك في بعض الآليات الحيوية العصبية مع تأثير تسكين الألم الوهمي. فعلى سبيل المثال، تؤدي كلٌ من قشرة الجبهة الأمامية والقشرة الحزامية الأمامية دوراً في كلٍ من تأثيرات التوقّع وتأثير التسكين الوهمي. مع ذلك، هناك اختلافات أيضاً. فعلى سبيل المثال، تنشط مناطق الدماغ المتعلقة بمعالجة النكهة والمكافأة في تأثيرات التوقّع. عموماً، من المرجّح أن تأثيرات التوقع تعتمد على بعض الأسس العصبية المشتركة إلى جانب العمليات الخاصة بالمجال أيضاً".

اقرأ أيضاً: ما السبب العلمي لنفورنا من بعض أنواع الطعام؟

أدق تصوّر توصل إليه العلماء حتى الآن هو أن هذه التأثيرات جميعها لها نوع ما من الأساس العصبي المشترك. مع ذلك، يجهل العلماء حتى الآن كلاً من مدى تأثير هذا الأساس المشترك والحالات التي يتوقف فيها تحفيزه للتأثيرات وتبدأ فيها تجليات تأثيري الوهم والمرض الوهمي الفردية. يقول كيشيدا: "أعتقد أننا نبحث في ظواهر مشابهة للغاية [لتلك التي يبحث فيها العلماء الذين يدرسون التأثيرات الوهمية المرتبطة بالأدوية]. يجب علينا إجراء المزيد من الأبحاث لاختبار هذه الفرضية، وصممنا تجربتنا بهدف أخذ خطوة في هذا الاتجاه".

المحتوى محمي