ما سر ارتفاع نسب الإصابة بالسرطان في مرحلة الشباب لدول الشرق الأوسط؟

ما سر ارتفاع نسب الإصابة بالسرطان في مرحلة الشباب لدول الشرق الأوسط؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Pixel-Shot
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

حالات السرطان مرتفعة على نحو غير عادي بين الأشخاص في منتصف العمر في الشرق الأوسط على عكس الدول الغربية، حيث يُصيب المرض عادةً الأشخاص بعد 20 عاماً في المتوسط على الأقل مقارنة بالأشخاص من الشرق الأوسط.

وجدت دراسة أجراها الأستاذ وائل عبدالرحمن، أن الأشخاص في الشرق الأوسط يُصابون بأنواعٍ مختلفة من السرطانات قبل أن يصلوا إلى سن الخمسين من العمر.

يعمل الأستاذ عبدالرحمن حالياً في كلية العلوم الصحية في جامعة الشارقة، وكان يعمل اختصاصي أمراض الأنسجة في مصر ويفحص الأورام والأنسجة الأخرى للتوصل إلى تشخيصٍ دقيق لمرض السرطان.

اقرأ أيضاً: الدكتورة نملة: دراسة جديدة تظهر أن النمل قادر على اكتشاف السرطان

ارتفاع نسب الإصابة بالسرطانات في الشرق الأوسط

يقول عبدالرحمن: “أدهشني الارتفاع في عدد حالات الإصابة بمرض السرطان، غالباً بين الشباب الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً، وتشمل هذه الحالات: سرطان القولون والثدي والجلد والكبد والبروستات والعديد من الأنواع الأخرى”. وقد صُدم بسبب ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان بين الشباب مقارنة بمعدلات الإصابة في الغرب التي تزيد بين كبار السن نسبياً؛ إذ تُصيب هذه الأمراض الناس بعد سن 20 عاماً في المتوسط مقارنة بسكان الشرق الأوسط.

وفقاً لعبدالرحمن، فقد وجد أنه في الشرق الأوسط، “تُشخَّص السرطانات في الكثير من الأحيان في مرحلة متقدمة، ولا تستجيب جيداً للعلاج الكيميائي، وبالتالي يكون التنبؤ بنتائج المرض غير دقيق. توفي العديد من هؤلاء المرضى بعد وقتٍ قصير من التشخيص”. فسّر العديد من السريريين العاملين في دول الشرق الأوسط في ذلك الوقت الفجوة الهائلة في الإصابة بالسرطان وتشخيصه بين الشرق والغرب على أنها متعلقة “بالتفاوتات العرقية”، حسب تعبير عبدالرحمن.

الأستاذ وائل عبدالرحمن: نسب الإصابة بالسرطان مرتفعة على نحو غير عادي بين الأفراد في منتصف العمر في الشرق الأوسط، على عكس الدول الغربية.
الأستاذ وائل عبدالرحمن: نسب الإصابة بالسرطان مرتفعة على نحو غير عادي بين الأفراد في منتصف العمر في الشرق الأوسط، على عكس الدول الغربية.

مع ذلك، تبيّن الدراسة الجديدة أن العوامل البيئية لها تأثير مباشر في الانتشار المرتفع لحالات السرطان في منطقة ما عند مقارنتها بمنطقة أخرى. 

ارتفاع نسب الإصابة بالسرطان في الشرق الأوسط

يقول عبدالرحمن: “سلّط البحث الذي أجريته وقارنت فيه بين سرطان القولون في فنلندا وسرطان القولون في مصر الضوء على الاختلافات في السمات الجزيئية، والتغيرات فوق الوراثية التي أشارت إلى وجود عوامل بيئية مختلفة تؤثّر في خطر الإصابة بالسرطان”.

على سبيل المثال، يُرجع انتشار سرطان القولون إلى التعرُّض إلى مجموعة متنوعة من السموم البيئية، إلى جانب العمر والعوامل الوراثية. 

أجرى عبدالرحمن سابقاً أبحاثاً مكثّفة حول الأمراض السرطانية في الدول الغربية، مثل المملكة المتحدة وفنلندا، حيث أجرى اختبارات مخبرية حول التغيرات المورفولوجية في خلايا جسم الإنسان وأنسجته. 

يشير عبدالرحمن إلى أن مرض السرطان يُشخّص في الغرب عادةً لدى كبار السن وفي مرحلة مبكّرة من المرض، ما يزيد من احتمال نجاح العلاج للحد الأقصى.

تقدّم الأبحاث أدلة وبائيّة على الإصابة بأنواعٍ مختلفة من السرطان في أعمار مختلفة في أجزاء مختلفة من العالم، ما يشير إلى أن كلاً من نمط الحياة والبيئة يؤثّر في خطر الإصابة بهذا المرض. 

اقرأ أيضاً: تفاعلات الخلايا تكشف عن هجرة الخلايا السرطانية والتئام الجروح 

في العقد الثاني من القرن الجاري، شرع الأستاذ عبدالرحمن في إجراء بحث لتحديد الفروق الجزيئية بين أنواع السرطان المنتشرة في الشرق الأوسط والغرب، وهي فروق قد تفسّر الاختلافات في معدلات الإصابة بالسرطان والأعمار التي يُصاب عندها الأشخاص بهذا المرض.

يقول عبدالرحمن: “بدأت باستكشاف هذه الاحتمالية بعمق وعلى المستويات الجزيئية لفهم هذه الأنماط الظاهرية وتطبيق ما قد أكتشفه في برامج الوقاية من السرطان القائمة على الأدلة العلمية”. 

جمع عبدالرحمن في أول ورقة بحثية نشرها، والتي ألّفها في أثناء عمله بجامعة هلسنكي في فنلندا، عيّنات من أورام القولون والمستقيم من الشرق والغرب وقارن بينها، ونص الاستنتاج الأساسي الذي توصل إليه على أن السرطانات التي تُصيب الدول الشرقية والغربية تختلف على “المستويات الجزيئية أيضاً”. 

تُبيّن النتائج التي توصل إليها أن معدل الإصابة بسرطان القولون في شمال أوروبا وفنلندا أكبر من نظيره في شمال إفريقيا ومصر. مع ذلك، “تكمن المشكلة في مصر في زيادة معدل الإصابة بالسرطانات بين الشباب والزيادة الإجمالية في هذا المعدل بمرور الوقت”.

يشير هذا التفاوت في معدل الإصابة إلى وجود اختلاف في نسب التعرُّض للسموم والمواد المسرطنة المحتملة من البيئة، وهي مواد تتسبب بالسرطان مثل البنزين والأسبست والنيكل وكلوريد الفينيل والرادون والكادميوم. قادت نتائج هذه الورقة عبدالرحمن وزملاءه إلى “التركيز على دور الملوثات البيئية في الإصابة بالسرطان”.

دور الملوثات البيئية في الإصابة بالسرطان

يؤكد عبدالرحمن أن العوامل البيئية جعلت سرطاني القولون والمستقيم (أي سرطان القولون و/أو المستقيم) وسرطان الثدي أخطر وأكثر انتشاراً. كما ساعده فحص تأثير الملوثات البيئية على تأليف العديد من الأوراق البحثية التي ألقى فيها الضوء على أسباب السرطان والإصابة به في الغرب والشرق الأوسط بالاعتماد على بيانات دقيقة حول مستويات التعرُّض لهذه الملوثات.

نشر أيضاً مقال مراجعة للأدبيات العلمية ركّز فيه على الاختلافات الملحوظة في العمر الذي يُصاب عنده الأشخاص بالسرطان ومعدل الإصابة في الغرب والشرق، وبدأ بدراسة المواد البيئية -مثل المادة المُلدّنة التي تحمل اسم بيسفينول أيه (Bisphenol A) التي تُستخدم على نطاقٍ واسع في حياتنا اليومية، وتؤثّر في نسب الإصابة بالسرطانات- بهدف التوصل إلى فهم شامل لأسباب هذا المرض.

يوجد بيسفينول أيه في العديد من العناصر التي نستخدمها في حياتنا اليومية مثل القوارير البلاستيكية وراتنجات الإيبوكسي التي تُستخدم لطلاء بعض علب الطعام المعدنية، وأغطية العلب وعلب الأطعمة المعلّبة، وإيصالات آلات الدفع وورق النسخ المعاد تدويره الخالي من الكربون.

أظهر عبدالرحمن في أبحاثه اللاحقة التي شارك في تأليفها، أن بيسفينول أيه والعوامل السامة الأخرى المشابهة لها آثار ضارة على خلايا الثدي الطبيعية يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بسرطان الثدي، وكشف الآليات الجزيئية وراء هذه الآثار، ووسّع مجموعة البيانات المدروسة لتشمل سرطان القولون في مقال شارك في تأليفه مؤخراً، ووجد أن بيسفينول أيه قد يتسبب أيضاً بآثار ضارة تؤدي إلى الإصابة بسرطان القولون والمستقيم. 

هذا المُركّب هو واحد من أكثر المواد الكيميائية المنتجة في العالم، ويُستخدم بشكلٍ أساسي في إنتاج المواد البلاستيكية التي تتألف من البولي كربونات. يوجد بيسفينول أيه في مجموعة واسعة من المنتجات البلاستيكية مثل الأكياس البلاستيكية وقوارير المياه والنوافذ المقاومة للكسر وأغطية القوارير وأنابيب إمداد المياه.

اقرأ أيضاً: ما العلاقة بين صبغات الشعر ومخاطر الإصابة بالسرطان والوفاة؟

خطوات مستقبلية للحد من الممارسات الضارة التي تسبب السرطان

انطلاقاً من نتائج بحثه، يجري عبدالرحمن حالياً حملة للحد من استخدام الأكياس البلاستيكية بهدف التخفيف من آثارها الضارة المعروفة، واتخاذ الإجراءات للوقاية من سرطانات القولون والثدي والجلد والكبد والبروستات وانتشارها في الشرق الأوسط. وهو الآن عازم على دراسة العلاقة بين السمنة والسرطان في محاولة أخرى لفهم تأثير السمنة في الخلايا الطبيعية ومعرفة ما إذا تسهم السمنة والبيئة المكروية في تهيئة الخلايا لتصبح سرطانية، فعلى حد تعبيره يرتبط العديد من أنواع السرطان المختلفة بزيادة وزن الجسم، مثل سرطان الثدي والقولون والمستقيم وبطانة الرحم والمريء والمرارة والمعدة والكلى والكبد والمبيض والبنكرياس والغدة الدرقية، بالإضافة إلى الورم النقوي المتعدد.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن السمنة هي مشكلة صحية عالمية. تُبيّن إحصائيات المنظمة أن عدد البالغين الذين يعانون من زيادة الوزن يتجاوز 1.9 مليارات شخص، ويبلغ عدد الذين يعانون من السمنة منهم 650 مليون شخص، منهم 39 مليون طفل دون سن الخامسة.

يُحدِّد مؤشر كتلة الجسم (بي إم آي) الفرق بين السمنة ونقص الوزن، ويساوي الوزن بالكيلوغرام مقسوماً على مربع الطول بالأمتار. 

تقول منظمة الصحة العالمية إن عدد الوفيات الناجمة عن السمنة أكبر من الوفيات الناجمة عن نقص الوزن، ويُقدَّر انتشار السمنة في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة منطقة الخليج، بنسبة تتراوح بين 17-48% لدى النساء و8-36% لدى الرجال.

 كشفت أحدث الأبحاث الطبية عن وجود ارتباط بين السمنة وعدة أنواع من السرطان، مثل سرطان الثدي والقولون والمستقيم وبطانة الرحم والمريء والمرارة والمعدة والكلى والكبد والمبيض والبنكرياس والغدة الدرقية بالإضافة إلى الورم النقوي المتعدد.