على الرغم من أن البشر لن يذهبوا إلى كوكب المريخ قبل عقد أو عقدين من الزمن على الأقل، فإنهم سيضطرون إلى تأمين مأوى من نوع ما حين يصلون إليه. ولتحقيق هذا الهدف، طوّر باحثون من جامعة مانشستر في إنجلترا مادة بناء جديدة يمكن أن يستخدمها البشر الذين سيذهبون إلى المريخ في المستقبل تبلغ متانتها ضعفي متانة الخرسانة التقليدية وتتألف بشكل أساسي من نشاء البطاطس وكميات قليلة من الملح والتراب المريخيّ. أطلق الباحثون على هذا المادة اسم ستار كريت (StarCrete) تشبّهاً بكلمة "concrete" التي تعني الخرسانة.
لا يحتوي المريخ على الكثير من المواد التي يمكن أن يستخدمها البشر للبناء، واستنتج العلماء ذلك من المعلومات التي يعرفونها حالياً عن الكوكب الأحمر، وسيمثّل ذلك تحدياً كبيراً لأن المساحة التي يمكن تخزين الموارد فيها ضمن المركبات الفضائية التي سيستخدمها البشر محدودة، وبالتالي يجب أن يكون رواد الفضاء واسعي الحيلة للغاية لإنجاح هذه الرحلات.
تعتبر الهياكل التي يجب بناؤها على المريخ من العوامل الحاسمة في بقاء البشر على هذا الكوكب، وعلى الرغم من وجود العديد من الخيارات التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة، يمكن أن يكون أحد أنواع الهياكل الأفضل والأمتن من أبسط الخيارات التي يمكن اتباعها نسبياً.
اقرأ أيضاً: هل تنجح ناسا في استخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لصناعة الطوب من الغبار القمري؟
نشاء البطاطس ودموع رواد الفضاء في مواد البناء على المريخ
استفاد فريق من الباحثين في جامعة مانشستر من حقيقة احتمال أن يكون نشاء البطاطس مكوناً رئيسياً في رحلات البشر المستقبلية إلى المريخ، وفصّل الباحثون النتائج التي توصلوا إليها في دراسة نُشرت مؤخراً في مجلة أوبن إنجنيرينغ (Open Engineering). وفقاً لتقديرات الفريق، يحتوي كيس واحد من البطاطس المجففة يزن نحو 25 كيلوغراماً على كمية كافية من النشاء لصنع نصف طن متري من مادة ستار كريت، وهي كمية كافية لصنع نحو 213 قطعة من الطوب لبناء الهياكل في المريخ.
وجد الباحثون أن متانة مادة ستار كريت تزداد بدرجة كبيرة عند مزج النشاء مع الملح والمغنيزيوم المستخلصَين من تربة المريخ أو حتى من دموع رواد الفضاء، ويمكن شيّ الطوب المصنوعة من هذه المادة على درجات حرارة أفران المايكرويف أو الأفران المنزلية.
وجد العلماء في الاختبارات التي أجروها في المختبر على التراب المريخي الاصطناعي أن مادة ستار كريت تتحمل ضغطاً يصل إلى 72 ميغا باسكال، أي نحو ضعفي الضغط الذي تتحمله الخرسانة العادية الذي يبلغ 32 ميغا باسكال. بالإضافة إلى أن تحضير مزيج مشابه باستخدام عيّنة تراب مصطنع يحاكي تراب القمر يرفع الضغط الذي تتحمله مادة ستار كريت إلى 91 ميغا باسكال، ما يعني أنه يمكن استخدام هذا المزيج أيضاً في المهمات القمرية المخطط إجراؤها في المستقبل القريب.
مادة ستار كريت
وفقاً للباحث الرئيسي في الدراسة الجديدة والزميل في مركز أبحاث فيوتشر بايو مانيوفاكتشورينغ (Future Biomanufacturing Research Hub) التابع لجامعة مانشستر، أليد روبرتس (Aled Roberts)، يمكن اعتماد مادة ستار كريت لأن البدائل الأخرى غير قابلة للتطبيق العملي حالياً. قال روبرتس في بيان صحفي: "تحتاج تكنولوجيات البناء الحالية إلى سنوات عديدة من التطوير، كما يتطلب استخدامها معدات إضافية للمعالجة الثقيلة وكمية كبيرة من الطاقة، ما يزيد من تكلفة المهمات الفضائية وتعقيدها، في حين لا يتطلب استخدام مادة ستار كريت أياً مما سبق، لذلك فهي تقلل من تعقيد المهمات الفضائية وتكلفتها وتجعلها عملية أكثر".
اقرأ أيضاً: تمهيداً للبعثات المستقبلية: كيف يخطط العلماء للحصول على الأوكسجين والوقود من تربة القمر؟
مع ذلك، لن ينتظر روبرتس وزملاؤه بدء المهمات المريخية حتى يستخدموا المواد الشبيهة بمادة ستار كريت؛ إذ إنهم يبحثون في شركتهم الناشئة الجديدة التي تحمل اسم ديكن بايو (DeakinBio) عن طرق لاستخدام هذه المواد على الأرض كبدائل أقل تكلفة وأكثر رفقاً بالبيئة للمواد الخرسانية المستخدمة حالياً. ولحسن الحظ، لا تتضمن مواد البناء الجديدة المزيج الذي اقترحه روبرتس في أبحاثه السابقة، والذي يتطلب بول البشر ودماءهم للتصلّب.