اقترح بحثٌ جديد نشره فريقٌ دولي من الباحثين، نظريةً جديدةً للتطور الإدراكي البشري بعنوان «الإدراك التكميلي»؛ والتي تشير إلى أن أسلافنا تطوروا ليتخصصوا في طرق تفكيرٍ مختلفة ومتكاملة للتكيف مع التغيرات البيئية والمناخية الدرامية؛ ذلك في ورقةٍ بحيثةٍ نُشرت اليوم في دورية «كامبريدج آركيولوجيكال جورنال».
يعمل نظام الإدراك التكميلي هذا بطريقةٍ تشبه التطور على المستوى الجيني؛ ولكن بدلاً من أن يكمن ذلك التطور وراء التكيف الجسدي، فقد يكمن وراء قدرة جنسنا الهائلة على خلق تكيفات سلوكية وثقافية وتكنولوجية، فهو يوفر نظرةً ثاقبةً لتطور التكيّفات البشرية الفريدة؛ مثل اللغة.
إذ يمكن أن يوفر الإدراك التكميلي إطاراً توضيحياً لظهور اللغة، كما يمكن النظر إلى اللغة على أنها تتطور كوسيلة لتسهيل البحث التعاوني، وآليةٍ وراثيةٍ لمشاركة النتائج الأكثر تعقيداً للبحث المعرفي التكميلي. بذلك؛ تُعتبر اللغة جزءاً لا يتجزأ من نظام الإدراك التكميلي.
تقترح نظرية الإدراك التكميلي أن جنسنا يتكيف بشكل تعاوني ويتطور ثقافياً من خلال نظام البحث المعرفي الجماعي، جنباً إلى جنب مع البحث الجيني الذي يتيح ينتج عنه التكيف الظاهري؛ إذ يمكن تفسير نظرية داروين للتطور من خلال الانتقاء الطبيعي على أنها عملية «بحث»، والبحث المعرفي الذي ينتج عنه التكيف السلوكي.
كلٌّ من أنظمة البحث هذه هي في الأساس طريقة للتكيف بالبناء على الحلول السابقة واستغلالها واستكشافها لتحديثها، ونتيجةً لذلك؛ نرى تطوراً في تلك الحلول بمرور الوقت. هذه الدراسة الأولى التي تستكشف فكرة أن الأفراد من جنسنا متخصّصون من الناحية المعرفية العصبية في استراتيجيات البحث المعرفي التكميلي.
لقد مكننا الإدراك التكميلي من التكيف مع بيئاتٍ مختلفة، وقد يكون إحدى أهم عوامل نجاح جنسنا البشري؛ حيث يمكننا من التكيف بشكل أسرع وأكثر فاعليةً من أي كائن حي آخر شديد التعقيد، ومع ذلك، فقد يكون أيضاً أكبر نقاط ضعف جنسنا البشري.
بحسب أحد الباحثين؛ إن تأثير النشاط البشري على البيئة هو المثال الأكثر وضوحاً على ذلك، فالتعاون والتكيف التعاوني على نطاقٍ واسع يخلقان العديد من الصعوبات، وقد نكون قد وضعنا عن غير قصد عدداً من النظم الثقافية والممارسات التي تحد من قدرتنا على التكيف، لا سيما في التعليم، وقد تعطل هذه القيود المفروضة ذاتياً قدرتنا على البحث المعرفي التكميلي، وقد تقيد قدرتنا على إيجاد الحلول المبتكرة والإبداعية والعمل وفقاً بها.
يجب النظر إلى الإدراك التكميلي كنقطة انطلاق في استكشاف مجالٍ غني من التطور البشري، وأداةً قيمةً في المساعدة على إنشاء مجتمع متكيف ومستدام؛ إذ قد يدين جنسنا البشري بإنجازاته التكنولوجية والثقافية المذهلة إلى التخصص المعرفي العصبي والبحث المعرفي التعاوني. لذا، فمن المهم أن يتم استكشاف هذا النظام وفهمه بشكلٍ أكبر.