تكنولوجيا تنتقل من الخيال العلمي إلى الواقع: معدن سائل يمكن التلاعب به دون لمسه

3 دقائق
معدن سائل يستطيع العلماء التلاعب به دون لمسه
حقوق الصورة: شترستوك.

يقول الفيزيائي «شاولينغ وانغ» بفخر إن أبحاث مختبره تسلب الخيال العلمي من المكون الخيالي فيه. تُلهم أفلام الخيال العلمي، مثل سلسلة أفلامه المفضلة «المبيد» (The Terminator) و«المصفوفة» (The Matrix)، الكثير من أبحاثه، ويستحضر بحثه الأخير مشاهد من فيلم «المبيد 2: يوم الدينونة» (Terminator 2: Judgment Day) والشخصية الشريرة فيه، الروبوت «تي 1000» الذي يستطيع تغيير شكله. تعتبر أبحاث وانغ مميزةً للغاية عن غيرها من الأبحاث، إذ يمكن لفريقه التلاعب بشكل المعادن السائلة وحركتها، وحتى يتسبب في رفعها في الهواء، وكل ذلك دون الاضطرار للمس هذه المعادن.    

من الخيال العلمي إلى المختبر

يقول وانغ، الأستاذ في معهد الموصلية الفائقة والمواد الإلكترونية في جامعة ولونغونغ في أستراليا: «كانت الفكرة الأساسية هي توليد جميع المؤثرات البصرية الخاصة من الفيلم»، ويضيف: «بالنسبة إلى الجمهور العادي، فإن جميع المؤثرات التي تتعلق بالمعادن السائلة في الفيلم هي نتاج الخيال العلمي، ولكن بالنسبة إلينا، كلها حقائق علمية». يقول وانغ إن تقنيات التلاعب الأخرى التي لا تتطلب اللمس، مثل تلك التي تستخدم الموجات الصوتية أو الضوء، عادة ما تحرّك الأشياء المجهرية مرة واحدة أو أكثر في التجربة الواحدة. لكن يمكن لبحث فريقه الجديد، والذي نُشر في 8 فبراير/شباط 2022 في دورية «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم»، التعامل مع أهداف معدنية أكبر تتحرك بحرية.   

سبيكة غالينستان

يستخدم فريق وانغ سبيكة معدنية سائلة تسمى «غالينستان»، وهي مزيج من عناصر الغاليوم والإنديوم والقصدير. تتميز هذه السبيكة بدرجة انصهار تبلغ 18- درجة مئوية، لذلك فهي تكون سائلة في درجة حرارة الغرفة. (وتكون صلبة في درجات الحرارة الأقل من 16- درجة مئوية). علاوة على أن هذا الخليط غير سام وموصل كهربائياً، يمكن أيضاً التلاعب بالتوتّر السطحي للسبيكة. تحدد هذه الخاصية ما إذا كان السائل سوف يتحول إلى قطرة أو يصبح مسطحاً. وجد الباحثون أن كهربة المادة لأكسدة السطح سيؤدي إلى تغيير توترها السطحي، وبالتالي تغيير شكل المعدن السائل.      

في العرض الذي أجراه الباحثون، وضعوا السبيكة في وعاء من هيدروكسيد الصوديوم، وهي مادة مؤكسدة تساعد على حدوث تفاعل الأكسدة الذي يغيّر التوتر السطحي. في البداية، كانت السبيكة تقطر في وعاء، ولكن بمجرد تشغيل الباحثين للتيار الكهربائي، تحول المعدن المتساقط إلى تيار غير منقطع بقطر يساوي ثخن شعرة الإنسان. والأكثر من ذلك، في وجود المغناطيس في مكان قريب، تغير نمط حركة المعدن السائل تماماً.    

كان المعدن المكهرب يتأرجح بقوة مع حركة المغناطيس، بسبب مرور التيار الكهربائي فيه. يقوم هذا التيار بدوره بتوليد حقل مغناطيسي صغير خاص به حول المعدن السائل، والذي يتنافر مع الحقل الخارجي. من خلال وضع المغانط في المكان المناسب تماماً، تمكّن الباحثون من توليد قوة نافرة في المعدن السائل كانت كافية لرفع التيار بأكمله في الهواء مقاوماً الجاذبية، وارتفعت بعض قطرات المعدن لمسافة بلغت متراً واحداً تقريباً. أدى تغيير شدة الحقل المغناطيسي الخارجي إلى توجيه التيار المعدني مثلما تفعل يد غير مرئية.   

عندما قام الباحثون بتحريك المغناطيس حول المعدن المتدفق، بدأ هذا الأخير بالرقص بتناغم في الهواء، إذ أنه كان يتحرك مقاوماً الجاذبية كما لو كانت له إرادة خاصة به. يقول «ياهوا هي»، عالم الفيزياء في جامعة ولونغونغ، ومؤلف الدراسة الذي قاد التجارب: «يشبه الأمر التلويح بشريط»، ويضيف: «إنه رائع للغاية».   

اقرأ أيضاً: الحقل المغناطيسي للمشتري به قطبان جنوبيان وليس قطباً واحداً

استخدامات واعدة

يقول وانغ وهي إن تقنية التلاعب بالمعدن السائل مفيدة في استخدام هذه المعادن لبناء هياكل مفيدة، مثل بعض الأعمال المعدنية القادرة على اكتساب سمات دقيقة. يريد الباحثون أيضاً دمج هذا المعدن السائل مع مواد أخرى لصنع أطراف اصطناعية ذكية. وفقاً لوانغ، فإن صلابة المعدن السائل ومرونته القابلتين للتغيير يمكن أن تكونا مفيدتين لصنع عضلات اصطناعية.    

في غضون ذلك، يستكشف الباحثون الميزات الجديدة التي يحملها المعدن السائل الديناميكي. في الماضي، أظهر الفريق أن بعض أنواع المعادن السائلة يمكن أن تغير شكلها، وتنبض مثل عضلة القلب استجابةً للتيار الكهربائي، وتتسرب من خلال المواد المسامية، تماماً كما كان يفعل روبوت تي 1000. 

يقول وانغ: «بصراحة، من الصعب جداً القيام بشيء أفضل مما فعلناه حتى الآن في التلاعب بالمعادن السائلة»، ويضيف: «نعتقد أن ما أنشأناه بالفعل كافٍ لجيمس كاميرون [مخرج فيلم The Terminator] للحصول على أفكار لفيلمه التالي». 

المحتوى محمي