كان عدد حالات الإصابة بالتحسس الغذائي المبلغ عنها قليلاً للغاية في النصف الأول من القرن العشرين. لكن حالياً، تبلغ النسبة المقدرة للأطفال المصابين بالحساسية تجاه الأطعمة مثل المكسرات والبيض 8% في الولايات المتحدة. وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها، تساوي هذه النسبة واحداً من أصل 13 طفلاً أو طالبَين في كل قاعة دراسية.
التحسس الغذائي منتشر في البلدان ذات الدخل المرتفع
يتم تشخيص أكثر من طفل واحد من أصل 10 أطفال سنوياً بالتحسس الغذائي في عدد من البلدان ذات الدخل المرتفع، وأشارت الأبحاث السابقة إلى احتمالية ارتباط التعرض للحيوانات في أثناء الحمل ومرحلة الطفولة المبكرة بانخفاض خطر الإصابة بالتحسس الغذائي.
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: أعداد الحيوانات تزداد عند عيشها بالقرب من البشر
وجد تحليل لأكثر من 65 ألف طفل صغير السن في اليابان أن نسبة الإصابة بالتحسس الغذائي تنخفض لدى الأطفال الذين تفاعلت أمهاتهم مع القطط أو الكلاب المنزلية الأليفة في أثناء الحمل والذين تفاعلوا مع هذه الحيوانات في مرحلة الرضاعة المبكرة. بينت نتائج التحليل أن نسبة الانخفاض في خطر الإصابة بالتحسس الغذائي كانت ذات دلالة إحصائية على الرغم من أنها منخفضة نسبياً؛ إذ تراوحت بين 13 و16%. نُشرت نتائج التحليل بتاريخ 29 مارس/آذار في مجلة بلوس ون (PLOS ONE) مفتوحة الوصول.
لم يحدد مؤلفو الدراسة ما إذا كانت العلاقة بين التعرض للحيوانات الأليفة والتحسس الغذائي سببية، نظراً لوجود عامل آخر يتعلق بامتلاك الحيوانات الأليفة قد يسبب الارتباط بين التفاعل مع الحيوانات الأليفة وانخفاض خطر الإصابة.
انخفاض نسبة الإصابة بالتحسس الغذائي بين الأطفال الذين تعرضوا للحيوانات الأليفة في المرحلة الجنينية
استخدم الباحث في مركز فوكوشيما الإقليمي، هيساو أوكابي (Hisao Okabe)، وفريقه بيانات من إحدى دراسات التعرض الوطنية التي أجريت على مجموعة من المواليد المرتقبين، تحمل اسم دراسة بيئة اليابان وأطفاله. استخدم الباحثون البيانات المتوفرة حول 66,215 طفلاً تفاعلوا مع أنواع مختلفة من الحيوانات الأليفة وأصيبوا بأنواع مختلفة من التحسس الغذائي.
تعرّض نحو 22% من هؤلاء الأطفال للحيوانات المنزلية الأليفة خلال المرحلة الجنينية، معظمها من الكلاب والقطط. انخفض خطر الإصابة بالتحسس الغذائي بنسبة 14% تقريباً لدى الأطفال الذين تعرضوا لهذه الحيوانات. مع ذلك، لم يلاحظ المؤلفون فرقاً كبيراً في خطر الإصابة بالتحسس الغذائي لدى أطفال الأسر التي تربي الكلاب خارج المنزل، وكان الانخفاض أكبر لدى الأطفال الذين يعيشون مع الكلاب داخل المنزل.
كان خطر الإصابة بالحساسية تجاه البيض والحليب والمكسرات أقل لدى الأطفال الذين تفاعلوا مع الكلاب، كما كان خطر الإصابة بالحساسية تجاه البيض والقمح وفول الصويا أقل لدى الأطفال الذين تفاعلوا مع القطط.
اقرأ أيضاً: مواقد الغاز المنزلية قد تسبب الربو للأطفال
جرذان الهامستر وعلاقتها بالحساسية تجاه المكسرات
ما فاجأ الباحثين نوعاً ما هو أن معدل الإصابة بالحساسية تجاه المكسرات ارتفع بنسبة 93% لدى الأطفال الذين تفاعلوا مع جرذان الهامستر (الذين مثلوا نسبة 0.9% من المجموعة المدروسة)، ويمكن أن تمثّل هذه النسبة شذوذاً إحصائياً لأن عدد الأطفال الذين تفاعلوا مع هذه الحيوانات صغير للغاية، ولكنها فاجأت الباحثين مع ذلك.
يتمثّل أحد عيوب الدراسة الجديدة في أنها تضمنت البيانات المبلغ عنها ذاتياً (المستمدة عادة من السجلات الطبية التي يتم توثيقها في أثناء الجلسات مع الأطباء)، التي تعتمد على دقة ذاكرة المشاركين.
يشير المؤلفون إلى أن النتائج الجديدة يمكن أن تساعد العلماء في إجراء أبحاث مستقبلية لكشف سبب الإصابة بالتحسس الغذائي في مرحلة الطفولة ودراسة ما يدعى بفرضية النظافة الشخصية. تقترح هذه الفرضية التي وضعت في عام 1989 (على الرغم من أن أفكارها النظرية الأقدم تعود للقرن التاسع عشر) أن التعرض للجراثيم وبعض حالات العدوى في أثناء الطفولة يعزز تطور الجهاز المناعي. يدرّب التعرض الجسم على التفريق بين المواد غير الضارة وتلك التي قد تحفّز ردود الفعل المختلفة، مثل الربو. نظرياً، ووفقاً لموقع مايو كلينك، يدرّب التعرّض للجراثيم الجهاز المناعي على تجنّب ردود الفعل التحسسية الشديدة.
اقرأ أيضاً: ماذا يحدث عندما تصاب الخلايا بفيروسين تنفسيين في الوقت نفسه؟
فرضية النظافة الشخصية
قال عالم الأحياء الدقيقة من كلية لندن الجامعية، غراهام روك (Graham Rook)، في مقابلة مع موقع بوبيولار ساينس في عام 2022: "يبدو أن الأجهزة المناعية لدى البشر المعاصرين تتنشّط في حالات لا داعي لأن تتنشّط فيها، بغض النظر عن السبب".
قال روك أيضاً إن فرضية النظافة الشخصية لا تخلو من العيوب؛ إذ يتسبب بعض حالات العدوى، مثل تلك الناجمة عن الفيروس المخلوي التنفسي، في الربو بدلاً من أن يقي منه. بالإضافة إلى ذلك، تعزي أبحاث عديدة الارتفاع الحاد في انتشار بعض الأمراض المزمنة إلى تغيرات في تركيب ميكروبيوم البشر (مجموعة الميكروبات المتعايشة مع البشر) وليس إلى انخفاض نسبة حالات العدوى في أثناء الطفولة.