اكتشاف علمي جديد يُسلّط الضوء على السبب المحتمل للإصابة بآلزهايمر

3 دقيقة
حقوق الصورة: shutterstock.com/Illustration Forest
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تشير دراسة حديثة نُشِرت في 13 مارس/ آذار عام 2024، في  دورية نيتشر (Nature) إلى حدوث تحول في فهمنا لمرض آلزهايمر. فخلافاً للاعتقاد السائد منذ فترة طويلة، يمكن أن يكون تراكم الدهون في خلايا الدماغ هو السبب الرئيسي للمرض.

منذ أكثر من قرن، اطلع الطبيب الألماني ألويس آلزهايمر العالم على أول توثيق لحالة مرض “عته ما قبل الشيخوخة” والذي أُطلِق عليه لاحقاً مرض آلزهايمر، وكشف عن تراكم وجود ترسبات وتشابكات ليفية عصبية في أنسجة الدماغ، بالإضافة إلى قطرات دهنية في خلايا الدماغ. أفادت الأبحاث اللاحقة بوجود مشتبَهَين رئيسين بموت خلايا الدماغ، وهما: 

  1. بروتين بيتا أميلويد: الذي يتراكم في الترسبات التي تنمو بين الخلايا العصبية.
  2. بروتين تاو: يتراكم في التشابكات الليفية، ويخزَّن داخل الخلايا العصبية.

لذا تركزت محاولات علاج مرض آلزهايمر أو الوقاية منه أو إبطائه على الحد من هذه التراكمات أو إزالتها، بينما تجاهلت في معظمها دور قطرات الدهون.

اقرأ أيضاً: أمل جديد: علاج يوقف تطور مرض ألزهايمر في أدمغة القرود

عوامل الخطر الوراثية للإصابة بمرض آلزهايمر

بحث الفريق في أحد عوامل الخطر الوراثية لمرض آلزهايمر، وهو جين يُدعى (APOE)، ومهمته تشفير البروتين الذي يتحكم بحركة القطرات الدهنية من الخلايا الدبقية في الدماغ وإليها، وهي خلايا مناعية تدعم الخلايا العصبية وتحميها، حيث يزداد نشاط هذا الجين في هذه الخلايا لدى الأفراد المصابين بآلزهايمر، ويسبب تراكم قطرات الدهون داخل الخلايا.

يوجد لهذا الجين 4 متغيرات جينية هي (APOE) و(APOE2) و(APOE3) و(APOE4)، لكن المتغير الرابع هو الأكثر خطراً للإصابة بمرض آلزهايمر، ويُعدُّ (APOE2) أقلها خطراً.

للتحقق من مخاطر متغيرات (APOE) ودورها في الإصابة بمرض آلزهايمر، وقياس التعبير الجيني لها داخل خلايا عصبية اختبارية، حلل الباحثون بقيادة الأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة بنسلفانيا (University of Pennsylvania) الطبيب مايكل هاني (Michael Haney)، أنسجة من مجموعتين من المشاركين:

  1. أفراد ماتوا وهم مصابون بآلزهايمر، وكانت لديهم نسختان من متغير (APOE4) أو نسختان من (APOE3).
  2. مجموعة مراقبة لأفراد لم يصابوا بمرض آلزهايمر. 

استخدم الباحثون طريقتي تحليل:

  1. تقنية تسلسل الحمض النووي الريبوزي (RNA) لخلية واحدة: لتحديد البروتينات الموجودة داخل الخلية العصبية الاختبارية، المصابة والسليمة. ووجدوا أنه في الخلايا المناعية للأشخاص الحاملين لـ (APOE4) ارتفعت مستويات نوع من الإنزيمات يعزز حركة قطرات الدهون إلى خلايا الدماغ.
  2. تقنية الصبغ لمعرفة مكان وجود الخلايا المليئة بالقطرات الدهنية في الدماغ: زرع الباحثون في طبق خلايا دبقية من أفراد لديهم متغير (APOE4) أو (APOE3)، ثم طبقوا بروتين الأميلويد عليها. فوجدوا أن تطبيق الأميلويد على الخلايا جعلها تراكم الدهون، خاصة تلك التي تحتوي على متغير (APOE4). استنتج الباحثون أن تراكم الأميلويد في الدماغ يؤدي إلى دفع الدهون إلى خلايا الدماغ، ما يؤدي إلى مرض آلزهايمر. ولاختبار صحة هذه النظرية، أضافوا ألياف الأميلويد على الخلايا الدبقية، حيث تُعدُّ الألياف المكون الرئيسي لترسبات الأميلويد بين الخلايا العصبية في مرض آلزهايمر، فكانت النتيجة زيادة كبيرة في تراكم قطرات الدهون في الترسبات خاصة لدى وجود المتغير (APOE4).

وفقاً لهاني، لدى الإصابة بالآلزهايمر وتراكم بروتين الأميلويد بين الخلايا العصبية، تنشط استجابة التهابية في الخلايا الدبقية الصغيرة، ما يؤدي إلى زيادة تنظيم إنزيمات تخليق الدهون وتراكمها في الهياكل المعروفة باسم قطرات الدهون. وهي استجابة كان العلماء قد لاحظوها سابقاً خارج الدماغ، لدى مواجهة الخلايا المناعية للبكتيريا.

اقرأ أيضاً: بحث جديد: لقاحات الإنفلونزا تقلل خطر الإصابة بألزهايمر

المسارات الجزيئية لمرض آلزهايمر

وضّح الباحث في كلية بايلور للطب في تكساس، هوغو بيلين (Hugo Bellen) وزملاؤه العاملون معه في مختبر بيلين المختص بدراسات التنكّس العصبي، أنه وعلى الرغم من أهمية الدراسة فإنها لا توضّح كيفية بدء الإصابة، حيث تشير الدراسة الحديثة إلى أن التغيرات الجزيئية التي تؤدي إلى مرض آلزهايمر تبدأ قبل سنوات، وربما عقود، قبل ظهور الأعراض. وبحلول وقت الوفاة قد يكون كشف ما حدث فعلاً في الدماغ أكثر صعوبة.

وفي دراسة سابقة نُشِرت في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية (Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America)، أبرز بيلين أن الأنواع النشطة للأوكسجين (ROS) تتراكم في الخلايا العصبية بسبب مشكلات الميتوكوندريا، وهو ما يتسبب بإنتاج الدهون. ثم ينقل البروتين الذي يشفره (APOE) الدهون السامة البيروكسيدية لتكوين قطرات دهنية في الخلايا الدبقية. 

تعمل قطرات الدهون هذه على تعزيز تحلل الدهون البيروكسيدية، ما يساعد على حماية الخلايا العصبية من التلف الذي تسببه هذه الدهون السامة. أمّا ما أظهرته الدراسة الحديثة، فهو أن المتغير (APOE4) ينتج بروتيناً أقل وظيفية مقارنة بالبروتين الذي تنتجه المتغيرات الأخرى، أي أقل فاعلية في نقل الدهون ضمن المسار الذي حدده بيلين في دراسته، ما قد يؤدي إلى تراكم هذه الدهون السامة وموت الخلايا العصبية. 

اقرأ أيضاً: هل هناك علاقة بين ارتفاع معدل سكر الدم والكوليسترول والإصابة بداء ألزهايمر؟

تحديات وآفاق بحثية جديدة

مع هذه الاكتشاف، أضاف الباحثون فرضية جديدة حول مسببات مرض آلزهايمر، وهي قطرات الدهون، ما يفتح المجال أمام إيجاد علاج لمرض آلزهايمر في المستقبل باستهداف الدهون أو الجينات المسؤولة عن تشفير البروتينات التي تنقل الدهون.

ومع ذلك، تواجه هذه الآمال بعض التحديات، حيث إن هذه الدهون والبروتينات ترتبط بمهام أخرى يحتاج إليها الجسم خارج الدماغ، لذا لا بُدًّ من إيجاد طريقة تستهدف مكان تراكم الدهون، وليس الدهون عامة.