مع أن السدود الكهرومائية أعجوبة هندسية حقاً، والملايين من الأشخاص على مستوى العالم يستفيدون من الطاقة التي تولدها، فإن لبعضها آثاراً جانبية سلبية على البيئة. على سبيل المثل، تفصل السدود بين مجموعات الحيوانات وتحد من التزاوج المختلط بينها، وتحتجز كميات هائلة من الرواسب خلفها مقللة تدفقها إلى الأنهار، ما يحرم الأراضي الرطبة أسفل الأنهار من الموارد.
الآثار السلبية للسدود
في إقليم الشمال الغربي الهادئ، يُعد نهر "سنيك" (Snake) أكبر رافد لنهر كولومبيا العظيم، وقد أُقيمت عليه 4 سدود مثيرة للجدل تُعرف باسم سدود نهر سنيك السفلى. كان دعاة حماية البيئة يطالبون بإزالة هذه السدود منذ عقود من الزمن نظراً لتأثيرها الكبير على مجموعات أسماك السلمون في المنطقة. على الرغم من أن السدود تحتوي على سلالم وممرات أخرى يمكن للأسماك استخدامها للعبور، فإن الأسماك لا تزال تواجه صعوبة في اجتيازها للوصول إلى المحيط الهادئ. هناك 3 أنواع من السلمون في نهر سنيك معرضة للخطر أو مهددة بالانقراض، بينما تعاني حيتان الأوركا في مناطقها من نقص أسماك السلمون التي تُعد غذاءها الرئيسي. وفي هذا السياق، وفي تقرير أصدرته الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، يقول العلماء إن إعادة بناء تجمعات السلمون في المنطقة تتطلب إجراءات على نطاق واسع، مثل إحداث ثقوب في السدود.
على الرغم من اختلاف السدود وأحواض المياه المرتبطة بها، فإن بعض السدود الحالية يمكن أن تكون جزءاً من مستقبل أكثر استدامة إذا تم استخدام مياه خزاناتها للري الزراعي، وذلك وفقاً لدراسة نُشرت نتائجها مؤخراً في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS). تبحث الدراسة في مقدار تخزين المياه المطلوب لتعظيم ري المحاصيل دون استنفاد مخزونات المياه أو الإضرار بالطبيعة، وعدد الأشخاص الذين يمكن أن تدعم تقنية الري هذه غذاءهم. وقد وجدت الدراسة أنه يمكن استخدام خزانات السدود لتخزين أكثر من 50% من المياه اللازمة لتنفيذ مثل هذا الري.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر أجهزة تنظيف المحيطات من الجزيئات البلاستيكية على أشكال الحياة البحرية؟
السدود تؤدي أدواراً إيجابية أيضاً
حلل الباحثون الدورة الهيدرولوجية الطبيعية (أو دورة المياه) لمعرفة كمية المياه العذبة في كل من المسطحات المائية السطحية والجوفية التي يتم تكوينها وتجديدها خلال هذه العملية الطبيعية، وكيف تُقارن مع الاحتياجات المائية للأراضي الزراعية الحالية. وقدّر الباحثون من خلال تحليلهم هذا أن تسخير الإمكانات الكاملة للري من المياه المخزنة يمكن أن يساعد في إنتاج ما يكفي من الغذاء لإطعام نحو 1.15 مليار شخص على مستوى العالم.
وجد المؤلفون أيضاً أنه يمكن لجميع مواقع السدود المحتملة البالغ عددها 3700 سد، والتي تم تعيينها سابقاً لتوليد الطاقة الكهرومائية في جميع أنحاء العالم، يمكن لها أن تخزن ما يكفي من المياه لإطعام نحو 641 مليون شخص إذا تم تصميمها واستخدامها جزئياً للري.
مع أن للسدود هذه الإمكانات، يحذر المؤلفون من الاعتماد عليها كحل رئيسي مستدام لما لها من عواقب اجتماعية وبيئية. لقد تسببت السدود في بعض الحالات في تلاشي الأنهار وتشريد السكان. كما أن تكلفة إنشائها كبيرة، ومستويات التبخر من سطوحها عالية، ولها عواقب بيئية.
يقول الباحثون في بيان مشترك: «من بين جميع الخيارات المتاحة لتعزيز الأمن الغذائي والمائي، يجب أن يكون بناء المزيد من السدود هو الحل الأخير».
ويؤكد المؤلفون أيضاً أنه حتى إذا تم بناء خزانات كبيرة، فلن تكون سوى حلّ جزئي، ويوصون بالتفكير بجدية في بدائل عن بناء سدود جديدة.
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يكون تصغير المفاعلات حلاً لمشكلة توليد الطاقة النووية؟
بدائل للسدود الكبيرة
ووفقاً للباحثين، تشمل بعض الحلول البديلة لتخزين المياه بطريقة أكثر استدامة لأغراض الري استخدام السدود الصغيرة لحصاد المياه، وتجديد أنظمة المياه الجوفية بالمياه من العواصف الشتوية أو ذوبان الثلوج في الربيع، وإدارة رطوبة التربة بشكلٍ أفضل في الحقول الزراعية. ويلفت الفريق النظر إلى أن استخدام تقنيات الري الحديثة أو زراعة المحاصيل المتكيفة مع نقص المياه يمكن أن يخفف الحاجة لتخزين المياه.
يقول المؤلف الرئيسي للدراسة، رافائيل شميت، وهو مهندس أبحاث في مشروع ستانفورد نيتشرال كابيتال، في بيان: «هناك حاجة ملحة لاستكشاف حلول تخزين المياه البديلة، ولكن علينا أن ندرك أن العديد من السدود موجودة بالفعل، ويسلط بحثنا الضوء على دورها الحاسم في ضمان الأمن الغذائي في المستقبل».
ستساعد تقنيات تخزين المياه المحسّنة التي تستخدم خزانات السدود في بناء مستقبل زراعي أكثر استدامة. في الواقع، تؤدي الممارسات الزراعية في أجزاء كثيرة من العالم إلى تلويث موارد المياه واستنفادها، ويمكن أن تلحق الضرر بالبيئة الطبيعية، وهي مسؤولة عن نحو ثلث انبعاثات غازات الدفيئة العالمية. ويعتمد نحو ثلثي الأراضي الزراعية على مستوى العالم على مياه الأمطار، ويتم تعويض النقص في أوقات الجفاف عن طريق موارد المياه غير المستدامة مثل المياه الجوفية غير المتجددة وإعاقة التدفقات البيئية.
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: أعداد الحيوانات تزداد عند عيشها بالقرب من البشر
الأمن الغذائي: التحدي الجوهري في حلول الاستدامة
تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة والمؤسسة المشاركة ومديرة هيئة التدريس في مشروع ستانفورد نيتشرال كابيتال، غريتشن ديلي، في بيان: «الأمن الغذائي هو التحدي الجوهري للتنمية البشرية المستدامة. تسلّط دراستنا في هذا الصدد الضوء على الحاجة الملحة والفرصة للاستثمارات الإيجابية للطبيعة في مجال الري وإدارة المياه للحد من الآثار الضارة للزراعة مع دعم الفوائد الحيوية الأخرى للنظم الإيكولوجية للأراضي الزراعية والمياه العذبة».
ويقول الأستاذ المساعد في قسم الاقتصاد الزراعي والموارد في جامعة ولاية كارولينا الشمالية والذي لم يشارك في الدراسة، إريك إدواردز، لمجلة العلوم للعموم (PopSci): «تعالج هذه الورقة قضية مهمة تتعلق بإنتاج الغذاء، وتعتبر أنه من المهم للغاية التركيز على الري لأن التغيّر المناخي سيغيّر أنماط هطول الأمطار ويجعلها أكثر تقلباً، ما قد يؤثر على أمن الإمدادات الغذائية العالمية».
ومع ذلك، يحذر إدواردز من أن هذه الدراسة ليست تحليلاً للتكلفة والفائدة وأن مشكلات المياه محلية، لذلك فإن الحلول الأكثر شمولاً والعالمية ليست فعّالة. ويضيف: «لا يزال بإمكان مشاريع السدود الفردية التسبب بمشكلات بيئية كبيرة، ويمكن أن تكون تكلفتها عالية جداً مقارنة بالفوائد المالية التي تقدمها. في الحقيقة، إنشاء السدود والبنية التحتية المرتبطة بالري مكلف جداً، وغالباً لا يتم تبرير إقامة هذه المشاريع بهدف تحسين الإنتاج الزراعي، ويمكن اعتبارها بدلاً عن ذلك بمثابة دعم حكومي للمصالح الزراعية».
وفقاً لإدواردز، يمكن أن تساعد هذه الورقة أيضاً الباحثين الآخرين وصناع السياسات في إجراء مزيد من الدراسة حول كيفية استخدام مستجمعات المياه بشكل أفضل.