بحث جديد يزيح الستار عن أدلة جديدة تثبت أن الصحراء الكبرى كانت غابة

بحث جديد يزيح الستار عن أدلة جديدة تثبت أن الصحراء الكبرى كانت غابة
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Halima Bouchouicha
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لم تكن الصحراء الكبرى صحراء دائماً، فثمة فترة طويلة كانت في أثنائها غابة خضراء كبيرة، لكن ما سبب تحولها لصحراء قاحلة؟ ومتى كانت غابة؟ وهل للإنسان دور في تحولها إلى صحراء؟ ومتى ستصبح غابة مجدداً؟ إليك الإجابات في هذا المقال.

هل كانت الصحراء الكبرى فعلاً غابة فيما مضى؟

نعم، وقد ذكرت دراسة جديدة منشورة في دورية نيتشر في سبتمبر/ أيلول 2023 عدة تفاصيل عن الفترات الرطبة السابقة التي سادت شمال إفريقيا، وامتدت الفترة التي ضمتها الدراسة لنحو 800 ألف عام، وتشرح آخر التطورات التي توصلنا إليها لمعرفة سبب تحول الصحراء الكبرى إلى سهول خضراء بشكلٍ دوري والعكس، من خلال إجراء محاكاة برمجية تغطي كامل هذه السنوات وتتوقع النمط الدقيق لتغيرات المناخ ومدة ظهور الغطاء الخضري في الصحراء الكبرى.

بالطبع، هناك أدلة مختلفة تشير إلى أن الصحراء الكبرى كانت مكسوة بالغطاء النباتي دورياً في الماضي، وترافق الغطاء النباتي هذا بوجود الأنهار والبحيرات والحيوانات المختلفة، ومن المحتمل أن تكون هذه الممرات المائية أسهمت في خروج الإنسان القديم من إفريقيا إلى مناطق العالم الأخرى.

اقرأ أيضاً: كيف يساعد التطفل بعض الأنواع على الانتشار؟

ما الأدلة التي تشير إلى أن الصحراء الكبرى كانت خضراء سابقاً؟

تتنوع الأدلة التي تثبت وجود مساحات خضراء شاسعة تغطي مناطق الصحراء الكبرى، ومن أبرزها وجود لوحات في كهوف قديمة في الصحراء الكبرى تصوّر أفراس النهر في فتحات الري وقطعان متجولة من الأفيال والزرافات، وهذه الحيوانات تعتمد بصورة كبيرة على الماء لتعيش وتستوطن.

اكتُشفت أولى هذه الرسوم نحو عام 1850 من قِبل مستكشف ألماني، وذلك في أثناء عبوره الصحراء للوصول إلى تمبكتو، ثم قامت عدة بعثات علمية من بعده بفهرسة مئات الآلاف من النقوش واللوحات المتقنة التي تُزيّن الكهوف الصخرية والنتوءات في المواقع الصحراوية الممتدة من السودان إلى موريتانيا، وتصور وجود غطاء نباتي ومراعٍ للماشية في المنطقة، بالإضافة لوجود حيوانات مائية مثل التماسيح وغيرها.

ما الدراسات التي حددت زمن “العصر الأخضر” للصحراء الكبرى؟

تعد دراسات الغبار التي أجراها معهد إم آي تي عام 2013 من أبرز الدراسات التي حاولت تحديد الفترة التي كانت بها الصحراء الكبرى خضراء، ووجدوا أنه من المحتمل أن “العصر الأخضر” في الصحراء الكبرى امتد من 11000 إلى 5000 سنة مضت ثم انتهى بشكلٍ مفاجئ، ما سبب جفاف المنطقة مرة أخرى وتحولها إلى صحراء في غضون قرن أو قرنين من الزمان.

وتتبعت دراسة الفريق البحثي الفترات الرطبة والجافة في المنطقة على مدى 30 ألف سنة الماضية من خلال تحليل عينات رواسب الغبار المتراكمة قبالة سواحل إفريقيا، حيث تتكون هذه الرواسب بشكلٍ جزئي لكن بنسبة جيدة من الغبار المنبعث من القارة على مدى آلاف السنين، ويمكن الاستدلال على كمية الجفاف والتصحر من خلال وجود كميات كبيرة من الغبار المتراكم في فترة معينة.

ولمعرفة توزع الغبار عبر الزمن، استُخدمت طريقة أسطوانة الرواسب، وهي تقنية جيولوجية تعتمد على أخذ عينة من الأرض المقابلة للسواحل الإفريقية بواسطة أسطوانة مجوفة تحافظ على توزيع الطبقات، ومن خلال دراسة طبقات الأسطوانة يمكن معرفة كمية الغبار المنتشرة في فترة زمنية معينة. 

وبلغ طول الأسطوانة المستعملة للدراسة نحو 3 أمتار، وكل 1 سنتيمتر منها يمثّل مدة تبلغ 100 عام، ما يجعل المدة الكاملة للدراسة 30 ألف عام.

ووجد الباحثون أن كمية الغبار القادمة من الصحراء الكبرى كانت أقل بـ 5 مرات خلال المرحلة الخضراء لإفريقيا مقارنة بكمية الغبار القادمة منها اليوم، وأُخذت العينات على أبعاد مختلفة من الساحل، وكانت أبعد نقطة اعتيان تبعد نحو 800 كيلومتر عن الساحل.

اقرأ أيضاً: دراسة: التغيّر المناخي يهدد بتدمير المواقع الأثرية المهمة

أمّا عن طريقة معرفة معدل الترسب بالسنوات، وتحويله إلى طول بالسنتيمترات بالأسطوانة، فاعتُمدت تقنية تطبيع الثوريوم 230، وتقيس هذه التقنية معدل تحلل اليورانيوم في مياه البحر، حيث يتحلل عنصر اليورانيوم إلى الثوريوم 230، وهو عنصر كيميائي غير قابل للذوبان ويلتصق بشكلٍ غير عكوس بالرواسب المتساقطة في أثناء غرقها بقاع البحر، علماً أن معدل تحول اليورانيوم لثوريوم 230 ثابت نسبياً في محيطات العالم. 

لذا، فإن في الفترات التي تتراكم فيها رواسب الغبار بشكلٍ سريع وكبير، سيكون تركيز الثوريوم 230 أقل، بينما في فترات التراكم الغباري الأبطأ والأقل سيظهر تركيز أكبر للثوريوم 230.

وهناك تقنية ثانية لدراسة فترة اخضرار الصحراء الكبرى استخدمها بحث إم آي تي، وهي تقنية نمذجة الحجم النهائي للحبيبات الدقيقة، وتتضمن رسم مخطط لحجم الحبيبات بدءاً من حبيبات الغبار الخشنة نسبياً وصولاً إلى حجم الحبيبات الناعمة للتربة البحرية، وذلك مهم لمعرفة معدل تحول الغبار البري إلى بحري وحساب عدد السنوات بشكلٍ أدق.

اقرأ أيضاً: أهم المحاصيل الزراعية التي تنمو في التربة الصحراوية

ما سبب تحول الصحراء الكبرى من غابة إلى صحراء؟ 

من المتوقع أن الصحراء الكبرى مرت بآخر فترة رطبة “خضراء” لها منذ 11 ألف سنة، أي مباشرة بعد العصر الجليدي الأخير؛ حينها زادت الأمطار الموسمية وظهرت بحيرات ضخمة وتحولت المنطقة بأكملها إلى سهول سافانا مشابهة لنظيراتها الحالية في كينيا أو رواندا، وكانت بحيرة تشاد بحجم بحر قزوين الحالي، وانتهت تقريباً الفترة الخضراء للصحراء الكبرى في زمن الفرعون الأول لمصر المدعو مينا.

ويؤدي موقع الأرض بالنسبة للشمس وتغير مدار الأرض الطفيف دوراً مهماً في توزع الحرارة وتوزع الغطاء الخضري على القارات، وتعتبر دورات ميلانكوفيتش سبباً أساسياً لحدوث الظواهر الدورية العالمية مثل العصور الجليدية واخضرار الصحاري. 

ويسبب انحراف محور الأرض، حدث ارتفاع طفيف في درجة الحرارة فوق الصحراء الكبرى، فنشأ ضغط جوي منخفض دفع تياراً هوائياً رطباً من المحيط الأطلسي، ما أدى بدوره إلى زيادة بسيطة في هطول الأمطار الموسمية وسمح بنمو المزيد من الأعشاب تدريجياً، وهذا النمو العشبي القليل تفشى تدريجياً وأصبحت المنطقة لاحقاً بأكملها مغطاة بالعشب ثم الأشجار، وتجمعت المياه، وجذبت الحيوانات المختلفة والبشر ليستوطنوا بها. 

ويرى بعض الباحثين أن الرعي الجائر كان سبباً في التصحّر، حيث قلل من كمية الرطوبة الجوية، فالنباتات تنتج رطوبة ما يؤدي بدوره إلى إنتاج السحب، ومن الممكن أن يكون البشر آنذاك استخدموا النار لإدارة الأراضي الزراعية فتحولت الأراضي الخضراء لصحاري بشكلٍ أسرع مما يجب.

لكن هناك إجماعاً شبه عام على أن المناطق الخضراء ستتحول إلى صحراء كبرى سواء تدخل الإنسان أو لم يتدخل، لكن سرعة التحول ستختلف وفقاً لنشاط البشر، ويحدث هذا التحول بشكلٍ دوري بين صحراء ومنطقة خضراء كل نحو 21000 سنة. ووفقاً لهذه الحسابات، من المتوقع أن تتحول الصحراء الكبرى لمنطقة خضراء مجدداً بعد نحو 12000 سنة من الآن، ولكن لن نستطيع التأكد تماماً من ذلك إلّا باختراع آلة تنقلنا عبر الزمن.