ماذا يخبرنا الفيروس المكتشف في أعماق المحيط عن الحياة في الظروف المتطرفة

ماذا يخبرنا الفيروس المكتشف في أعماق المحيط عن الحياة في الظروف المتطرفة
حقل عالي الكثافة من الشعاب المرجانية، يحتوي مرجان إريدوجورجيا ماجنيسبيراليس (Iridogorgia magnispiralis) الحلزوني الشكل. الصورة مقدّمة من مكتب استكشاف المحيطات وأبحاثها التابع إلى الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي، استكشاف المياه العميقة في جزر ماريانا عام 2016. الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اكتشف علماء الفيروسات البحرية فيروساً جديداً يعيش في خندق ماريانا البحري العميق والمظلم للغاية، في منطقة يتجاوز عمقها 8.8 كيلومترات. وفقاً لدراسة نُشرت بتاريخ 20 سبتمبر/أيلول 2023 في مجلة مايكروبايولوجي سبيكتروم (Microbiology Spectrum)، هذا الفيروس هو أعمق نوع من العاثيات (فيروسات تصيب البكتيريا وتتكاثر داخلها) المعزولة يُكتشف حتى الآن.

عاثيات في خندق الماريانا

يتجاوز عمق خندق ماريانا الذي يقع في غرب المحيط الهادئ بالقرب من جزيرة غوام 10.9 كيلومترات في أدنى عمق له، وهو جزء من منطقة تحمل اسم “منطقة الأخاديد القاعيّة العميقة”(hadal zone). سُميت هذه المنطقة باسمها في اللغة الإنجليزية نسبة إلى إله العالم السفلي اليوناني، هاديس؛ بسبب احتوائها على الخنادق العميقة ولأن الضغوط التي تسودها مرتفعة. قد يساعد تراكم الكربون على طول قواعد الخنادق في هذه المنطقة على موازنة مناخ الأرض وتنظيم دورة الكربون. ولكن أشكال الحياة تتوصل إلى طرائق للبقاء حتى في ظل الضغط شديد الارتفاع والبرد والظلام الشديدَين؛ إذ اكتشف العلماء وجود الأسماك والروبيان والكثير من أنواع الميكروبات في هذه المنطقة. تشمل أشكال الحياة هذه كائنات تحافظ على توازن الأنظمة البيئية.

اقرأ أيضاً: هل تمثّل الفيروسات المتجمّدة القديمة خطر جائحة جديدة على البشر؟

قال عالم الفيروسات البحرية في جامعة أوشن الصينية والمؤلّف المشارك في الدراسة، مين وانغ، في بيان صحفي: “أينما توجد حياة، توجد بالتأكيد كائنات تحافظ على التوازن، وفي هذه الحالة، هذه الكائنات هي الفيروسات”.

تصيب العاثيات المكتشفة حديثاً البكتيريا التي تنتمي إلى شعبة تحمل اسم “الهالوموناس”، التي توجد عادة في الرواسب في أعماق البحار والفتحات التي تشبه النوافير في قاع البحر، التي تطلق تيارات الماء الساخن وتحمل اسم “المنافث الحرمائية”.

فيروس جديد

وصف وانغ ومجموعة دولية من الباحثين الفيروس الجديد الذي أُطلق عليه اسم “في بي_آتش مي واي_آتش4907” (vB_HmeY_H4907) في الدراسة الجديدة. صعد هذا الفيروس من الأعماق في الرواسب من منطقة يبلغ عمقها نحو 8.8 كيلومترات، ويصنَّف على أنه من العاثيات. تحمل العاثيات أيضاً اسم “العاثيات البكتيرية”، وهي تصيب البكتيريا وتتكاثر داخلها، فضلاً عن أن العلماء يعتقدون أنها أكثر أشكال الحياة وفرة على الأرض.

قال وانغ: “على حد علمنا، الفيروس الجديد هو أعمق أنواع العاثيات المعزولة التي اكتُشفت في المحيط العالمي حتى الآن”.

وفقاً لوانغ؛ يشير تحليل المادة الوراثية للفيروس الجديد إلى وجود عائلة فيروسية غير معروفة سابقاً تعيش في أعماق المحيطات، بالإضافة أنه يوفّر رؤىً جديدة حول تطوّر العاثيات التي تعيش في أعماق البحار وتنوّعها الجيني وسماتها الجينومية وكيفية تفاعلها مع مضيفاتها.

استخدم فريق المؤلفين في السابق التحليل فوق الجينومي لدراسة الفيروسات التي تصيب البكتيريا التي تنتمي إلى رتبة البكتيريا الحلزونية المحيطية (Oceanospirallales). تتضمن هذه الرتبة الهالوموناس، وهي الشعبة التي يصيبها الفيروس المكتشف حديثاً. بحث الفريق في الدراسة الجديدة عن الفيروسات في السلالات البكتيريّة التي عزلها عالم الفيروسات البحرية في جامعة أوشن الصينية، يو-جونغ جانغ.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر أجهزة تنظيف المحيطات من الجزيئات البلاستيكية على أشكال الحياة البحرية؟

يشير التحليل الجينومي للفيروس الجديد إلى أنه يتمتّع ببنية مشابهة لمضيفه وأنه منتشر على نطاق واسع في المحيط. بالإضافة إلى ذلك، هذا الفيروس مُستذيب؛ ما يعني أنه يغزو مضيفه ويتكاثر فيه لكنه لا يقتل الخلية البكتيرية عادة. تُنسخ المادة الوراثية للفيروس بعد غزو المضيف والتكاثر فيه وتُنقل مع انقسام الخلايا.

يثير هذا الاكتشاف بعض الأسئلة الجديدة المتعلقة باستراتيجيات البقاء التي تطبقها الفيروسات التي تعيش في بيئات قاسية ومعزولة عموماً؛ مثل خنادق منطقة الأخاديد القاعيّة العميقة، وكيف تطورت على نحو مشترك مع مضيفاتها. ستهدف الدراسات المستقبلية إلى دراسة الآليات الجزيئية التي يعتمد عليها تفاعل فيروسات أعماق البحار مع مضيفاتها.

وفقاً لوانغ؛ اكتشاف المزيد من الفيروسات الجديدة في المناطق التي تسودها الظروف المتطرفة “من شأنه أن يسهم في توسيع فهمنا للغلاف الفيروسي؛ إذ تفتح البيئات المتطرفة القاسية آفاقاً مثالية لاكتشاف الفيروسات الجديدة”.