دراسة حديثة تُظهر الحجم المروّع للمخلّفات البلاستيكية في مياه البحر المتوسط

3 دقائق
مصدر الصورة: بيكساباي.

طور فريقٌ من الباحثين في من المركز اليوناني للبحوث البحرية نموذجاً لتتبع مسارات ومصير الحطام البلاستيكي القادم من المصادر البرية في البحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى قاع البحر. وأظهرت دراسة جديدة نُشرت في دورية «الحدود في علوم البحار» (Frontiers in Marine Science) أن كميةً مروّعةً من الحطام البلاستيكي الصغير والكبير تقدّر بـ3760 طناً مترياً تطفو حالياً في البحر الأبيض المتوسط وحده.

تخمة بلاستيكية

يتزايد الإنتاج العالمي من البلاستيك كل عام منذ خمسينيات القرن الماضي؛ إذ تم إنتاج 368 مليون طن من البلاستيك في عام 2019. وتنتهي نسبة عالية من النفايات البلاستيكية في البحار والمحيطات، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 250 ألف طن من الحطام البلاستيكي تطفو حالياً في المحيطات في جميع أنحاء العالم.

يُعتبر البحر الأبيض المتوسط ​​بقعةً ساخنةً للتلوث البلاستيكي. ومن المحتمل أن يكون هذا بسبب سواحله المكتظة بالسكان وعمليات صيد الأسماك والشحن والسياحة والتدفق المحدود للمياه السطحية إلى المحيط الأطلسي. وفي الوقت نفسه، فإن البحر الأبيض المتوسط ​​غني بالتنوع البيولوجي؛ ما يجعله مجال اهتمامٍ للحفاظ على النظم البيئية البحرية.

ويؤثر هذا التلوث البلاستيكي على جميع مستويات التنوع البيولوجي البحري؛ حيث توجد جزيئات بلاستيكية دقيقة وكبيرة على سطح البحر والشواطئ وقاع البحر وداخل أجسام الحيوانات البحرية الكبيرة والصغيرة. كما تم التوصّل إلى نتيجةٍ مفادها أن البلاستيك قد دخل نظام البشر الغذائي من خلال استهلاك المأكولات البحرية، وهذا ما يجب التوقف عنده.

نمذجة التلوث البلاستيكي

Shutterstock.com/Damsea

تتميز عمليات محاكاة توزّع البلاستيك في البيئات البحرية حالياً بدرجةٍ كبيرة من عدم اليقين. ولا تزال البيانات التجريبية الخاصة بالعديد من العمليات التي تؤثر على مصير البلاستيك؛ مثل الغرق، وابتلاع الكائنات البحرية والتجزئة إلى قطعٍ أصغر، محدودةً للغاية؛ لكن أظهر هذا النموذج الجديد الذي طوّره باحثو المركز اليوناني للبحوث البحرية، مهارةً معقولةً في إعادة النظر في التوزيعات المرصودة للبلاستيك في البيئة البحرية؛ وبالتالي يمكن استخدامه لتقييم الوضع الحالي للتلوث البلاستيكي في البحر الأبيض المتوسط ​​وتقييم تأثير إجراءات التنظيف المستقبلية وخطط الإدارة.

تتبّع النموذج الجديد المسارات والمصير النهائي للحطام البلاستيكي في البحر الأبيض المتوسط؛ إذ أجرى النموذج محاكاةٍ على مدار الفترة من 2010 إلى 2017، لتتبع المواد البلاستيكية من مصادر برية مثل الأنهار والمدن الساحلية، مع مراعاة عمليات التشتت مثل الغرق والرياح والتيارات. كما حدد أيضاً أنماط التراكم المحتملة للمواد البلاستيكية الدقيقة والكبيرة في الطبقة السطحية، والعمود المائي، وقاع البحر، والشواطئ.

أظهر كلّ هذا أن إجمالي الحمولة البلاستيكية السنوية التي تدخل البحر الأبيض المتوسط ​​تبلغ حوالي 17600 طن، منها 3760 طناً تطفو حالياً في البحر الأبيض المتوسط. ومن هذا الإجمالي، ينتهي المطاف بـ84% منه على الشواطئ بينما تنتهي الـ16% المتبقية في عمود الماء أو قاع البحر.

وصف النموذج أيضاً «الحشف الحيوي» كآلية محتملة لإزالة المخلّفات البلاستيكية الدقيقة من سطح مياه البحر. والحشف الحيوي هو تراكم الكائنات الحية الدقيقة مثل الطحالب على أجسام عائمة ومغمورة؛ بما في ذلك الحطام البلاستيكي.

البلاستيك يسيطر على المحيطات

Shutterstock.com/chaiyapruek youprasert

إن المخلّفات البلاستيكية الدقيقة أقل وفرةً في سطح البحر بسبب غرقها الأسرع بسبب تعلق الكائنات البحرية الثقيلة (الحشف الحيوي)، وتتراكم بشكلٍ أعمق في عمود المياه وقاع البحر. ومن ناحيةٍ أخرى، فقد تطفو المخلفات البلاستيكية الكبيرة، مثل الأكياس البلاستيكية والستايروفوم، لفتراتٍ أطول، كما يمكنها السفر لمسافاتٍ طويلةٍ بعيداً عن مصادرها.

كانت مصادر المواد البلاستيكية الدقيقة؛ مثل محطات معالجة مياه الصرف الصحي، متوزعةً بشكلٍ أساسي بالقرب من المدن الحضرية والمناطق المكتظة بالسكان على طول السواحل الفرنسية والإسبانية والإيطالية. بينما تم العثور على مواد بلاستيكية دقيقة الحجم بشكلٍ أكثف في المناطق ذات المياه العادمة غير المعالجة؛ مثل السواحل قبالة اليونان وشرق المتوسط.

وكانت المخلّفات البلاستيكية الكبيرة وفيرةً في المناطق ذات المِصبّات النهرية الهامة؛ مثل السواحل الجزائرية والألبانية والتركية، وعلى مقربةٍ من المدن الكبرى والسواحل المكتظة بالسكان؛ مثل الإسبانية والفرنسية والإيطالية.

توصيات سياسة لحلّ مشكلةٍ تطال الجميع

مصدر الصورة: بيكساباي.

يمكن استخدام نواتج هذا النموذج لتحديد المناطق المهمة بيئياً؛ مثل موائل الطيور والحيتان، أو تجارياً؛ مثل مناطق تربية الأحياء المائية ومصائد الأسماك التي يُحتمل أن تكون مهددةً بالتلوث البلاستيكي. وهذا مهمٌّ كذلك لتصميم خطط وسياسات إدارة تضع النظام البيئي في رأس أولوياتها في سبيل التخفيف من التلوث البلاستيكي، والذي غالباً ما يكون مشكلةً بيئيةً عابرةً للحدود؛ حيث قد يسافر البلاستيك العائم لمسافاتٍ طويلة بعيداً عن مصادره.

لا شك أن التنوع الاجتماعي والسياسي والثقافي للبلدان المأهولة بالسكان على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​يجعل تنفيذ سياسةٍ مشتركة لإدارة النظام البيئي البحري أمراً صعباً؛ لكن نماذج مثل هذا النموذج الحديث يمكن أن تساعد في التخفيف من وطأة هذه المشكلة.

وفي الختام؛ إن استخدام النماذج التنبؤية مثل النموذج المُقدّم هنا؛ والتي يمكنها ربط كميات البلاستيك المرصودة وأنواعها بمصادرها الأصلية، أمرٌ بالغ الأهمية لوضع خطط الإدارة الناجحة.

المحتوى محمي