دراسة حديثة: الاستماع إلى نص توجد به أخطاء لغوية قد يؤثّر في معدل ضربات القلب

دراسة حديثة: قراءة نص توجد به أخطاء لغوية قد تؤثّر في معدل ضربات القلب
حقوق الصورة: shutterstock.com/ TatMih

كيف تتصرف عندما تسمع شخصاً يرتكب خطأً نحوياً؟ هل تصححه أمْ تتجاهله أمْ ربما توجّه انتقاداً له؟ وفقاً لدراسة جديدة، قد لا تكون استجابتك خياراً وأسلوباً خاصاً بك، بل هي أيضاً انعكاس لصحة قلبك.

وجد باحثون من جامعة برمنغهام (University of Birmingham)، أن سماع الأخطاء اللغوية يمكن أن يؤثّر في تقلب معدل ضربات القلب، وهو مقياس لمدى تكيُّف جسمك مع التوتر. بمعنى آخر، القواعد النحوية السيئة يمكن أن تجعل قلبك يتوقف فعلياً عن النبض لحظة.

مسار الدراسة: الربط بين الأخطاء النحوية ومعدل ضربات القلب

في الدراسة المنشورة في مجلة اللسانيات العصبية (Journal of Neurolinguistics)، اختار فريقٌ من الباحثين بقيادة أستاذة اللغويات المعرفية والإدراك اللغوي في جامعة برمنغهام داغمار ديفجاك (Dagmar Divjak)، 41 شخصاً متحدثاً باللغة الإنجليزية بوصفها اللغة الأم، بأعمار ما بين 18 و44 عاماً، وبحالة صحية جيدة من حيث ضربات القلب، ومن خلفيات تعليمية متعددة ولهجات مختلفة.

استمع المشاركون إلى 40 عينة صوتية لكلام باللغة الإنجليزية، وبأصوات ذكور وإناث. احتوت العينات على أخطاء نحوية مثل استخدام "an" عوضاً عن "a" أو "the"، بحيث تباينت كثافة الأخطاء في العينات ما بين 18 و56%.

بينما كان المشاركون يستمعون إلى عينات الأخطاء، وُصِّلوا بجهاز مراقبة لتتبع الفواصل الزمنية بين نبضات القلب، وهو ما يُعرف بمعدل ضربات القلب (HRV)، لمعرفة المزيد عن العلاقة بين الإدراك وفيزيولوجيا الجسم.

يمكن استخدام معدل ضربات القلب مقياساً لحالة الإجهاد؛ ففي حالة الاسترخاء تتباين الفواصل الزمنية ما بين ضربات القلب المتعاقبة، بينما تصبح أكثر انتظاماً وثباتاً في حالة التوتر. حيث رصد الباحثون انخفاضاً كبيراً وعلى نحو ثابت في معدل ضربات القلب استجابة للأخطاء النحوية، وكان أكثر وضوحاً عندما كانت كثافة الخطأ في الكلام بين 20 و40%.

عكس هذا الانخفاض الحالة الفيزيولوجية للمشاركين بعد سماع الأخطاء النحوية، فكلما زاد عدد الأخطاء التي تعين على المشارك سماعها في الدراسة، أصبحت ضربات قلبه أكثر انتظاماً؛ أي أن المشاركين أصبحوا أكثر توتراً، ما يشير إلى وجود علاقة بين الإدراك اللغوي والاستجابات الفيزيولوجية.

اقرأ أيضاً: 5 أمراض تصيب مراكز اللغة في الدماغ

العلاقة بين فيزيولوجيا الجسم والإدراك

بعد أن كشف الباحثون وجود رابط بين معدل ضربات القلب والمعالجة اللغوية، استنتجوا أن الأنشطة المعرفية، بما في ذلك المعقدة منها مثل المعالجة اللغوية، يمكن أن تتجسد في هيئة تغيرات فيزيولوجية في الجسم.

تعليقاً على نتائج الدراسة، قالت ديفجاك: "تُسلّط نتائج هذه الدراسة الضوء على بُعدٍ جديدٍ للعلاقة المعقدة بين فيزيولوجيا الجسم والإدراك. دُرِست سابقاً هذه العلاقة باستخدام تقنيات مثل تتبع العين عبر تخطيط الدماغ الكهربائي وتصوير الدماغ. لكن العلاقة بين الإدراك اللغوي والجهاز العصبي اللاإرادي (ANS) لم تحظَ باهتمام كافٍ". أضافت موضحة أنه خلال التوتر يزداد حجم بؤبؤ العين بتأثير الجهاز العصبي اللاإرادي، لذا كان من المتوقع أن يتأثر أيضاً معدل ضربات القلب.

افترض الباحثون أن الأخطاء النحوية تؤدي إلى تحفيز الجهاز العصبي اللاإرادي استجابة "الكر والفر" في جسم الإنسان بتأثير المتطلبات المعرفية، من خلال تغيير تقلب ضربات القلب، وهذا يشير إلى أن للجهد المعرفي آثاراً تتجاوز حدود معرفتنا السابقة، وهو ما قد يكون الدليل الأول على أنه يمكن استخدام معدل ضربات القلب مؤشراً للمعرفة اللغوية الضمنية.

وضحت ديفجاك أن معرفة اللغة الأم غالباً ما تكون ضمنية؛ أي لا تتطلب دراسة وتعمقاً في التفكير. لذا قد يكون من الصعب التمييز بين صواب جملة أو خطئها، والأسوأ أنك قد لا تتمكن من شرح سبب ذلك، خاصة لمَن لم يتلقَ تدريباً لغوياً، فينشأ الشعور بالتوتر من بين مشاعر أخرى، نتيجة إدراك أن هناك خطأً ما، ولكن لا يمكن تحديد ما هو بالضبط.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثّر تعلمك أكثر من لغة في دماغك؟

قيود الدراسة

مثل سائر الأبحاث الأخرى، تواجه نتائج الدراسة بعض القيود، مثل:

  • استخدام نوع واحد من الأخطاء اللغوية، وهو الأخطاء النحوية المنطوقة.
  • العدد الصغير للمشاركين في الدراسة.
  • تجانس المشاركين نسبياً من حيث الخلفيات الثقافية واللغوية.

يمكن مستقبلاً توسيع نطاق الدراسة ليشمل مجموعة سكانية أكثر تنوعاً وعدداً، وتكرارها في لغات وخلفيات ثقافية مختلفة، في محاولة لتعميم نتائج الدراسة عالمياً.

فائدة البحث: دراسة الناس من خلال أخطاء الآخرين

حتى مع قيودها، تمهّد الدراسة الطريق أمام إمكانات بحثية جديدة مثيرة للاهتمام، وتقترح استخدام مؤشرات القلب والأوعية الدموية، وخاصة تقلب معدل ضربات القلب، لتكون بمثابة أدوات مفيدة لتقييم المعرفة اللغوية ضمناً.

من وجهة نظر عملية، يقيَّم حالياً ما إذا كان للاستجابات المُلاحظَة أي ارتباط مع سمات الشخصية، وما إذا كان ينبغي أخذها في الاعتبار في مواقف العالم الواقعي العالية الضغط. على سبيل المثال، إذا كانت استجابة الأفراد أقوى للأخطاء اللغوية، فهل يعني ذلك أن لديهم موقفاً أكثر سلبية تجاه الأفراد الذين يرتكبون الأخطاء؟ وهل يمكن أن يعني هذا أنهم قد يكونون أقل ميلاً لتوظيف مرشح أجنبي خلال مقابلات العمل؟

كما يقدّم هذا البحث نهجاً جديداً للاستفادة من بعض الجوانب غير المرئية للإدراك المعرفي. على سبيل المثال، يمكن أن يكون ذا أهمية خاصة لمَن يعاني مشكلات في التعبير اللغوي عن آرائهم، بسبب صغر السن أو الشيخوخة أو حالات صحية خاصة.

اقرأ أيضاً: تقرير جديد من منظمة الصحة العالمية يركّز على تأثيرات ارتفاع ضغط الدم على مستوى العالم

علاوة على ذلك، تسمح لنا دراسة مثل هذه بفهم العلاقة بين اللغة والإدراك والشخصية بشكلٍ أفضل، كما أنها تظهر أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، ولكنها انعكاس لشخصيتنا.

المحتوى محمي