اكتملت مؤخراً أول دراسةٍ خارجية لإطلاق البعوض المعدل وراثياً في فلوريدا كيز. صُممت التجربة للتحقق مما إذا كانت هذه الحشرات المعدلة وراثياً يمكن أن تساعد في الحد من مجموعات البعوض التي تنقل الأمراض.
بعوض معدل وراثياً لا ينتج سوى نسل من الذكور
في هذه الدراسة التي تُعتبر الأولى من نوعها، نشرت شركة التكنولوجيا الحيوية "أوكسيتك" (Oxitec) بيض البعوض المعدل وراثياً في بعض الملكيات الخاصة في سلسلة جزر فلوريدا. عُدلت حشرات البعوض هذه وراثياً كي تكون من الذكور فقط وغير قادرة على العض، ويمكنها إنتاج نسلٍ من الذكور فقط. وُضعت البيوض وسط مصائد مصممة لاحتجاز حشرات البعوض البالغة، بالإضافة لفخاخٍ لجمع بيض الأجيال القادمة من البعوض. أراد الباحثون معرفة ما إذا كان البعوض المعدل وراثياً سيتزاوج بنجاح مع حشرات البعوض المحلية؛ إذا حدث ذلك وأنتجت نسلاً من ذكور البعوض غير القادر على العض، فإن ذلك من شأنه أن يقلل من أعداد البعوض البري الناقل للأمراض.
اقرأ أيضاً: طالبة من أصول عربية تبتكر طريقة منخفضة التكلفة للقضاء على البعوض وتفوز بجائزة أميركية مرموقة
وفقاً لإعلان الشركة الشهر الماضي، كانت التجربة ناجحةً، وسيتم إجراء المزيد من التحليل على البيانات ونشرها في وقتٍ لاحق. وجد فريق شركة أوكسيتك أنه عندما تصل حشرات البعوض المعدلة وراثياً إلى مرحلة البلوغ، يتطابق سلوكها في الطيران والاستكشاف مع قدرات البعوض البري. وقد تزاوجت الحشرات المعدلة بنجاح مع إناث البعوض البرية أيضاً، والتي بدورها وضعت بيوضها في المصائد التي نشرتها الشركة. جمع الباحثون أكثر من 22 ألف بيضة لفحصها وهي تفقس في المختبر، وقد أكدت الشركة أن جميع حشرات البعوض الناتجة منها كانت من الذكور على الرغم من أن الجين المصمم لقتل البويضات الأنثوية لم يستمر إلا لثلاثة أجيال من البعوض ثم اختفى.
آمال واعدة في الحد من انتشار الأمراض بواسطة البعوض
كان البعوض المعدل وراثياً من نوع البعوض الذي يُدعى "الزاعجة المصرية" (Aedes aegypti). في بيئته البرية، يعتبر بعوض الزاعجة المصرية من الأنواع الغازية وتنقل أمراضاً مثل زيكا وحمى الضنك والحمى الصفراء وغيرها من الأمراض. على الرغم من أن الهدف النهائي من نشر هذا البعوض هو الحد من انتشار المرض، لم يكن للتجارب الحالية تأثير على الصحة العامة؛ حيث لم تكن الدراسات مصممة لاختبار انتقال المرض إلى البشر. سيتطلب هذا الأمر قيام أوكسيتك بإجراء تجارب مضبوطة مكثفة وستكون صعبةً ومكلفة.
يقول توماس سكوت، عالم الحشرات في جامعة كاليفورنيا، ديفيس، لمجلة "نيتشر": «لن يكون بمقدور الشركة إجراء تجربة لإثبات أن للبعوض المعدل وراثياً تأثير فعلي على الصحة العامة. إذ لا توجد عدوى فيروسية كافية يمكن أن تنتقل عن طريق بعوض الزاعجة المصرية في فلوريدا كيز أو في أي مكان في الولايات المتحدة لإجراء هذا النوع من الدراسة. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يحدث انتقال المرض حتى لو كانت أعداد بعوض الزاعجة المصرية منخفضة، لذا فإن تقليل تعداد البعوض لن يؤدي بالضرورة إلى قمع المرض على أي حال. الأمر ليس بهذا البساطة».
أثارت هذه التجارب في فلوريدا كيز الجدل بين السكان المحليين. حتى هذه الدراسة، لم يتم اختبار أي بعوض معدل وراثياً في بيئة خارجية في الولايات المتحدة، وقد كان لدى العديد من سكان فلوريدا كيز تحفظات حول استخدام أحيائهم كمناطق للاختبار. قامت إحدى المجموعات بجمع قائمةٍ بالتجاوزات المزعومة التي قامت بها شركة أوكسيتك في تجارب سابقة، مدعية أن الشركة فشلت في مراقبة الأمراض في البلدان التي أطلقت فيها البعوض المعدل وراثياً، وأنها لم تفصح عن تكلفة هذه التكنولوجيا التي تروج لها وبأنها قد بالغت في نجاح تجاربها الأخرى.
اعتراض المجتمعات المحلية على التجربة
تقول مارا دالي، المقيمة في منطقة "كي لارجو" في فلوريدا، والتي تزعم أنها تتابع خطط أوكسيتك منذ 9 سنوات لموقع أوندارك العام الماضي: «لا يمكنني الوثوق بهذه التكنولوجيا أو بهذه الشركة». تشعر دالي وسكانٌ آخرون في المنطقة بالقلق بشأن كيفية تأثير البعوض المعدل وراثياً على النظام البيئي المحلي. وتضيف دالي: «هذا ليس مبيداً تقليدياً، وليست مادة كيميائية يمكن تتبعها. إنه شيء مختلف تماماً، إنها تكنولوجيا ناشئة جديدة ونريد أن تخضع لتنظيم أفضل».
لقد كان العلماء يعملون على تعديل الحشرات وراثياً لتقليل انتقال الأمراض منذ أكثر من عقد من الزمن. كان البعوض هو المستهدف الرئيسي وراء الأبحاث، لكن الباحثين نظروا أيضاً في تعديل القراد وراثياً للحد من أمراض أخرى مثل مرض لايم.
يبقى أن نرى ما إذا بمقدور حشرات البعوض المعدلة وراثياً التي تنتجها أوكسيتك أن تحدث فرقاً في الصحة العامة، ولكن مجموعة «فلوريدا كيز موسكيتو كونترول ديستريكت»، وهي مجموعة محلية تُعنى بمكافحة البعوض، تدعم تجارب أوكسيتك. تقول أندريا ليل، المديرة التنفيذية لهذه المجموعة لمجلة نيتشر: «لقد عانينا من تفشي العديد من الأمراض، لذلك يجب علينا بذل كل ما في وسعنا لحماية السكان والاقتصاد هنا، وذلك يعني تجربة طرق جديدة والبحث عن أي موارد يمكن أن تكون مفيدة في مكافحة البعوض».