هل يمكن أن يكون تصغير المفاعلات حلاً لمشكلة توليد الطاقة النووية؟

4 دقائق
هل يمكن أن يكون تصغير المفاعلات حلاً لمشكلة توليد الطاقة النووية؟
حصل مفاعل الاندماج النووي في مخبر جامعة برينستون لفيزياء البلازما في 2015 على تحديث بهدف زيادة كفاءته الطاقيّة. ويعتقد بعض الفيزيائيين أن هذا التصميم الجديد قد يمثّل مستقبل مجال إنتاج الطاقة باستخدام الاندماجات النووية. وزارة الطاقة الأميركية

إذا طلبت من أحد علماء الاندماج وصف مفاعل الاندماج النووي، سيبدأ بالحديث عن مفاعلات التوكاماك على الأرجح. يبلغ حجم هذه المفاعلات حجم غرفة كبيرة، وتأخذ شكل حلوى الدونَت المفرّغة. يملأ الفيزيائيون هذه المفاعلات بالبلازما المسخّنة لدرجات حرارة عالية للغاية ثم يحيطونها بالمغناطيسات بهدف دمج الذرات معاً لتوليد الطاقة كما يحدث داخل الشمس.

التوكاماك ليس الشكل الوحيد المتاح

لكن يعتقد الخبراء أنه يمكن تصميم أشكال أخرى من هذه المفاعلات النووية. إذ يعتقد بعضهم أن تصغير حجم وثخانة هذه المفاعلات قد يجعلها أكثر كفاءة في استخدام البلازما. إذا كان العلماء الذين اقترحوا هذه الفكرة على حق، فستمثّل تطويراً طال انتظاره في مجال الطاقة النووية. نتيجة لبحث نُشر حديثاً ومشروع جديد مقترح يتعلق بالمفاعلات النووية. بدأ العلماء في مجال الطاقة النووية يفكّرون بجدية في توليد الطاقة الكهربائية باستخدام مفاعلات تحمل اسم "مفاعلات التوكاماك الكرويّة".

يقول ستيفن كاولي (Steven Cowley)، مدير مخبر جامعة برينستون لفيزياء البلازما: "تبيّن التجارب حتى الآن أنه من ناحية الوزن، قد تتمكّن [مفاعلات التوكاماك الكروية هذه] من احتجاز البلازما بشكل أفضل من المفاعلات التقليدية، ما يجعلها أكثر كفاءة".

إذا كنت تتساءل عن آلية عمل المفاعلات النووية، فهي تتبع نفس العملية التي تحدث في الشمس لتوليد الحرارة والضوء. إذا تمكّنا من التغلّب على القوى الكهرومغناطيسية التي تتسبب بتنافر ذرات الهيدروجين فيما بينها وجعلناها تندمج، فسنحصل على ذرات الهيليوم وكمية كبيرة من الطاقة دون التسبب بالتلوّث أو انبعاثات الكربون تقريباً.

اقرأ أيضاً: مركبات تعمل بالطاقة النووية: خطوة أساسية لرحلات الفضاء مستقبلاً

تبدو هذه الطريقة لتوليد الطاقة رائعة. لكن المشكلة هي أنه لإجبار الذرات على الاندماج، نحتاج إلى رفع درجة حرارتها إلى ملايين الدرجات المئوية لفترات طويلة من الزمن. يعتبر ذلك صعباً للغاية، وهو أحد أسباب عجز الفيزيائيين عن إنجاز التفاعل الأهم في مجال الطاقة النووية، والذي يولّد كمية من الطاقة أكبر من تلك المتطلبة لبدئه (ويعرف أيضاً بتفاعل التوازن والكَسب).

نظرياً، يمكن إنجاز هذا التفاعل باستخدام مفاعلات التوكاماك. وتكمن الفكرة في أن علماء الاندماج يستطيعون بدء التفاعل والحفاظ على استقراره من خلال تشكيل البلازما بشكل دقيق باستخدام حقول مغناطيسية تولّدها مغناطيسات كهربائية تبطّن الطبقة الخارجية للمفاعل. لكن بدأ استخدام هذه المفاعلات منذ خمسينيات القرن الماضي فقط، وعلى الرغم من تفاؤل العلماء، فإنهم لم يتمكّنوا من قولبة البلازما بالطريقة التي يريدونها لإنجاز تفاعل التوازن والكسب.

تفاعلات الاندماج والحصر

لكن هناك طريقة أخرى لتحفيز تفاعل الاندماج دون استخدام مفاعلات التوكاماك تحمل اسم الاندماج بالحصر العطاليّ. يقوم العلماء لتطبيق هذه الطريقة بوضع حبيبات صغيرة من الهيدروجين في حاوية خاصة وتوجيه ليزرات عليها. عندها، تتسبب موجات الصدم الناتجة في اضطراب ما داخل الحبيبات، ما يؤدي إلى بدء تفاعل الاندماج. اقترب الباحثون في أحد مفاعلات الاندماج بالحصر العطاليّ في ولاية كاليفورنيا الأميركية عام 2021 من الوصول إلى تفاعل التوازن والكسب. لكن لسوء الحظ، لم يتمكّن الفيزيائيون منذ ذلك الحين من تكرار التفاعل.

تبيّن مثل هذه التجارب أنه إذا كانت هناك آلية بديلة، فلن يتردد الفيزيائيون في تطبيقها.

اقرأ أيضاً: هل سيدشن مفاعل «جيت» عصر الحصول على الطاقة من الاندماج النووي؟

ظهرت فكرة تصغير مفاعلات التوكاماك في ثمانينيات القرن الماضي عندما اقترح الفيزيائيون النظريون (وثم بعض المحاكيات الحاسوبية) أن تصغير حجم المفاعلات يمكن أن يزيد من كفاءة استخدام البلازما مقارنة بمفاعلات التوكاماك التقليدية.

بعد ذلك بوقت قصير، بدأت مجموعات بحثية في مركز كولهام لطاقة الاندماج في المملكة المتحدة وجامعة برينستون في ولاية نيوجيرسي الأميركية باختبار التصاميم الجديدة. يقول كاولي: "تَبيّن أن نتائج هذه الاختبارات كانت جيدة بشكل فوري تقريباً". وهذا ليس أمراً معتاداً عند اختبار التصاميم الجديدة للحجرات.

تفاعلات الاندماج والحصر
مفاعل توكاماك تقليدي مصنوع من الليثيوم في مخبر جامعة برينستون لفيزياء البلازما. وزارة الطاقة الأميركية

 على الرغم من اسمها، فإن مفاعلات التوكاماك الكروية ليست كروية تماماً. إذ إنها تبدو أكثر مثل حبة فستق غير مقشورة. يعتقد المروجون لهذا التصميم أن شكله يمنحه بعض الأفضليات. يتيح صِغر حجم المفاعل وضع المغناطيسيات في مكان أقرب إلى البلازما، ما يقلل من الطاقة والتكلفة اللازمتين لتشغيله. تميل البلازما أيضاً لتكون أكثر استقراراً خلال التفاعل في مفاعل كروي.

لكن هناك سلبيات لهذا التصميم أيضاً. تحتوي الفتحة المركزية في مفاعلات التوكاماك التقليدية على بعض المغناطيسيات الكهربائية اللازمة لإجراء للتفاعل، بالإضافة إلى الأسلاك والمكوّنات الأخرى الضرورية لتشغيل المغناطيسيات وتزويدها بالطاقة. يقلّل تصغير المفاعل من حجم هذه الحفرة لتصبح بنفس حجم لب حبة التفاح، ما يعني أنه يجب تصغير حجم المكونات السابقة لتتسّع الحفرة لها. يقول كاولي: "إن تطوير التكنولوجيا التي تتيح لنا وضع هذه المكونات في الحفرة المركزية الصغيرة صعب للغاية"، ويضيف: "لقد فشلنا عدة مرات في البدء بتطويرها".

اقرأ أيضاً: الطريقتان الأفضل وفقاً للفيزيائيين لتوليد الطاقة عبر الاندماج النووي على غرار النجوم 

بالإضافة إلى هذه المشكلة، فإن وضع كل تلك المكونات في مكان أقرب إلى البلازما بالغة السخونة يتسبب في تلفها بسرعة أكبر. يحاول الباحثون الآن تصميم مكونات جديدة لحل هذه المشكلة. ففي جامعة برينستون، تمكّنت إحدى المجموعات البحثية من تصغير المغناطيسات ولفّها بأسلاك من نوع خاص غير مغلّفة بمواد العزل التقليدية، والتي يجب معالجتها من خلال عملية مكلفة وقد تقع الكثير من الأخطاء فيها لتصبح ملائمة لظروف المفاعلات القاسية. لا تحل هذه التكنولوجيا كل المشكلات المتعلقة بتصغير المفاعلات، ولكنها تمثّل خطوة مهمة.

تهدف مجموعات بحثية أخرى لإحراز المزيد من التقدّم. يحضّر العلماء في مجال الطاقة النووية أنفسهم للبدء باستخدام نوع آخر من المفاعلات التجريبية يحمل اسم المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي. يتمتّع هذا المفاعل بسعة غير مسبوقة، وهو يخضع للاختبار منذ ثمانينيات القرن الماضي، كما يفترض أن ينتهي تشييده في جنوب فرنسا خلال العقد الجاري. يأمل العلماء أن يمهّد هذا المفاعل الطريق لتوليد الطاقة النووية بشكل عملي بحلول العقد الرابع من القرن الجاري. 

في هذه الأثناء، يعمل علماء الاندماج على تصميم مفاعل مشابه للغاية في بريطانيا ضمن برنامج مفاعلات التوكاماك الكروية لإنتاج الطاقة (أو برنامج ستيب اختصاراً) لا يزال هذا المفاعل في المراحل الأولى من التصميم. ووفقاً لأكثر الخطط تفاؤلاً، لن يبدأ تشييده حتى منتصف العقد الثالث من القرن الجاري، كما أنه لن يبدأ بتوليد الطاقة حتى نحو عام 2040. لكن يدل تطوير هذا المفاعل على أن المهندسين يأخذون التصميم الكروي لمفاعلات التوكاماك على محمل الجد. 

اقرأ أيضاً: رحلة الإمارات في تدشين برنامج نووي سلمي لإنتاج الطاقة

يقول كاولي: "أحد الأسئلة التي يجب أن نطرحها على أنفسنا دائماً هو ما هو نوع المفاعل الذي سنصممه إذا أردنا تصميم مفاعل عصري؟'. ويعتقد أن مفاعلات التوكاماك الكروية بدأت تزداد رواجاً كجواب على هذا السوائل.

المحتوى محمي