هل يمكن تقليل كمية اللحوم المستهلكة باستخدام الصُّور التحذيرية؟

دراسة جديدة تبين أن الملصقات التحذيرية التصويرية أكثر فعالية في إقناع المستهلكين بتقليل مدخولهم من اللحوم
لم توضع الملصقات على منتجات اللحوم التي تباع في المتاجر حتى الآن. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يستهلك الأميركيون مليارات الكيلوغرامات من اللحوم سنوياً. مع ذلك، هناك عدد كبير من الأبحاث التي تبين أن استهلاك كمية كبيرة من اللحوم يمكن أن يكون مضراً، لكوكب الأرض وأجسام البشر على حد سواء.

مشكلة تحفيز المستهلكين على تناول الأطعمة النباتية الأكثر صحية واستدامة صعبة الحل. قد يمثّل استخدام الملصقات التحذيرية، المشابهة لتلك الموجودة على علب السجائر، إحدى الطرق لزيادة الوعي حول الآثار السلبية للحوم وربما التأثير في الخيارات التي يتبعها المستهلك. ولكنها ما تزال تجريبية تماماً.

دور الملصقات في اختيار الطعام

صمّم علماء النفس من المملكة المتحدة في دراسة جديدة نُشرت في مجلة أبيتايت (Appetite) مَهمة لاختيار الطعام عبر الإنترنت طُلب فيها من نحو ألف مشارك يتناولون اللحوم جميعهم الاختيار 20 مرة من 4 وجبات؛ وجبة من اللحوم ووجبة سمكية ووجبة نباتية ووجبة خضرية. اعتمد ربع المشاركين في اتخاذ قراراتهم على صور للأطباق المتاحة. وانتقى الباحثون عشوائياً الأشخاص من المشاركين المتبقين وعرضوا عليهم ملصقاً تحذيرياً حول تأثير اللحوم في الصحة أو التغير المناخي أو خطر الجائحات المستقبلية (الجدير بالذكر أن الأبحاث والمنظمات مثل الأمم المتحدة كشفت ارتباطاً بين ارتفاع استهلاك اللحوم وخطر الإصابة بالأمراض المعدية).

لاحظ الفريق أن أنواع الملصقات التحذيرية جميعها خفّضت رغبة المشاركين في تناول اللحوم؛ إذ خفّضت الملصقات التي تحتوي على التحذيرات الصحية الرغبة بنسبة 9%، في حين خفّضتها الملصقات المتعلقة بالتغير المناخي بنسبة 7% أما الملصقات المتعلقة بالجائحات المستقبلية فخفّضتها بنسبة 10%.

اعتقد المشاركون أيضاً أن الملصقات المتعلقة بالتغير المناخي هي الأكثر مصداقية من بين أنواع الملصقات الثلاثة، في حين اعتبروا أن الملصقات المتعلقة بالجائحات هي الأقل مصداقية. مع ذلك، من المحتمل أن استجابتهم العاطفية كانت أشد تجاه الأخيرة.

وفقاً للباحث في علم النفس في جامعة دورام في إنجلترا والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة، جاك هيوز، يتمثّل أحد أسباب نجاح هذه التحذيرات في أن الأشخاص يربطون استهلاك اللحوم بنتائج سلبية، ما يولّد لديهم رد فعل آليّاً يدفعهم إلى اختيار نوع آخر من الطعام. يقول هيوز إن التفسير المحتمل الآخر هو أن المعلومات الإضافية تدفع الأشخاص إلى التفكير بوعي أكبر في قراراتهم.

اقرأ أيضاً: هل الأطعمة الفائقة المعالجة كرقائق الدجاج واللحوم النباتية ضارة فعلاً؟ وكيف يمكنك حماية نفسك من مضارها المحتملة؟

تقول عالمة الوبائيات الغذائية في جامعة كارولاينا الشمالية، لينزي سميث تيلاي، التي تدرس تأثير السياسات في الخيارات الغذائية، إن نتائج الدراسة الجديدة “تتوافق تماماً مع ما لاحظناه فيما يتعلق بإضافة الملصقات وتأثيرها في سلوك المستهلك؛ إذ إنها تتمتع بتأثير ضئيل إلى متوسط في خيارات المستهلك”. تشير تيلاي إلى أن مؤلفي الدراسة هم أول من أضاف الملصقات المتعلقة بالجائحات في هذا النوع من الأبحاث، على الأقل على حد علمها. ويثير اهتمامها بصورة خاصة رد الفعل المحتمل للمستهلكين في الولايات المتحدة على هذا النوع من الرسائل في ظل المناخ السياسي والثقافي المختلف في البلاد.

الملصقات التي تحتوي على الصور مقابل الملصقات النصية

هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تؤثر في فعالية الملصقات التحذيرية التي تُضاف إلى المنتجات. على سبيل المثال، الصور لها تأثير ملحوظ على الرغم من أنها تبدو بسيطة. يقول هيوز: “نعلم في المملكة المتحدة أن فعالية الملصقات ازدادت عندما أصبحت إضافة الصور إلى عبوات منتجات التبغ إلزامية إلى جانب النصوص التحذيرية”. لاحظت تيلاي ومعاونوها في دراستين سابقتين أن الملصقات النصية حصراً التي تحذر من الآثار الصحية والبيئية لاستهلاك اللحوم لم تخفض رغبة الأشخاص في تناول اللحوم إلا قليلاً، وذلك إن خفّضتها في المقام الأول.

ولكن تأثير الصور يختلف باختلاف هذه الصور. خذ حالة ارتفاع نسبة السكر في منتج ما مثالاً. تقول تيلاي إن استخدام صورة لملاعق صغيرة مليئة بالسكر أكثر واقعية وغنى بالمعلومات من استخدام صورة لقلبٍ مريض. وتضيف قائلة إنه بغض النظر، “تعد الملصقات التصويرية الأكثر فعالية عموماً”.

أحد الملصقات التجريبية المتعلقة بالتغير المناخي التي استُخدمت في الدراسة الجديدة. هيوز وآخرون. (2023)
أحد الملصقات التجريبية المتعلقة بالتغير المناخي التي استُخدمت في الدراسة الجديدة. هيوز وآخرون. (2023)

يتمثّل هدف استخدام الملصقات التحذيرية في جذب انتباه المستهلكين وحثّهم على التفكير في أثر الأطعمة التي يتناولونها. لكن تقول تيلاي إنه مع ذلك، يمكن أن يكون أثر هذه الملصقات عكسياً إذا جعلت المستهلك يشعر بأنه مقيّد أو حفّزت لديه مشاعر الغضب.

لاحظ الباحثون في دراسة نُشرت عام 2022 أجريت في الاتحاد الأوروبي أن إثارة مشاعر الاشمئزاز من خلال إضافة الصور التصويرية إلى العبوات يمكن أن ترفع احتمال اختيار الأفراد منتجات اللحوم أو تخفضه، اعتماداً على شعورهم بأنهم عرضة للتلاعب أم لا بسبب هذه الصور. ولاحظ الباحثون في دراسة أوروبية حديثة أخرى أن إضافة الرسائل التي تعيّر المستهلكين بسبب تناول اللحوم إلى المنتجات يمكن أن تتسبب بتأثيرات متناقضة في عادات الشراء.

تقول تيلاي إن الإنجاز التالي الذي يجب على الباحثين في هذا المجال تحقيقه هو تحديد تأثير هذه الملصقات في اختيارات المستهلكين في العالم الحقيقي، الذي تؤثر ضمنه العوامل مثل روائح الطعام والأسعار وضغط الأقران في قراراتهم. وتضيف قائلة إن اتباع الخيار النباتي في مهمة افتراضية عبر الإنترنت لا تفرض على المستهلك تناول هذا الطعام بالفعل أسهل على الأرجح.

اقرأ أيضاً: دراسة تكشف تسبب ألواح التقطيع البلاستيكية بتلوث اللحوم

يمكن أن يمثّل اتباع نظام غذائي خالٍ من اللحوم وسيلة فعالة جداً لتقليل البصمة الكربونية للأفراد، ويمكن أن يساعد هذا البحث على تحفيزهم على فعل ذلك. يقول هيوز: “تقول لجنة التغير المناخي في المملكة المتحدة إن استهلاك اللحوم في البلاد يجب أن ينخفض بنسبة 20% بحلول عام 2030 [لتحقيق الأهداف المتعلقة بانبعاثات الكربون]”. وتبيّن الدراسة الجديدة أن اتخاذ إجراء واحد بسيط ومنخفض التكلفة يمكن أن يغير آراء جزء من السكان.

هل يمكن أن يحدث ذلك في الولايات المتحدة أيضاً؟ لاحظت تيلاي نتائج مشابهة للتحذيرات التصويرية في منتجات التبغ التي تبنّتها الدول الأوروبية ولكن تأخّر اعتمادها في الولايات المتحدة بسبب الدعاوى القضائية. ولكنها تقول إنه فيما يتعلق بملصقات اللحوم، “أعتقد أن ذلك سيستغرق عقوداً من الزمن”.