اكتشاف جينات بشرية قد تساعد على علاج السرطان

اكتشاف جينات بشرية قد تساعد على علاج السرطان
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Cavan-Images
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كشف بحثٌ جديد أجراه الدكتور علي شيلاتيفارد، أستاذ ورئيس قسم الكيمياء الحيوية وعلم الوراثة الجزيئية في كلية الطب بجامعة نورث وسترن فاينبرغ مع زملائه، عن وجود تسلسل جيني متكرر فريد لدى البشر والرئيسيات غير البشرية مثل القرود، ويُعدُّ هذا الاكتشاف ضرورياً لتحقيق فهم أعمق لعلم الجينوم البشري والآليات التي يتّبعها الجينوم في النسخ والتضاعف ومنح الصفات للشخص وغيرها من المعلومات التي تسهم في تحسين صحة البشر وعلاج السرطان. ونُشرت نتيجة هذا البحث في دورية ساينس أدفانسس (Science advances) في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن نتنبأ بحجم أدمغتنا من مدة التثاؤب؟

ما هو التسلسل الذي اكتشفه العلماء في البحث؟

حدد البحث مجموعة من الجينات التي يمكن عند تفعيلها أن تنتج بروتين إيلونغين أ3 (Elongin A3) أو (ELOA3)، وذلك في أثناء عملهم لمسح جيني بواسطة تقنية كريسبر-كاس9 المستخدمة في التحرير الجيني، ويُقطع في هذه العملية الجين في مواقع محددة لتسهيل دراسته ومعرفة دوره. وفي حال قُطِع الجين ستُبطل فاعليته، ويمكن حينئذ معرفة دور الجين عند ملاحظتنا فقدان الوظيفة التي كان يقوم بها قبل أن يُبطل.

كان البحث الأساسي يدرس أثر مُركّب دوائي مثبط للسرطان يُدعى “بيتي” (BETi) على الجينات، لكن اكتشف الباحثون بالصدفة وجود “تكرار جيني ترادفي” (Tandem repeat)، وهو نوع من تكرارات النيوكليوتيدات الملتصقة مثل (AGCAGCAGCAGC). وتُعدُّ النوكليوتيدات بمثابة الحروف التي تشكّل أبجدية الجينوم البشري (الحمض النووي)، وتكمن مهمة الجينات المؤلفة من النوكليوتيدات في إعطاء الأوامر المناسبة للخلايا من أجل اصطناع البروتينات والإنزيمات الضرورية لعمل الجسم بفاعلية.

اقرأ أيضاً: هل الأطعمة الفائقة المعالجة كرقائق الدجاج واللحوم النباتية ضارة فعلاً؟ وكيف يمكنك حماية نفسك من مضارها المحتملة؟

تبين من خلال البحث أن هذا التكرار الترادفي يضم مجموعة من الجينات المنتجة لنمط 3 من بروتين الإيلونغين الذي له قدرة على التحكم بفاعلية إنزيم بوليميراز الرنا من النمط الثاني، وهو إنزيم ضروري لكي تعمل الخلايا بشكلٍ صحيح، إذ يقوم بعمل نسخ من الرنا الرسول (mRNA)، وهو نوع رنا ينقل المعلومات الوراثية من الجينوم الموجود في النواة التي تشبه مركز عمليات الخلية إلى السيتوبلازما التي تشبه إلى حد ما مجمّع المصانع الذي سينفذ التعليمات التي يجلبها الرنا من النواة.

والاكتشاف الجديد الذي أضافه البحث لعلم الجينوم هو أن هذا التكرار الترادفي ينتج بروتيناً مطابقاً لبروتين الإيلونغين من النمط الأول المكتشف سابقاً، لكنه موجود في الموقع الجيني نفسه بجواره، أي أن مكاناً واحداً في الجينوم يحتوي على عدة جينات تعطي المُركّب نفسه، وهذا يختلف عن التوزيع الشائع للجينات حيث تتوزع الجينات على مناطق مختلفة من الجينوم مثلما تتوزع القطارات على أماكن مختلفة من السكة الحديدية، بينما يعبّر هذا التكرار الترادفي عن بروتينات متطابقة مع بعضها في المنطقة الجينية نفسها؛ أي وكأن عدة قطارات موجودة في المكان ذاته، وهذا يدل على أهمية هذا الجين ودوره الأساسي في الجسم خصوصاً بعدما عُرف وجوده أيضاً لدى الرئيسيات الأخرى مثل القردة. 

لماذا لم يكن من الممكن الكشف عن وظيفة هذا الجين ودوره في الجسم سابقاً؟

يصفُ العديد من العلماء تسلسلات الجينوم غير المعروفة وظيفتها -ومنها التكرارات الترادفية الجينية- باسم “المادة المظلمة للجينوم”، وذلك بسبب غموضها وعدم القدرة على معرفة وظيفتها المحددة وتشكّل نسبتها 98% من حجم الجينوم، ولكن بفضل التقدم بتقنيات سلسلة الحمض النووي أصبح من الممكن تحديد تسلسلات هذه التكرارات الترادفية وتحديد دورها بشكلٍ أفضل كما ظهر في هذا البحث.

اقرأ أيضاً: العلماء يتوصلون إلى مصدر طبيعي لإنتاج الحرير الأعلى جودة

النتائج الأولية لدراسة تكرارات جين ELOA3

أظهرت دراسة الدكتور شيلاتيفارد عدة نتائج من أبرزها ما يلي:

  • يُعدُّ تكرار جين (ELOA3) محافظاً لدى البشر وكل نوع من الرئيسيات، وعندما نقول إن التكرار محافظ هذا يعني أنه مهم وتوجد عدة نسخ منه لأنه في حال أصابت طفرة إحدى النسخ لدى الشخص ستقوم النسخ البقية بتكملة أداء الدور اللازم لعمل الجين. ومن أبرز الجينات المحافظة بين الكائنات الحية جينات السيتوكروم التي تُعدُّ مسؤولة عن التنفس، وتعتبر الجينات المحافظة ثابتة بين أنواع الكائنات الحية ولا يمكن حذفها أو التخلص منها، فمثلاً تُعدٌّ جينات التنفس ضرورية عند الإنسان والحيوانات البرية والجوية كلها وهي محافظة أي لا تتغير ولا تُصاب بطفرات.
  • يختلف عدد التكرارات في جينات (ELOA3) بين البشر والكائنات الحية الأخرى، فالجين محافظ أي موجود لدى الكائنات جميعها ولدى البشر كافة، لكن الاختلاف يكون على حساب عدد التكرارات التي تختلف من شخصٍ إلى آخر، فقد تكون لدى شخص 52 نسخة تكرار، وقد تكون لدى غيره 27 نسخة وآخر 32 نسخة كأننا نتكلم عن نوع القطار نفسه لكن بعدد مختلف للمقطورات بين شخصٍ وآخر، ولم يُعرف السبب في ذلك.

اقرأ أيضاً: هل تعاني حساسية مرتفعة للألم؟ قد يعود ذلك إلى المتغيرات الجينية للإنسان البدائي

الخطوات القادمة للبحث 

تشمل الخطوات التالية للبحث تحديد آلية التعبير عن جين (ELOA3) في جينومات البشر والرئيسيات غير البشرية، وتقصّي دوره المحتمل في تطور الاضطرابات والأمراض المختلفة بما فيها السرطان، حيث يقدّم هذا الاكتشاف أملاً واعداً لتصميم الأدوية المستهدفة في علاج الأورام وتحديد آليات تنظيم الجينات الخاصة بالجنس البشري.

ويمكن الاستفادة من هذه الدراسة في مجال الطب الشخصي، وهو مجال طبي يعتمد على تحديد الأمراض وكيفية علاجها بشكلٍ فردي وشخصي لكل مريض بعد تحليل الجينوم الخاص به.