دراسة جديدة تبين خطورة مكاتب الوقوف على الصحة

3 دقيقة
دراسة جديدة تبين خطورة مكاتب الوقوف على الصحة
حقوق الصورة: shutterstock.com/Andrey_Popov

تشهد السوق العالمية لمكاتب الوقوف (أي تلك التي يمكن استخدامها في أثناء الوقوف) فترة ازدهار؛ إذ يتوقع الخبراء أن تصل قيمتها إلى 12.6 مليار دولار بحلول سنة 2032. تروّج الشركات لهذه المكاتب بصفتها حلاً بسيطاً لمشكلة المخاطر الصحية العديدة المرتبطة بالجلوس طيلة النهار. مع ذلك، يشير بحث جديد إلى أن الوقوف قد لا يكون مفيداً صحياً بالقدر الذي تمناه الكثيرون.

اكتشف العلماء في دراسة أسترالية جديدة شملت أكثر من 83 ألف مشارك أن الوقوف فترات طويلة قد لا يحسّن الصحة القلبية، علاوة على أنه قد يزيد خطر بعض أمراض الدورة الدموية.

اكتشف الباحثون أن الوقوف فترة طويلة لم يخفض خطر الإصابة بالأمراض القلبية والسكتة الدماغية. في الواقع، ارتبط قضاء وقت طويل في الجلوس أو الوقوف بارتفاع خطر مشكلات مثل الدوالي والشعور بالدوخة أو الدوار عند الوقوف.

أصبحت عبارة "الجلوس هو التدخين الجديد" رائجة خلال العقد المنصرم، وهي تعبّر عن مخاطر نمط الحياة الخامل. يرتبط الجلوس فترات طويلة بالسمنة ومرض السكري وأمراض القلب والشرايين. ظهرت مكاتب الوقوف استجابة لذلك بصفتها حلاً رائجاً؛ إذ إنها تمثل طريقة تساعد على تقليل مدة الجلوس دون تغيير العادات اليومية جذرياً.

اقرأ أيضاً: ما هي أسباب الدوار عند الوقوف؟ ومتى يشير إلى حالات خطيرة؟

لكن هل هناك أدلة علمية رصينة تبين فوائد مكاتب الوقوف؟

اعتمد الحماس تجاه هذه المكاتب بأغلبه على دراسات محدودة لم تقيّم العواقب الصحية الطويلة الأمد على نحو شامل. هذه الفجوة في المعلومات دفعت الباحثين إلى إجراء المزيد من الدراسات.

ارتدى المشاركون في الدراسة الجديدة أجهزة لتتبع الأوقات التي يجلسون أو يقفون فيها إضافة إلى نشاطهم الجسمي على مدى عدة سنوات. وفّرت عملية القياس الموضوعية هذه أدلة دقيقة، ما ساعد على تجنّب عدم الدقة المترافق غالباً مع البيانات التي يجمعها الباحثون من خلال الإبلاغ الذاتي. اكتشف الباحثون أن الجلوس مدة تتجاوز 10 ساعات يومياً ارتبط بارتفاع خطر الأمراض القلبية والسكتة الدماغية، وأن الوقوف بحد ذاته لم يخفض هذا الخطر. في الواقع، ارتبط الوقوف مدة طويلة بارتفاع خطر المشكلات المتعلقة بالدورة الدموية.

يمكن أن يتسبب الوقوف مدة طويلة باحتقان الدم في الأرجل، ما يؤدي إلى حالات مثل الدوالي.

عزز كل من حجم العينة الكبير واستخدام البيانات الموضوعية موثوقية نتائج الدراسة الجديدة. لكن هذه الدراسة لم تكشف علاقات سببية مؤكدة لأنها دراسة رصدية. بالإضافة إلى ذلك، بلغ متوسط عمر المشاركين 61 سنة تقريباً، ما يعني أن النتائج قد لا تنطبق على الأشخاص الأصغر سناً.

الحركة هي الحل

تشير النتائج الجديدة إلى أن الوقوف بدلاً من الجلوس ليس حلاً مثالياً؛ إذ يستجيب جسم الإنسان بطريقة أفضل للتحرك على نحو منتظم بدلاً من الوضعيات الثابتة، سواء وضعيات الجلوس أم الوقوف.

يعطل كل من المشي مسافات قصيرة وتمديد الجسم أو إجراء التمرينات المعتدلة الشدة خلال النهار فترات الخمول الطويلة، وهذا يوفر فوائد صحية كبيرة.

تبين الأدلة أن الإجراءات التي يمكن اتخاذها في مكان العمل واعدة؛ إذ اكتشف الباحثون أن الموظفين الذين قللوا فترات الجلوس في المكاتب من خلال الوقوف أو إجراء النشاطات المنخفضة الشدة شهدوا تحسناً في مستويات السكر في الدم وغيره من المؤشرات الصحية.

أشارت دراسة أخرى إلى أن الجلوس والوقوف بالتناوب، مع المشي فترات قصيرة، كان أكثر فعالية في تحسين الصحة من الوقوف وحده.

تمثّل المكاتب التي يمكن استخدامها في أثناء الجلوس أو الوقوف حلاً واعداً؛ إذ إنها مصممة لتسهيل تغيير الوضعية. تشّجع هذه المكاتب المستخدم على تغيير وضعيته على نحو متكرر، إضافة إلى أنها تساعد على تخفيف الشعور المزعج المرتبط باتخاذ وضعيات ثابتة مدة طويلة. بعض الطرازات مزود بآليات تذكّر المستخدم بالتحرك على نحو منتظم، ما يضمن إجراء النشاطات خلال ساعات العمل.

اقرأ أيضاً: لماذا نضع رجلاً فوق الأخرى عند الجلوس؟ وما مخاطر ذلك؟

ليس بالضرورة أن يكون إجراء المزيد من النشاطات الجسمية خلال اليوم معقداً؛ إذ إن النشاطات البسيطة، مثل صعود الدرج والذهاب إلى مكتب زميل ما مشياً بدلاً من إرسال رسالة عبر البريد الإلكتروني والوقوف خلال المكالمات الهاتفية، مفيدة. قد يساعد ضبط المؤقت لتذكيرك بالتحرك كل 30 دقيقة على تقسيم فترات الجلوس أو الوقوف الطويلة، ما يمكّنك من التحكم بالعوامل التي تؤثر في صحتك.

الحركة هي الحل. الوقوف طيلة النهار ليس أفضل من الجلوس بالضرورة؛ إذ إن لكليهما عيوبه الخاصة عند الإفراط فيه. تمكننا معالجة المشكلات الصحية التي يتسبب بها نمط الحياة الخامل بفعالية أعلى من خلال التركيز على النشاط الجسمي وتنويع الوضعيات. تُحدث التغييرات البسيطة، مثل أخذ فترات راحة قصيرة ونشطة أو إجراء تمرينات التمدد، فرقاً كبيراً.

في النهاية، على الرغم من أن مكاتب الوقوف توفر بديلاً للجلوس مدة طويلة، يجب ألا ننظر إليها باعتبارها حلاً مثالياً، ومن المرجح أن تتمكن من الحصول على فوائد صحية أكبر من خلال اتباع نمط حياة أكثر نشاطاً، سواء في مكان العمل أو خارجه. لا يتعلق الأمر بالوقوف أو الجلوس فقط، بل يتعلق بالتحرك أكثر وتقليل فترات الجلوس.

المحتوى محمي