بينما نذرف دموعنا تعبيراً عن الحزن أو الفرح، أو حتى خوفاً من زيارة الطبيب، يمكن لبضع قطرات منها أن تساعد ذلك الطبيب في تشخيص مجموعة من أمراض العيون وغيرها في المستقبل القريب، حيث طور باحثون في جامعة "ونتشو" الطبية في الصين تقنية جديدة لاكتشاف أمراض العيون وعلامات مرض السكري.
عادة ما يعتمد الأطباء في تشخيص المرض على الفحص السريري، والأعراض التي يبلغ عنها المريض، إلا أنه قد لا يكون دقيقاً في نقل الأعراض بالضبط، فلا يتمكن الطبيب من تشخيص المرض في مراحله المبكرة، حيث يمكن للعلاج الفوري أن يساعد في منع تطور المرض لمراحل أكثر خطورة. أما بالنسبة للتحاليل المخبرية الأكثر دقة في التشخيص، كتحليل عينات البروتين أو الجينات، فقد تستغرق وقتاً طويلاً، وتحتاج لحجم كبير من العينات. لكن التقنية الجديدة استطاعت التغلب على هذه العقبات.
اقرأ أيضاً: دليلك لفهم نقطة الرعاية السريرية
ما هي التقنية الجديدة؟
في الدراسة التي نُشرت في دورية "أي سي إس نانو" (ACS Nano) في 20 يوليو/ تموز 2022، طور الباحثون نظام غشاء نانونياً للكشف عن اضطرابات العين والغدد الصماء وحتى التنكس العصبي في بضع قطرات من الدموع. أطلق الباحثون على النظام اسم "أي تيرز" (iTEARS) ويعتمد على إحصاء وتنقية حويصلات غشائية تدعى "الإكسوسومات" (Exosomes) من الدموع، فما هي الإكسوسومات؟
الإكسوسومات: ساعي البريد بين خلايا الجسم
تحتوي سوائل الجسم كالبول وبلازما الدم واللعاب والدموع والسائل الأمينوسي وحليب الثدي، على سعاة بريد يحملون الرسائل والمعلومات الخلوية بين الخلايا، هي الإكسوسومات. يمكن للإكسوسومات أن تعبر عن حالة خلايا الجسم وأدائها الوظيفي؛ بما في ذلك تنظيم المناعة، وتكوين الأوعية، ووجود الورم، وهجرة الخلايا، فإن تمكن العلماء من عزل هذه الجزيئات استطاعوا معرفة ما يحدث داخل خلايا الجسم.
وفقاً للدراسة التي نُشرت عام 2019 في "مجلة الخلية والعلوم الحيوية" (Cell and Bioscience Journal)، فإن الإكسوسومات هي جزيئات حيوية نانونية، ما بين 30-150 نانومتراً، تطلقها بعض الخلايا بشكل طبيعي في سوائل الجسم، مثل الخلايا التغصنية واللمفاوية والصفائح الدموية والخلايا البدنية والظهارية والبطانية والعصبية. تتشكل الإكسوسومات باندماج نظام غشاء البلازما، وتُعرف بالحويصلات خارج الخلية. يمكن لهذه الحويصلات أن تحمل الرسائل بين الخلايا، وتؤدي وسيلة تواصل فيما بينها لأنها تحمل أحماضاً نووية وبروتينات ودهوناً ومستقلبات، فعندما تلتقط الخلايا سواء البعيدة أو المجاورة هذه الحويصلات بشكل انتقائي، تعمل الحويصلات على إعادة برمجة هذه الخلايا وفقاً لمكوناتها النشطة حيوياً، بالإضافة إلى أنها تحمل معلومات عن صحة الخلية وعمليات الجسم.
آلية عمل نظام iTEARS: تصفية الإكسوسومات من الدموع
تمكن الباحثون سابقاً من عزل الإكسوسومات من البول وبلازما الدم، إلا أن عزلها من الدموع كان تحدياً صعباً بالنسبة لهم بسبب الحاجة لكمية كبيرة من الدموع، ولكن في التقنية الجديدة (iTEARS) استطاع الباحثون جمع الإكسوسومات من كمية صغيرة نسبياً من الدموع بتركيزات مناسبة.
لجمع عينات الدموع من المشاركين في الدراسة، والمصابين بجفاف العين ومرض السكري، وضع الباحثون ورق شيرمر الذي يحتوي على غشائين نانونيين على كل عين، وتم تسجيل الطول المبلل بعد 5 دقائق، والذي وصل إلى 30 ميلليمتراً، ثم قاموا بتصفية شريط شيرمر من الدموع بهز الأغشية عند درجة حرارة 30 درجة مئوية، ولمدة 30 دقيقة، وطبقوا ضغطاً متذبذباً لمنع الانسداد.
في الطرق التقليدية، كالطرد المركزي الفائق (UC)، وكروماتوغرافيا الاستبعاد الحجمي (SEC)، لا تتطلب أحجاماً كبيرة من عينات الدموع فحسب، بل تحتاج أيضاً لساعات وحتى أيام لاستخلاص الإكسوسومات بواسطتها، بينما يزداد العائد في طريقة (iTEARS) لعزل الإكسوسومات من الدموع بمقدار 18.4 ضعفاً و2.3 ضعفاً مقارنةً بـUC وSEC، على التوالي.
اقرأ أيضاً: هل يمكن علمياً البكاء دون دموع كما حصل مع الممثلة أمبر هيرد؟
عزل المؤشرات الحيوية من الإكسوسومات
لاحقاً، تمكن الباحثون من تحديد أمراض العين الجافة استناداً إلى أكثر من 400 نوع مختلف من البروتينات في الإكسوسومات المعزولة من الدموع، وباستخدام مجسات الفلوروسنت. وبصورة مشابهة، ميّز الباحثون بين المرضى الذين يعانون من اعتلال الشبكية السكري؛ من خلال ملاحظة الاختلافات بين حمض الرنا الميكروي (microRNAs) في الإكسوسومات بين المرضى والأصحاء.
في دراسة سابقة نُشرت في دورية علم "الجينوم والبروتيوميات السرطانية" (Cancer Genomics & Proteomics)، يمكن للدموع أن تحمل مؤشرات حيوية للإصابة بسرطان الثدي، لذا يأمل العلماء أن تساعد الإكسوسومات في الإشارة إلى أمراض أخرى غير مرتبطة بالعين كالأمراض التنكسية والعصبية والسرطان.
اقرأ أيضاً: 6 أمراض تصيب العين مع التقدم في العمر
يقول مؤلفو الدراسة: "في الختام، أنشأنا أي تيرز لفك رموز أسرار الأمراض من الدمعة، والتي تكشف عن الدور الواعد للإكسوسومات في الدموع في تصنيف الأمراض ورصد مسار اضطرابات العين وأمراض أخرى مثل الأمراض التنكسية العصبية والسرطان".
بالنسبة لباحثي الدراسة، يمكن للدموع أن تكشف الأسرار عن الإصابة بالاكتئاب أو الإجهاد العاطفي، فيقول أحد المؤلفين المشاركين في الدراسة، والمهندس البيولوجي في كلية الطب بجامعة هارفارد، لوك لي: "هذه مجرد البداية، الدموع تعبر عن شيء لم نستكشفه بعد".