كثيراً ما نُصادف أشخاصاً يبدون في سن الشباب وصحتهم قوية وملامحهم نضرة، ثم نكتشف أنهم كبار في العمر، وهذا يشير إلى وجود عوامل تتحكم في الجسم غير الزمن. سعى العلماء للبحث عن أسباب عدم ظهور التغيرات المصاحبة للشيخوخة على البعض، ما قد يُساعدهم في تحديد عمر الإنسان فيما يُعرف بـ "ساعة الشيخوخة".
ما الفرق بين العمر البيولوجي والعمر الزمني؟
اتضح أنّ هناك ما يُسمى بـ "العمر البيولوجي"، وهو يختلف عن العمر الزمني، فالأخير يشير إلى الفترة الزمنية الفعلية التي عاشها الإنسان. أما العمر البيولوجي فهو يُشير إلى العمر الذي يظهر به الجسم نتيجة بعض التغيرات الطارئة عليه، ويعتمد على مدى صحة أعضاء الجسم وكيفية تغذيته ونمط الحياة وعادات ممارسة الرياضة وبعض العوامل الوراثية الأخرى. من الصعب أن يتطابق العمر الزمني مع العمر البيولوجي، فقد تتقدم الخلايا في العمر بمعدل سريع أو ببطء، لذلك لا بد من التعرف على العمر البيولوجي للجسم، ما يُساعد في تحديد نمط الحياة الأفضل للجسم الذي يساعد في تعزيز الصحة.
اقرأ أيضاً: يجنب الشيخوخة: التوصل إلى سر تجديد خلايا الجلد
ساعة الشيخوخة
يُشير مصطلح ساعة الشيخوخة إلى التنبؤ بالعمر البيولوجي للإنسان، ما يجعل الناس أكثر فهماً لطبيعة أجسامهم، وكيفية الحفاظ عليها. وقد اهتم العلماء بدراستها خلال السنوات الماضية، وبدؤوا ملاحظة التغيرات الحاصلة في الجسم مع تقدم العمر. على سبيل المثال، عند فحص الحمض النووي للإنسان، لاحظ الباحثون أنّ مجموعات الميثيل المرتبطة بالحمض النووي تشهد تغيرات مع تقدم العمر، لكن لم يتضح سبب حدوث ذلك بعد.
لكنهم لاحظوا أنّ مجموعة الميثيل هذه تؤثر بشكل ما على طريقة التعبير الجيني. مثلاً، تتجدد خلايا أجسامنا باستمرار بما فيها خلايا الجلد، ومع التقدم في العمر، يصبح شكل الجلد مختلفاً لدى كبار السن عن الشباب، فالشباب تتجدد خلاياهم بحيث تظل نضرة، أما كبار السن، فتتجدد خلاياهم أيضاً، ولكنها خلايا غير نضرة. بعبارة أخرى، يحصل تغيّر في وصف التعبير الجيني، وبدلاً من التجديد لخلايا نضرة، يصبح لخلايا غير نضرة.
سعى العلماء إلى تطوير استخدامات ساعة الشيخوخة، بحيث يمكنها التنبؤ بعدد السنوات المتبقية للإنسان كي ينعم بصحته بناءً على نمط حياته الحاضر. وذلك سعياً نحو تعزيز الحياة الصحية للبشر، ما يجعلهم قادرين على الاحتفاظ بعمر بيولوجي صحي قدر الإمكان.
اقرأ أيضاً: اكتشاف طفرات وراثية جديدة تسبب الشيخوخة
قياس العمر
في الحالات الطبيعية، إذا أردنا معرفة عمر إنسان يمكن ذلك ببساطة من شهادة الميلاد أو بطاقة الهوية، ويمكن أن نسأله ببساطة ونجد الإجابة، لكن هذا هو العمر الزمني. أما في حالة العمر البيولوجي، فالوضع يختلف تماماً، ويحتاج الباحثون في هذه الحالة إلى استخدام مؤشرات حيوية محددة. وفي هذا الصدد، لاحظ بعض الباحثين أن هناك عدداً من العوامل المساعدة التي تحافظ على صحة الإنسان، منها: نيكوتيناميد أدينين ثنائي النوكليوتيد والجلوتاثيون والكاتالاز وغيرها من المؤشرات الحيوية التي يساعد قياسها في فهم مدى صحة الجسم وكيفية التعامل معه.
اقرأ أيضاً: ما سر تجنب أزمة منتصف العمر؟
وقد تم تطوير أول ساعة للشيخوخة عام 2011 على يد ستيف هورفاث، باحث في جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، وتطوع هو وأخيه التوأم للتجارب، ولاحظ وجود فارق بين أعمارهما الزمنية والبيولوجية. بعد ذلك في عام 2013، طور هورفاث ساعة شيخوخة أخرى بعد تجميع بيانات لنحو 8 آلاف عينة من 51 نوعاً من أنسجة الجسم، واستخدم هذه البيانات في التنبؤ بالعمر الزمني للشخص فقط باستخدام عينة من خلاياه. وتُعد هذه الساعة هي الأكثر شهرة، واهتم الباحثون والعلماء بعد ذلك بتطوير ساعات الشيخوخة.
وفي عام 2018، نجح هورفاث مع زملائه في تطوير ساعة شيخوخة جديدة بعد جمع بيانات من آلاف المشاركين من الولايات المتحدة الأميركية، وأطلقوا عليها اسم "الدنا إم فينو إيج" (DNAm PhenoAge)، تستخدم 9 مؤشرات حيوية للتنبؤ بالعمر، من ضمن هذه المؤشرات: مستويات الجلوكوز وخلايا الدم البيضاء في الدم والعمر الزمني. وترتبط الزيادة في العمر البيولوجي بمقدار عام واحد عن العمر الزمني بارتفاع نسبة الوفاة بنسبة 9 % لأسباب متنوعة منها: الإصابة بالسرطان أو السكري أو أحد أمراض القلب. وهناك ساعة أخرى شهيرة طورها هورفاث وزملاؤه تُسمى "غريم إيج" (GrimAge).
اقرأ أيضاً: بهدف إطالة العمر: دراسة تكشف الآليات الرئيسية للشيخوخة
هذه الساعات مفيدة للغاية في الفحوصات السريرية، ويمكن استخدامها أيضاً مع اختبارات ضغط الدم والكوليسترول، ما يجعل المرضى على دراية بصحتهم ومعرفة ما إذا كانوا معرضين للإصابة بأمراض أم لا. مع ذلك، تُعد ممارسة الرياضة والحفاظ على اللياقة البدنية واتباع نمط غذائي صحي أقوى دوافع الشيخوخة وحماية الجسم ضد الأمراض الخطيرة عموماً.