على الرغم من صغر حجمها مقارنة بالبشر، تعيش الببغاوات لأعمار طويلة تكاد تقارب متوسط عمر الإنسان. فهل لقدراتها المعرفية المتطورة نسبياً علاقة بذلك؟ كان هذا السؤال أحد الفرضيات التي قادت فريقاً من الباحثين الدوليين في معهد ماكس بلانك الألماني لإجراء دراسة جديدة حول العلاقة بين طول عمر الببغاوات وحجم دماغها.
طول عمر الببغاوات
للقيام بالدراسة، التي نُشرت في دورية وقائع الجمعية الملكية (Proceedings of the Royal Society)، كان على فريق الباحثين جمع عينة كبير من الببغاوات الحية للمقارنة، وتحديد جميع العوامل المؤثرة على عمر الطير. لذا، لجأ الفريق إلى منظمة "سبيشيز360" (Species360)، والتي تُعنى بجمع بيانات عن الحيوانات البرية من أكثر من 1200 حديقة حيوان وحوض مائي.
درس الباحثون أكثر من 130 ألف ببغاء فردي، من أكثر من ألف حديقة حيوان، من حيث الحجم النسبي للدماغ ومتوسط وزن الجسم ومتغيرات النمو. توصلت الدراسة إلى وجود تباين كبير في متوسط عمر 217 نوعاً من الببغاوات، تُمثّل أكثر من نصف الأنواع المعروفة. تراوح التباين بين عامين لببغاء التين الصغير، و30 عاماً للببغاء القرمزي. يقول "سيميون سميل"، طالب الدكتوراه في معهد ماكس بلانك لسلوك الحيوان والمؤلف الرئيسي للدراسة: "يتمتع بعض أفراد الببغاوات بحد أعلى للعمر يزيد عن 80 عاماً، وهو عمر كبير حتى بالنسبة للإنسان. هذه القيم مذهلة حقاً إذا كنت تعتقد أن الرجل البشري يزن نحو 100 مرة من الببغاء".
التحليل المقارن لبيانات العينات
في مقارنة تحليلية للبيانات، للربط بين القدرات المعرفية للببغاوات وطول العمر، توصل الباحثون لفرضيتين:
- ارتباط العمر الطويل للببغاوات بالذكاء وكبر حجم الدماغ، ما يقلل من احتمال الموت المبكر، لقدرتها على إيجاد حلول للمشكلات البرية وتعليمها لغيرها.
- تطور الدماغ في طيور الببغاوات يفرض عليها فترة نمو أطول، وبالتالي عمراً أطول.
بعد محاكاة كلا الفرضيتين من خلال النماذج، دعمت النماذج الفرضية الأولى، وأشارت النتائج إلى ارتباط العمر الطويل للببغاوات بحجم الدماغ، بشكل مشابه لأنواع (الرئيسيات) كالبشر وأنواع القردة المتطورة.
ما علاقة الذكاء بطول عمر الببغاء؟
مكّن الذكاء المتقدم نسبياً والقدرات المعرفية المتطورة للببغاوات من منحها القدرة على حل ما يواجهها من مشكلات قد تتسبب في مقتلها، على سبيل المثال؛ فقدان الغذاء أو هجوم أحد الكائنات عليها، ما ساعدها في الحفاظ على حياتها لفترات أطول. يقول سميل: "هذا يدعم فكرة أن الأدمغة الأكبر بشكل عام تجعل الأنواع أكثر مرونة وتسمح لها بالعيش لفترة أطول".
علاوة على ذلك، أثبتت دراسة سابقة أجراها فريق باحثين دوليين، ونُشرت في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS)، أن عدد الخلايا العصبية في البوصة المربعة الواحدة من دماغ الببغاوات والغرابيات يصل إلى ضعف عددها في الثدييات المماثلة بحجم الدماغ. وفي الدراسة ذاتها استنتج الباحثون تشابه أعداد الخلايا العصبية للببغاوات والغرابيات بتلك الموجودة في الرئيسيات العليا.
كانت النتائج مفاجئة، نظراً لاعتقاد الباحثين بتأثير عوامل أخرى كالنمط الغذائي. إلا أنه وفقاً للنتائج فإن الدماغ الكبير للببغاوات هو ما يسمح لها بتعلّم كيفية الوصول إلى مصادر الغذاء ذات السعرات الحرارية الكبيرة مثل المكسرات. يقول سميل: "كنا نتوقع أن يلعب المسار التنموي دوراً أكثر أهميةً لأن تكلفة النمو هذه في الرئيسيات هي التي تفسّر الارتباط بين حجم الدماغ وطول العمر".
النتائج ليست حاسمة بالنسبة لفترات العمر الطويل
فتحت الدراسة المجال للتعمق أكثر في تأثير الفرضيات والعوامل الأخرى المرتبطة بتطور القدرات المعرفية للببغاوات، مثل تأثير تناول اللحوم الغنية بالبروتينات على حجم الدماغ، وبشكل خاص لصغار الببغاوات خلال فترة النمو، إلا أن البيانات المستخدمة افتقرت إلى أية معلومات عن غذاء صغار الببغاوات. كما يأمل الباحثون دراسةً أكثر عمقاً لتأثير طول فترة التعليم الاجتماعي الذي يتلقاه صغير الببغاء خلال الفترة ما بين الفقس وأول تكاثر له.
يقول سميل: "الشيء الوحيد الذي يجعلنا بشراً مميزين هو العدد الهائل من المهارات المكتسبة اجتماعياً. نحن متحمسون جداً لمعرفة ما إذا كانت الببغاوات طويلة العمر لديها أيضاً مرحلة (طفولة) يتعين عليها خلالها تعلّم كل شيء من العثور على المكسرات وفتحها إلى تجنب إزعاج الببغاء الذكر المهيمن. في النهاية، نود أن نفهم ما الدوافع التطورية التي أدت لنشوء نوع له تاريخ حياة مشابه لأسلافنا".