في مكان ما في الكون، قد توجد عوالم صخرية ربما تفصلها عن نجومها المضيفة (شموسها) مسافة تصل إلى ضعف المسافة التي تفصل كوكب الأرض عن الشمس. يجب أن تكون هذه الكواكب باردةً جداً بسبب بعدها عن نجومها التي تمنحها الدفء، وبالتالي يجب أن تكون المياه على سطحها متجمدةً.
لكن علماء الكواكب يقولون إنه من المحتمل أن تكون هناك فئة من الكواكب الخارجية الصخرية المغطاة بطبقاتٍ سميكة من غازات الهيدروجين والهيليوم. إذا كانت هذه الطبقات تعزل نوى الكواكب عن برد الفضاء القاسي، فقد يكون سطحها مناسباً لاستضافة الماء السائل. وإذا كان الأمر كذلك حقاً، فقد تكون هذه العوالم صالحةً للسكن.
الكواكب الأرضية الباردة الفائقة
لقد اقترح العلماء منذ نحو عقدٍ من الزمن أن مثل هذه العوالم قد تكون قادرةً على دعم الحياة، ويطلقون على هذه الكواكب أحياناً اسم الكواكب الأرضية الباردة الفائقة لأن كتلتها قد تصل إلى 10 أضعاف كتلة كوكبنا. لكن الباحثين لم يكتشفوا بعد ما إذا كان الماء يمكن أن يبقى على هذه الكواكب الخارجية لفترة كافية لتطور الحياة.
اقرأ أيضاً: اكتشاف شكل جديد من الجليد على الأرض قد يكون موجوداً في كواكب أخرى
الآن، تشير الحسابات الجديدة الموصوفة في ورقة بحثية نُشرت يوم الاثنين في مجلة نيتشر أسترونومي إلى أن الظروف السطحية لهذه العوالم قد تكون معتدلة بشكل يدعم الحياة لفترة كافية من 5 إلى 8 مليارات سنة. للمقارنة، يبلغ عمر الأرض نحو 4.5 مليار سنة فقط، وظهرت الحياة عليها منذ نحو 3.7 مليار سنة.
يقول أستاذ الفيزياء الفلكية في معهد أبحاث الكواكب الخارجية في جامعة مونتريال، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، بيورن بينيكي: «تحتاج الحياة إلى بعض الوقت لتتطور، لذلك من الأهمية بمكان أن تكون الفترة طويلة. إذا لم تحتوِ الكواكب الأرضية الفائقة على مياه سائلة إلا لفترات قصيرة نسبياً من وجودها -مثل مليون سنة أو نحو ذلك- فلن تدعم فرضية أن هذه الكواكب قد تكون صالحة للسكن في جو مفعم بالهيدروجين».
تعطي الحسابات الجديدة إشاراتٍ جيدة فيما يتعلق بإمكانية سكن هذه الكواكب الأرضية الفائقة الباردة. لا يزال وجود هذه الكواكب نظرياً، حيث لم يُكتشف أي منها حتى الآن، ما يمثل حافزاً إضافياً لعلماء الفيزياء الفلكية للبحث عن هذه الفئة من الكواكب الخارجية أثناء سعيهم لاكتشاف ما إذا كنا وحدنا في الكون.
اقرأ أيضاً: عدد الكواكب الخارجية التي رصدتها وكالة ناسا تجاوز 5000 عالماً
تقول المؤلفة الرئيسية في الورقة الجديدة وطالبة الدكتوراه التي تدرس الكواكب الخارجية في جامعة زيورخ في سويسرا، ماريت مول لوس: «من المهم أن نكون منفتحين على جميع الاحتمالات، وألا نتوقع أن الحياة يجب أن توجد فقط في ظل ظروف تشبه ظروف الأرض تماماً. يمنحنا ذلك مبرراً إضافياً لأخذ احتمال وجود هذه الموائل الغريبة في الاعتبار».
منطقة جولديلوكس
استناداً إلى نموذجنا الوحيد المعروف لعالمٍ صالح للسكن، الأرض، عادةً ما يبحث العلماء أيضاً عن كوكب يدور حول نجمه في منطقة أو مدارٍ لا يكون فيه سطح الكوكب شديد الحرارة أو البرودة بحيث يدعم وجود الماء السائل. غالباً ما تُسمى هذه المنطقة بالنطاق الصالح للحياة، أو يُطلق عليها منطقة جولديلوكس. بالمقابل، فإن ما يسمى بالأرض الفائقة الباردة تقع خارج المنطقة الصالحة للسكن بالنسبة لنجومها. ولكن ذلك قد يكون أيضاً، وعلى عكس ما هو بديهي، جزءاً مما يجعل تلك العوالم الفضائية صالحة للسكن.
على الأرض، تساعد غازات الدفيئة في الغلاف الجوي مثل ثاني أوكسيد الكربون والميثان في الحفاظ على درجة الحرارة المناسبة تماماً لدعم وجود المياه السائلة. يمكن أن يعمل الهيدروجين أيضاً كغازات دفيئة، إذا كان متوفراً بكميات كافية.
تكمن الصعوبة في الحفاظ على غاز الهيدروجين في الهواء لفترة كافية حتى يتراكم. يُعد الهيدروجين عنصراً خفيفاً بشكل خاص، لذلك ما لم يكن الكوكب ضخماً بدرجة كافية ولديه جاذبية كافية للاحتفاظ بالغاز، فسوف يتلاشى في الفضاء. بينما إذا كان الكوكب قريباً من نجمه، يمكن للإشعاع أن يتسبب في تسرب الغاز بعيداً بسرعة أكبر. بالمقابل، يمكن للمسافة الشاسعة بين هذه الكواكب الأرضية الفائقة الباردة ونجومها أن تحافظ على غاز الهيدروجين الخاص بها وتمنعه من التسرب.
لمعرفة الشروط المناسبة لتشكل للأرض الفائقة الباردة غلافاً جوياً من الهيدروجين والهليوم بسماكةٍ مناسبة ولفترة زمنية طويلة، طوّرت مول لوس نماذج حاسوبية لكواكب خارجية صخرية مختلفة الأحجام، ووضعتها على مسافاتٍ مختلفة من نجومها في المحاكاة. بعد ذلك، شغلت المحاكاة لترى كيفية تطورها بمرور الوقت.
أخذت مول لوس في الاعتبار العوامل التي من شأنها أن تؤثر على درجة حرارة سطح الكوكب مثل معدل هروب الغاز، وسطوع أو تعتيم النجم المضيف بمرور الوقت بالإضافة إلى الحرارة المنبعثة من المواد المشعة الموجودة في باطنه.
اقرأ أيضاً: اكتشاف كوكب خارجي ساخن للغاية يقابل عامه 8 ساعات أرضية
ووجدت لوس أن أفضل الظروف لوجود الماء السائل على المدى الطويل ستتوفر إذا كان الغلاف الجوي الذي يغلب عليه الهيدروجين والهيليوم أكثر سمكاً بنحو 100 إلى 1000 مرة من الغلاف الجوي للأرض، وأن تكون كتلة الكوكب من 1 إلى 10 أضعاف كتلة الأرض، ويبتعد عن نجمه مسافةً تعادل ضعفي المسافة بين الأرض والشمس.
على الرغم أن هذه المسافة تجعل دراسة الكواكب الأرضية الباردة الفائقة مثيرة للاهتمام، فإنها تُصعب جداً على علماء الفلك اكتشاف هذه الكواكب. في الواقع، تعتمد التقنية التي يستخدمها العلماء عادةً لاكتشاف كوكب خارج المجموعة الشمسية على مروره أمام نجمه. خلال مثل هذا العبور، يخفت ضوء النجم المضيف قليلاً، حيث يعتبر العلماء ذلك دلالةً على وجود كوكب يدور حوله. ولكن، وفقاً لبينيكي، عندما يدور كوكب كبير بحجم الأرض بعيداً عن نجمه، فمن غير المرجح أن تنجح التكنولوجيا الحالية في اكتشافه في الوقت المناسب أثناء مروره أمام نجمه.
اقرأ أيضاً: لماذا تتخذ الكواكب أشكالاً كروية؟
يقول بينيكي: «على هذا النحو، لا يزال من غير المعروف ما إذا كانت مثل هذه الكواكب الأرضية الفائقة موجودة أم لا. لكن ما أظهره الخبراء من إمكانية وجود هذا التنوع الكوكبي والنطاق الكامل للكواكب هو ضخم جداً». ولكن إذا كانت موجودةً بالفعل، فلا يزال هناك العديد من الأسئلة حول كيف يمكن أن يكون هذا العالم الرطب البارد. تعمل مول لوس وزملاؤها حالياً على نماذج جديدة لاستكشاف تكوين الكواكب الأرضية الفائقة الباردة.
ويقول بينيكي: «إن أفضل حل لهذه الألغاز هو ببساطة العثور على هذه الكواكب الخارجية».