قبل نحو 23 مليون سنة، جابت حيوانات الماستودون العملاقة الأرض. كانت أسلاف الفيلة هذه أقصر من أخلافها من الفيلة الحديثة، ولكنها كانت أكثر بدانة واحتوت أجسامها على الأنياب المميزة. تم صيد هذه الثدييات العملاقة من قبل البشر الأوائل قبل أن تنقرض منذ نحو 13,000 إلى 12,700 سنة.
عظام الماستودون لصيد ماستودون آخر
وجد فريق من الباحثين مؤخراً ما يُعتقد أنه أقدم الأدلة المباشرة على صيد الماستودون في القارتين الأميركيتين. درس الباحثون في هذا الفريق الشظايا العظمية المغروسة في أضلاع أحد حيوانات الماستودون الذي تم إيجاده في سبعينيات القرن الماضي في موقع مانيس بولاية واشنطن الأميركية، ووجدوا رأس أحد الأسلحة التي استخدمها البشر. هذا السلاح هو سلاح مقذوف (مثل الأسهم والرماح) مصنوع من عظام ماستودون آخر.
اقرأ أيضاً: ما الذي تكشفه عظام الفك القديمة عن تطور الدببة القطبية؟
تم وصف المكتشفات في دراسة جديدة نُشرت بتاريخ 2 فبراير/شباط 2023 في مجلة ساينس أدفانسيس (Science Advances).
قال عالم الأنثروبولوجيا ومدير مركز دراسة الأميركيين الأوائل التابع لجامعة تكساس أيه آند إم والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، مايكل واترز (Michael Waters)، في بيان صحفي: "لقد عزلنا شظايا العظام وطبعناها وجمعناها"، وأضاف: "بيّن فحص هذه الشظايا أنها تشكّل رأس سلاح مقذوف مصنوع من العظام. هذا هو رأس السلاح العظمي المقذوف الأقدم في الأميركيتين، ويمثّل أقدم دليل مباشر على صيد حيوانات الماستودون في هاتين القارتين".
شعب كلوفيس صياد الماستودون
يبلغ عمر رأس السلاح المكتشف حديثاً في موقع مانيس نحو 13,900 سنة، كما أنه أقدم من الأسلحة المقذوفة المكتشفة في هذا الموقع بنحو 900 سنة. استُخدمت هذه الأدوات من قبل شعب يحمل اسم شعب كلوفيس (Clovis)، والذي وجدت رؤوس الرماح التي استخدمها في العديد من مواقع الأحافير في الولايات المتحدة.
قال واترز: "ما يجعل رأس السلاح الجديد الذي وجد في موقع مانيس مهماً هو أنه الأداة العظمية الأولى والوحيدة الأقدم من شعب كلوفيس. تم إيجاد الأدوات الحجرية فقط في الموقع الآخر الذي يعود لفترة ما قبل شعب كلوفيس"، وأضاف: "يثبت ذلك أن الأميركيين الأوائل صنعوا الأسلحة العظمية، والأدوات العظمية الأخرى على الأرجح، واستخدموها".
وفقاً للدراسة الجديدة، علق رأس السلاح المقذوف في أحد أضلاع الماستودون. لكن هذا الرأس صُنع من عظام رجل ماستودون آخر، كما أنه نُحت ليصبح مدبباً بشكل متعمّد.
قال واترز: "تم قذف الرمح الذي احتوى على هذا الرأس على الماستودون، واخترق الجلد والأنسجة ولامس أحد الأضلاع في النهاية. تمثّل هدف الصياد في اختراق الأضلاع وتعطيل وظيفة الرئتين، لكنه أخطأ هدفه وأصاب الضلع".
اقرأ أيضاً: هل تصارعت الأنكيلوصورات مع بعضها باستخدام ذيولها؟
استخدم الباحثون في دراسة نُشرت في 2011 وأجريت على الضلع نفسه تقنية التأريخ بالكربون المشع لتحديد عمر العينة. وأكّدت دراسة وراثية أجريت لاحقاً أن العينة تعود لحيوان الماستودون بالفعل. أما في الدراسة الجديدة، فقد استخدم الباحثون الصور الملتقطة بالتصوير المقطعي والبرمجيات ثلاثية الأبعاد لإنشاء صور ثلاثية الأبعاد لكل شظية من الشظايا العظمية. تمكّن الفريق من تجميع القطع مع بعضها لتحديد شكل الرأس المقذوف قبل دخوله إلى ضلع الماستودون وتكسره.
متى وصل البشر لأول مرة إلى الأميركيتين؟ جدل لا يزال قائماً
يمنح موقع مانيس العلماء فرصة لفهم حياة البشر الأوائل الذين عاشوا في الأميركيتين بشكل أفضل. ولكن ما يزال الجدل حول وقت وصول البشر إلى القارتين لأول مرة قائماً. يعتقد واترز أن البشر تمكّنوا من الوصول إلى الأميركيتين لأول مرة باستخدام القوارب التي أبحرت في شمال المحيط الهادئ قبل التوجّه جنوباً.
قال واترز: "يبدو أن هناك مجموعة من المواقع القديمة في الجزء الجنوبي الغربي من الولايات المتحدة والتي تعود للفترة بين 16 و14 ألف سنة مضت وتعتبر أقدم من شعب كلوفيس. من المرجح أن الحفريات في هذه المواقع تعود لأول البشر وأخلافهم، والذين دخلوا الأميركيتين في نهاية العصر الجليدي الأخير".
يتجاهل بعض العلماء في تقديراتهم للوقت الذي استوطن فيه البشر أميركا الشمالية لأول مرة المعارف التي تمتلكها الشعوب الأصلية والتي تبين أن كلاً من الحياة والثقافة في أميركا الشمالية أقدم بكثير من التقديرات التي تنص على أنها تعود فقط لـ 23 ألف سنة مضت.
قالت عالمة الآثار المتخصصة في شعوب الكري وميتيس في جامعة ألغوما والتي تدرس تاريخ السكان الأصليين، ومؤلفة كتاب "السكان الأصليون من العصر الحجري القديم في نصف الكرة الغربي" (The Indigenous Paleolithic of the Western Hemisphere)، بوليت ستيفز (Paulette Steeves)، لموقع بوبساي (العلوم للعموم) في عام 2021: "هناك العديد من المواقع الأقدم بكثير والتي تم تأريخها بدقة ونشر التقارير عنها". جمعت ستيفز المئات من الاكتشافات التي تقول إنها تمثّل أدلة موثوقة على أن البشر في الأميركيتين يعودون إلى ما قبل 16,000 سنة.
اقرأ أيضاً: ما الذي يخبرنا به جينوم إنسان النياندرتال عن حياته الاجتماعية؟
تعتبر مجموعة من آثار الأقدام المتحجرة الموجودة في متنزه وايت ساند الوطني في ولاية نيو مكسيكو الأميركية أحد أكثر الأمثلة التي تمت مناقشتها والتي تتعارض مع الفرضية التي تنص على أن استيطان الأميركيتين تراوح بين 14 و16 ألف سنة مضت، لكنها ليست الأدلة الوحيدة. وجد الباحثون أيضاً أدوات حجرية قد تعود إلى الفترة قبل 30 ألف سنة في كهف وسط المكسيك. كما تم إيجاد عظام تعود لحيوانات غير أصلية قد تحتوي على أدلة تبين أن البشر قاموا بطبخ هذه الحيوانات في مكان آخر في المكسيك، والتي يتراوح عمرها بين 28 و30 ألف سنة.