غالباً ما يهاب الناس ذكر كلمة "بكتيريا"، لأنها مرتبطة بالعديد من الأمراض الخطيرة، ولا يُدرك كثيرون أنها تنقسم إلى نوعين: النافعة والضارة، وتعيش داخل أجسامنا، ما يجعلها جزءاً منا. وهي كائنات دقيقة جداً لا يمكن رؤيتها إلا بواسطة المجهر بسبب حجمها متناهي الصغر، وقد استطاع العلماء والباحثون كشف الستار عن كثير من مكونات البكتيريا الأساسية، وكيفية مقاومتها للمضادات الحيوية، وبقي سؤال يطرح نفسه، وهو "هل تُصدر البكتيريا صوتاً؟"
جاءت إجابة هذا السؤال من خلال دراسة أجرتها مجموعة بحثية من جامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا، فقد لاحظ الباحثون أنّ البكتيريا تولد اهتزازات فعلاً، ولكنها بترددات تقع في النطاق النانوي لقياس التردد. وهذه الاهتزازات إشارة إلى قدرة البكتيريا على إحداث صوت، ما يمثل اكتشافاً مثيراً للاهتمام له الكثير من التطبيقات في المستقبل. نُشرت الدراسة في دورية "نيتشر نانوتكنولوجي" (Nature Biotechnology) في 18 أبريل / نيسان 2022.
ما هي البكتيريا؟
هي عبارة عن كائنات حية بدائية، وحيدة الخلية لا تُرى بالعين المجردة، وتحتوي أجسامها على معلومات جينية في صورة حلقة من الحمض النووي. وهناك بعض الأنواع الأخرى تتمثل المعلومات الجينية الخاصة بها في صورة حلقة أخرى يُطلق عليها بلازميد، وعادةً ما تكون الأخيرة أكثر فعالية من الأولى. تتعدد أشكال البكتيريا، فقد تجد بعض الأنواع كروية والأخرى عصوية وهناك اللولبية ومنها أنواع تأخذ شكل فاصلة.
تنتشر البكتيريا فوق سطح الأرض، حيث توجد في التربة والهواء والمياه وفوق الكائنات الأخرى كالنباتات والحيوانات والبشر. وتستطيع بعض الأنواع منها مواجهة الظروف القاسية في المناطق القطبية، ومنها أنواع تعيش في المناطق شديدة الحرارة التي تصل درجات حرارتها إلى مستوى لا يستطيع أي كائن آخر تحمله، وذلك ببساطة لأن تلك الأنواع قد تكيفت مع تلك الظروف القاسية. وهناك الأنواع النافعة والأخرى الضارة، ما يجعل دراسة البكتيريا والاهتمام بها ضرورة لا بد منها.
اقرأ أيضاً: اكتشاف بكتيريا عملاقة بحجم حبة الفول تُذهل العلماء
كيف اكتشف الباحثون أصوات البكتيريا؟
ربما يُصنف هذا الاكتشاف على أنه وليد للصدفة، فقد أراد الباحثون في الأصل الكشف عما يحدث إذا لامس الجرافين شيئاً حياً، والجرافين عبارة عن طبقة واحدة من الذرات وهو أحد أشكال الكربون، إضافة إلى كونه شديد الحساسية، ما شجع الباحثون على اختبار مدى حساسيته، فاستخدموا بكتيريا الإشريكية القولونية (Escherichia coli) لاختباره.
وتنتج أصوات البكتيريا هذه نتيجة العمليات الحيوية التي تحدث داخلها، حيث تحتوي البكتيريا على مجموعة من العضيات رغم ضآلة حجمها، إضافة إلى صوت السياط، وهي أحد مكونات البكتيريا التي تشبه الذيول وتقع على سطح خلية البكتيريا، وتُعد هذه السياط أعضاء الحركة الرئيسية في البكتيريا، تماماً كالقدم بالنسبة للإنسان. عندما حاول الباحثون تقدير أصوات البكتيريا، وجدوا أنّها تُصدر صوتاً عندما تضرب بسياطها على سطح الجرافين بقوة تقل عن لكمة الملاكم بمقدار 10 مليار مرة، واستطاعوا الاستماع إليها.
أهمية اكتشاف أصوات البكتيريا
في الحالات العادية، يكون إصدار الصوت مؤشراً على الحياة، والأمر ذاته ينطبق على الكائنات الدقيقة، فعندما تُحدث البكتيريا صوتاً، فهذا يعني أنها على قيد الحياة. ولهذا الأمر العديد من التطبيقات المستقبلية، من ضمنها: قياس مدى فعّالية المضادات الحيوية، فعند قتل البكتيريا بالمضادات الحيوية، تتوقف عن إصدار الأصوات، وإذا لم تمت، هذا يعني أنّ المضاد الحيوي غير فعّال، ما يسهل التجارب المستقبلية في عمليات صنع الدواء، ويفتح الباب أمام العديد من الأبحاث الأخرى.
يهدف الباحثون إلى اختبار مدى حساسية الجرافين لبعض أنواع البكتيريا المسببة للأمراض، بحيث يستطيعون تحديد تردداتها الصوتية، واختبار مدى فعالية المضادات الحيوية، وهذا له دور في تطوير العلاجات ضد الأمراض الخطيرة التي يعاني منها البشر في جميع أنحاء العالم.