كيف بنى المصريون القدماء الهرم؟ أدلة جديدة تكشف

3 دقيقة
كيف بنى المصريون القدماء الهرم؟ أدلة جديدة تكشف
بنى المصريون القدماء هرم زوسر المدرّج قرابة عام 2680 قبل الميلاد.

ملخص: يتألف هرم زوسر المدرج من 6 طبقات و4 جوانب، ويبلغ ارتفاعه 62 متراً، وقد بناه المصريون القدماء باستخدام العديد من طرق البناء، لكن طريقة من هذه الطرق لم يكتشفها العلماء من قبل، وهي طريقة الرفع الهيدروليكي المعتمد على ضغط الماء الموجود في بحيرة قريبة من موقع الهرم. وقد نشر فريق متعدد التخصصات من معهد سي إي أيه باليوتكنيك الفرنسي مؤخراً أدلة على استخدام المصريين لهذه الطريقة فبعد الجمع بين الكثير من التقنيات للاستكشاف، افترض الباحثون أن الهيكل الذي لم يفسره العلماء من قبل بالقرب من الهرم المدرّج أدّى على الأرجح دور "سد حاجز" لجمع المياه والرواسب. بعد مرور المياه عبر العديد من الحجرات، من المرجّح أن كمية من المياه تدفقت إلى أعمدة الهرم التي استخدمها العمال لرفع أحجار البناء الضخمة إلى مواضعها المحددة. هذه التقنية قد تكون مستخدمة في بناء هياكل حجرية أخرى بما فيها الأهرامات.

أقدم مقبرة في مصر هي مقبرة الفرعون زوسر، وهو الحاكم الذي أسس الأسرة الثالثة في المملكة القديمة خلال القرن السابع والعشرين قبل الميلاد. بنى المصريون القدماء هرم زوسر المدرّج، الذي يتألف من 6 طبقات و4 جوانب، قرابة عام 2680 قبل الميلاد في قرية سقارة شمال غرب أنقاض مدينة منف، وسط ساحة كبيرة مليئة بالهياكل المراسمية المزخرفة. على الرغم من أن المصريين القدماء طبّقوا العديد من الطرق لبناء هذا الهيكل الذي يبلغ ارتفاعه نحو 62 متراً، تشير دراسة جديدة إلى أنهم طبقوا طريقة واحدة على الأقل لم يكتشفها العلماء من قبل، وهي نظام رفع هيدروليكي يعتمد على بحيرة قريبة من موقع الهرم اختفت منذ زمن طويل.

اقرأ أيضاً: فرع جاف من نهر النيل يلقي الضوء على طريقة بناء الأهرام

نظام رفع هيدروليكي مستخدم في بناء الهرم زوسر

نشر فريق متعدد التخصصات من معهد سي إي أيه باليوتكنيك الفرنسي (CEA Paleotechnic) الأدلة الجديدة في مجلة بلوس ون (PLOS One) بتاريخ 5 أغسطس/آب 2024. بعد الجمع بين صور الأقمار الاصطناعية وتحليل البيانات الجغرافية المكانية والمعلومات حول الأحواض المائية وغيرها من التقنيات، افترض الباحثون أن الهيكل الذي لم يفسره العلماء من قبل بالقرب من الهرم المدرّج أدى على الأرجح دور "سد حاجز" لجمع المياه والرواسب. السدود الحاجزة هي منشآت هندسية قديمة تعود إلى آلاف السنين، وهي تتمتع بتصميم بسيط نسبياً واستخدمها المهندسون لإيقاف تدفق المياه أو إبطائه.

خريطة لهضبة سقارة تبيّن مجرى المياه من سد جسر المدير إلى منشأة معالجة المياه بالقرب من هرم زوسر. تنتقل المياه بعد ذلك إلى شبكة الأنابيب في الهرم لتشغيل المصعد الهيدروليكي. المصدر: معهد باليوتكنيك في باريس، فرنسا، رخصة المشاع الإبداعي CC-BY 4.0
عملية بناء الهرم المدرج التي حددها الباحثون: آلية رفع هيدروليكية. المصدر: لاندرو وآخرون، مجلة بلوس ون.

في حالة هرم زوسر، يبدو أنه كان هناك مصدر للمياه يتدفق عبر حجرات متعددة، ما أتاح للرواسب الاستقرار في أثناء مرورها عبر كل حجرة من الحجرات المتعاقبة. بعد مرور المياه عبر الحجرات، من المرجح أن كمية من المياه تدفقت إلى أعمدة الهرم التي استخدمها العمال لرفع أحجار البناء الضخمة إلى مواضعها المحددة. ما يثير الاهتمام بصورة خاصة هو أنه على الرغم من أن العديد من المجتمعات لم يستخدم السدود الحاجزة لترشيح المياه، يبدو أن المصريين استخدموا سد هذا الهرم أيضاً على أنه منشأة لمعالجة المياه. بالإضافة إلى ذلك، بنى المصريون سد هرم زوسر قبل بعض من أقدم الأمثلة المعروفة على هذه السدود بمئات السنين، إن لم يكن آلاف السنين.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: لماذا عانى كتبة مصر القديمة تلف العظام؟

كيف استخدم المصريون القدماء هذا النظام في بناء الهرم؟

وضّح الباحثون هذا المفهوم من خلال وصف مثال بسيط للطريقة التي اتبعها المصريون القدماء لتشغيل هذا النوع من أنظمة السدود الهيدروليكية. بناءً على التحليل في الدراسة الجديدة، يعتقد الفريق أن منصة المصعد العائمة ارتفعت إلى ارتفاع أقصى يبلغ نحو 17 متراً، ولكنها احتوت على الأرجح على تعديلات ساعدتها على الصعود إلى ارتفاع أعلى باستخدام هياكل تمديد قابلة للطي. ربما أدّت المنصة أيضاً دور ثقل موازِن بعد الوصول إلى قمة الهرم، وذلك باستخدام أنظمة البكرات والحبال. ربما استخدم المصريون المصعد الهيدروليكي على نحو متقطع فقط عندما كانت المياه متوافرة بكميات كبيرة، وذلك إلى جانب طرق البناء الإضافية مثل المنحدرات وأنظمة السدود. مع ذلك، أكد الباحثون أن احتمالية استخدام المصاعد تغيّر فرضيات الخبراء عن ابتكارات المصريين القدماء جذرياً.

كتب الباحثون في الدراسة: "يبدو أن آلية الرفع الهيدروليكية كانت ابتكاراً ثورياً في بناء الهياكل الحجرية، ولا مثيل لها في تاريخ حضارة البشر"، مضيفين أن فائدتها "كبيرة للغاية لدرجة أن وظائفها تبدو أنها لم تقتصر على بناء الهرم المدرّج". بالإضافة إلى قدرة هذا النظام على معالجة المياه، يعكس تخطيط المهندسين المعماريين "بُعد نظرهم في تلبية الاحتياجات المدنية المختلفة"، مثل جعل منطقة سقارة صالحة لإيواء البشر على نحو دائم ودعم الزراعة وتوفير المياه والمأوى الطويل الأمد.

يقول الفريق إن النتائج التي توصل إليها تزيد احتمالية أن المصريين القدماء استخدموا أنظمة مشابهة في أهرامات أخرى في المملكة القديمة، وربما قبلها حتى. الطريقة الوحيدة لتحديد صحة ذلك من عدمها على وجه اليقين هي مواصلة استكشاف هذه الآثار وتحليلها.

المحتوى محمي