لطالما ربط البشر الجمال بالصلاح، إذ نجد فلاسفة مثل سقراط وكانط وغيرهما يربطان الأمرين ببعضهما، كما أن إلقاء نظرة على بعض القطع الفنية الأكثر شهرةً يظهر أن العديد من الفنانين يفترضون معرفتك المسبقة بأن الأشخاص الجميلين طيبون، بينما الأشرار قبيحون. وتروي إحدى القصص من اليونان القديمة حكاية امرأة اسمها فريني كانت تُحاكم بتهمة عصيان الآلهة، استخدمت جمالها لتقول إن الآلهة فضلتها وبالتالي لا يمكن أن تكون قد ارتكبت الجريمة. وتمت تبرئتها في النهاية.
درس الباحثون انتشار الافتراض القائل بأن الأشخاص الجميلين صالحون خلال العقود القليلة الماضية، مثالٌ على ذلك بحثٌ مكثف حول هذا الموضوع يعود إلى عام 1972. يُظهر البحث أنه من المرجح أن يفترض الناس أن شخصاً غريباً جميلاً يمتلك بطبيعة الحال سمات مثل الإخلاص والكرم. كما يفترضون أيضاً أن الشخص ذو المظهر الجيد أكثر ذكاءً وأنجح اجتماعياً وذو أداءٍ أفضل بشكلٍ عام.
فخ يوقعنا جميعاً
قبل أن تبدأ في التفكير بأنك لن تحكم على أي شخص أبداً من خلال مظهره، تشير الدراسات إلى أنك من المحتمل أن تفعل ذلك طوال الوقت، لكن بسرعةٍ كبيرة ودون إدراكك لذلك تماماً.
هذا التحيز له تأثيراتٌ واقعية، فالأشخاص الجذابون أقل عرضةً للإدانة من قبل هيئات المحلّفين وأكثر عرضةً لتخفيض العقوبات عندما يكونون مُدانين. كما يميل الناس إلى التصويت لسياسيين أكثر جاذبية، وترقية موظفين يتمتعون بمظهرٍ أفضل، وحتى إيلاء اهتمام أكبر للأطفال الذين يتمتعون بمظهر أفضل من أولئك الذين لديهم، وكما قال الكوميدي جورج كارلِن: "عجز حاد في المظهر".
ألقت دراسة نُشرت مؤخراً في دورية "السلوك غير اللفظي" (Journal of Nonverbal Behavior) نظرةً فاحصةً على السمات التي نربطها بالجمال، وسلطت القليل من الضوء على سبب امتلاكنا للتحيز الجمالي.
كيف تجعل الناس يظهرون تحيزاتهم
لإجراء الدراسة، طلب المؤلفون من المشاركين إلقاء نظرةٍ على صور الوجوه ثم جعلهم يقررون ما إذا كان الشخص يمتلك سمةً معينة، مثل التعاطف أو الكرم، بدرجة أكبر أو أقل من الشخص العادي.
اختلفت هذه الدراسة عن الدراسات السابقة لأنها لم تبحث فقط في معرفة ما إذا كان الناس يربطون السمات الإيجابية بأشخاص حسني المظهر، ولكنها أيضاً ألقت نظرةً فاحصةً على السمات المرتبطة بالمظهر.
ركز الجزء الأول من كل اختبار على السمات الأخلاقية البحتة، مثل أن تكون عادلاً أو جديراً بالثقة أو صادقاً، بينما تناول الجزء الثاني السمات الإيجابية ولكن غير المرتبطة بالأخلاق، مثل أن تكون مرحاً أو منظماً أو هادئاً.
استخدم الاختبار الأول السمات المستخدمة سابقًا في دراسة أُجريت عام 2004 عند طرح الأسئلة، وشمل 504 مشاركاً نظروا إما إلى ست صور لأشخاص جذابين أو ست صور لأشخاص غير جذابين. ثم طُلب من المشاركين تقييم مدى احتمالية أن يكون لدى الشخص المصوَّر سمة معينة أكثر من الشخص العادي.
بينما كان الاختبار الثاني، الذي شارك فيه 756 مشاركاً، مشابهاً جداً للاختبار الأول، لكنه تضمن لغةً مختلفةً للتأكد من عدم ربط نتائج الاختبار الأول بالمصطلحات المستخدمة بشكلٍ مباشر.
جاءت نتائج كلا الاختبارين متماشية مع الدراسات السابقة التي أظهرت أن الناس يربطون الجمال بكل أنواع السمات الإيجابية. ومع ذلك، فإن الاختبارات الأخيرة ألقت ضوءاً جديداً على السمات الأكثر تأثراً بـ "تأثير الهالة" الذي يوفره المظهر الجيد.
في كلتا الدراستين، كان من المرجح أن ترتبط السمات المرتبطة بالأخلاق بالجمال أكثر من السمات غير المرتبطة بها. وكان التأثير ملحوظاً بشكلٍ خاص في الدراسة الثانية، حيث كان من المرجح أن يُنظر إلى الأشخاص الجميلين على أنهم يحملون هذه الصفات بنسبة 20% أكثر من الشخص العادي، مقارنةً بزيادة قدرها 10% فقط في الاحتمالية المتصوَّرة لامتلاكهم للسمات غير المرتبطة بالأخلاق.
وتجدر الإشارة إلى أن جميع الأشخاص الذين تم اختبارهم كانوا أميركيين، ما يحد من مدى إمكانية تعميم الدراسة، لكن تم إجراء اختبارات مماثلة في ثقافات أخرى، ما يشير إلى أن هذا التأثير -إن لم يكن المظهر الدقيق المحدد هنا- عالمي.
ماذا يعني هذا للعالم؟
لمح مؤلفو الدراسة إلى أنهم يتوقعون أن تكون لنتائجهم آثارٌ واقعية. بالنظر إلى عدد الدراسات السابقة التي تظهر أن هناك عواقب وخيمة لهذا التحيز، فإن موقفهم لا ينبغي أن يفاجئنا. ومع ذلك، أشاروا إلى أنه على الرغم من أن العلم وعبر تاريخه الطويل يدرك وجود هذا التحيز، إلا أنه لا يوجد تدخل متاح قد يقلل التحيز أو التمييز ضد الأفراد غير الجذابين.
وتابعوا القول بأن البحث المستقبلي "يجب أن يطور تدخلات نفسية أو اجتماعية قد تساعد في مواجهة تحيّزنا والحدّ من استخدام ما نعرفه حول جاذبية الآخرين في تقييم الشخصية الأخلاقية لديهم، ونتيجةً لذلك، تقليل التحيز والتمييز".