المواد البلاستيكية الدقيقة ترفع خطر الإصابة بمرض باركنسون

3 دقيقة
المواد البلاستيكية الدقيقة ترفع خطر الإصابة بمرض باركنسون
حقوق الصورة: shutterstock.com/ MAXSHOT.PL
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمكن للمواد البلاستيكية النانوية الناتجة عن تحلل المواد البلاستيكية أن تسبب الإصابة بداء باركنسون أو تطور المرض في حال وصولها إلى الدماغ. هذا ما توصل إليه الباحثون في الدراسة المنشورة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 في دورية ساينس أدفانسس (Science Advances). فكيف يحدث ذلك؟

تأثير المواد البلاستيكية النانوية في مرض باركنسون

يُطلق على مرض باركنسون اسم الاضطراب العصبي الأسرع نمواً في العالم، وينتج هو وبعض أنواع الخَرَف عن تراكم بروتين ألفا سينوكلين -الذي يوجد عادةً بشكلٍ طبيعي في الدماغ- في الخلايا العصبية الضعيفة في الدماغ.

ومع ذلك، لم يتمكن الباحثون حتى الآن من تحديد العوامل التي تؤدي إلى تراكمه، لكنهم افترضوا وجود دور للعوامل البيئية، لذا قرروا البحث في تأثير المواد البلاستيكية النانوية على الخلايا العصبية في الدماغ، وأرادوا على وجه التحديد فهم كيفية تفاعل المواد البلاستيكية النانوية مع ألفا سينوكلين، على اعتبار أنها واحدة من أكثر المواد إنتاجاً حول العالم، حيث تزداد كمية المخلفات البلاستيكية ورواسبها يوماً بعد يوم، ما أدّى إلى وصول ملوثات بلاستيكية دقيقة ونانوية إلى إمدادات المياه والغذاء.

ووفقاً لدراسة سابقة نُشِرت في دورية البيئة الدولية (Environment International)، رُصِدت هذه الجزيئات النانوية في دم معظم البالغين الأصحاء، والإبلاغ عن تراكم جزيئات بلاستيكية نانوية من البوليسترين في الدماغ والتغلغل في أنسجة المخ التي تتكون من الخلايا العصبية والخلايا الدبقية التي تدعم هذه الخلايا العصبية.

الجزيئات البلاستيكية النانوية، هي جزيئات صغيرة يقل قطرها عن 1 ميكرومتر، بحيث لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة. وتنتج جزيئات البوليسترين النانوية عن منتجات البوليسترين ذات الاستخدام الواحد مثل الأكواب البلاستيكية، وأدوات الطبخ، وفوم التعبئة، وتُعدُّ من المواد المسؤولة عن جزء كبير من التلوث البلاستيكي الكلي، حيث عُثِر عليها في البيئات البحرية كرواسب ناتجة عن تآكل البلاستيك وتحلله بتأثير الأشعة الفوق البنفسجية.

اقرأ أيضاً: ما مدى خطورة مادة البيسفينول أ الموجودة في أوعية الطعام البلاستيكية وزجاجات حليب الأطفال؟

تفاعلات ألفا سينوكلين والجسيمات النانوية من البوليسترين

في الدراسة الحديثة، راقب الباحثون التفاعل بين بروتين ألفا سينوكلين وجزيئات البوليسترين النانوية في 3 نماذج:

  • أنابيب الاختبار: وجد الباحثون أول مرة أنه يمكن لألفا سينوكلين البشري أن يرتبط بسهولة بجزيئات البوليسترين البلاستيكية النانوية في أنبوب اختبار، وتكوين هياكل غير طبيعية من البروتين تُعرف بلييفات ألفا سينوكلين وتجميعها، وهي ذاتها المسؤولة عن الإصابة بمرض باركنسون والخَرَف أيضاً.
  • الخلايا العصبية المزروعة: لدى دراسة الطريقة التي تتفاعل بها اللييفات والجزيئات النانوية مع خلايا عصبية مزروعة من الدماغ، وجدوا أنه يمكن لكلٍّ من اللييفات والجزيئات البلاستيكية أن تدخل خلايا الدماغ عبر عملية الإدخال أو الالتقام الخلوي (Endocytosis)؛ وهي عملية يبتلع فيها الغشاء الخارجي للخلية عناصر محددة. في الخلية تدخل اللييفات والجزيئات النانوية إلى الليزوزومات، وهي عضيات مرتبطة بغشاء الخلية يُطلق عليها عادةً اسم “مراكز إعادة التدوير” في الخلية، لأنها مسؤولة عن تحطيم الجزيئات الكبيرة والمعقدة إلى مكونات بسيطة يمكن للخلية إعادة استخدامها. في التجربة، عطّلت المواد البلاستيكية النانوية عمل الليزوزومات في تحطيم ألفا سينوكلين بكفاءة، ما حفّز تكتل البروتين بشكلٍ أكثر سمية.
  • فئران مصابة بباركنسون: لدراسة إمكانية حدوث هذه التفاعلات في الحيوانات الحية، حقن الباحثون أدمغة الفئران بمحاليل تحتوي على ألفا سينوكلين، أو مواد بلاستيكية نانوية، أو كليهما، أو لا شيء منهما، وكانت النتائج كما يلي:
    • زادت كتل البروتين السامة عبر مناطق الدماغ المترابطة في الفئران التي حُقِنت بكلٍّ من ألفا سينوكلين والمواد البلاستيكية النانوية، مقارنة بالفئران التي حُقِنت بألفا سينوكلين وحده. على وجه الخصوص، كانت المنطقة الأكثر تأثراً هي منطقة المادة السوداء، وهي المسؤولة عن التحكم في الحركة وتسبب الضرر الذي يُلحقه مرض باركنسون بالمريض.
    • لم يحدث تكتل للبروتين في معظم الفئران التي حُقِنت بالمواد البلاستيكية وحدها، باستثناء عدد صغير أظهر علامات تكتل البروتين السام.
    • لم يحدث أي تكتل في الفئران التي حُقِنت بمحلول لا يحتوي على ألفا سينوكلين ولا مواد بلاستيكية نانوية.

اقرأ أيضاً: دراسة تكشف تسبب ألواح التقطيع البلاستيكية بتلوث اللحوم

المواد البلاستيكية النانوية في دماغ المصابين بخرف أجسام ليوي

لدعم النتائج، حلل الباحثون أنسجة المخ لأفراد غير مصابين بمرض عصبي وأخرى من مصابين بمرض خرف أجسام ليوي؛ وهو أحد أنواع مرض باركنسون غير النمطي ويتميز أيضاً بوجود كتل من بروتين ألفا سينوكلين في الدماغ بحثاً عن جسيمات بوليسترين، لأنها وعلى عكس الأنواع الأخرى من المواد البلاستيكية، يمكنها أن تعبر حاجز الدم في الدماغ في الثدييات.

كشفت نتائج التحليل عن وجود جسيمات بوليسترين نانوية في أنسجة المخ القشرية الأمامية من مجموعتي العينات، ما يؤكد أنه يمكن للتعرض للمواد البلاستيكية النانوية أن يكون عاملَ خطرٍ للإصابة بمرض باركنسون.

كانت هذه النتائج هي الأولى من نوعها، وساعدت على التعرّف على آلية جزيئية غير معروفة سابقاً، وسلّطت الضوءَ على وجود صلة محتملة بين المواد البلاستيكية النانوية ومرض باركنسون، إلّا أن هناك حاجة إلى مزيدٍ من الأبحاث لتأكيد الآلية وتحديد دور أنواع البلاستيك الأخرى.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تُظهر الحجم المروّع للمخلّفات البلاستيكية في مياه البحر المتوسط

أكد الأستاذ في قسم علم الصيدلة وبيولوجيا السرطان وقائد الدراسة أندرو ويست (Andrew West)، أن التحليلات ليست نهائية، وأن التكنولوجيا المستخدمة للتعرف على المواد البلاستيكية النانوية لا تزال قيد التطوير، وقال: “إذا عرفنا ما الذي يجب أن نبحث عنه، فيمكننا اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية أنفسنا، دون المساس بالفوائد جميعها التي نجنيها كلَّ يومٍ من المواد البلاستيكية”.