يحمل الدواء الذي نتناوله لعلاج الصداع أو التهاب المفاصل إمكانات واعدة لعلاج أحد أخطر الأمراض التي تهدد البشرية؛ السرطان. إذ توصل علماء من جامعة كامبريدج في دراسة منشورة في دورية نيتشر بتاريخ 5 مارس/آذار 2025، إلى آلية جديدة تفسر كيف يمكن للأسبرين أن يمنع انتشار السرطان، ويزيد كفاءة علاج السرطان ومنع الإصابة به مجدداً.
اقرأ أيضاً: ما المأكولات الممنوعة مع الأسبرين؟
هل يمكن للأسبرين أن يسهم في علاج السرطان؟
للإجابة عن هذا السؤال، فحص البروفيسور راؤول رويشودوري مع مجموعة بحثية من جامعة كامبريدج سابقاً نحو 800 جين لدى الفئران واكتشفوا أن 15 منها لها تأثير على انتشار السرطان، وتبين أن هناك جيناً محدداً مسؤولاً عن إنتاج بروتين يدعى "أيه آر آتش جي إي إف 1" (ARHGEF1) يعمل على تثبيط الخلايا التائية المناعية، وهي خلايا أساسية في محاربة الخلايا السرطانية المنتشرة.
حدد الباحثون أن الجين المنتج لبروتين "أيه آر آتش جي إي إف 1" (ARHGEF1) يجري تنشيطه بواسطة عامل تخثر يسمى "ترومبوكسان أيه2" (thromboxane A2-TXA2) الذي تنتجه الصفائح الدموية التي تساعد على تخثر الدم، ويمكن للأسبرين أن يعوق تأثير الترومبوكسان الذي يثبط الخلايا التائية، وبالتالي يسمح بتنشيط الخلايا التائية التي ستهاجم بدورها الخلايا السرطانية الصلبة والتي تنتقل في مجرى الدم. ما يسهم في تعزيز علاج السرطان ومنع معاودته من الظهور.
اقرأ أيضاً: هل تناول الأسبرين ما زال آمناً للوقاية من النوبات القلبية؟
كيفية الاستفادة من الأسبرين في علاج السرطان
أظهرت نتائج الدراسة من جامعة كامبريدج أن الأسبرين لديه القدرة على تعزيز الاستجابة المناعية ضد السرطان بطريقة مميزة، فعندما تنفصل الخلايا السرطانية عن الورم الأصلي وتبدأ بالانتقال عبر مجرى الدم، تصبح أكثر عرضة للهجوم المناعي. ولكن تستغل هذه الخلايا الصفائح الدموية لتغطي نفسها، ما يخلق درعاً واقياً يعوق عمل الخلايا التائية، وهنا يقوم الأسبرين بتعطيل هذه الآلية الدفاعية للخلايا السرطانية عن طريق تقليل إنتاج الترومبوكسان، والسماح للخلايا التائية بالتعرف على الخلايا السرطانية وتدميرها.
أظهرت دراسة من المعهد الدانماركي للسرطان منشورة عام 2024 أن الاستخدام طويل الأمد -مدة 5 أو 10 سنوات فأكثر- لجرعات الأسبرين اليومية عيار 500 ميليغرام، يسهم بانخفاض نسبة خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم وسرطان المريء وسرطان المعدة وسرطان الكبد وسرطان البنكرياس وسرطان الأمعاء الدقيقة وسرطان الرأس والرقبة وأورام الدماغ والورم السحائي والورم الميلانيني وسرطان الغدة الدرقية واللمفوما اللاهودجكينية، وسرطان الدم بنسبة 10% على الأقل، في حين وُجِدت نسب خطر أعلى للإصابة بسرطان الرئة والمثانة.
لكن الدراسة الحالية من جامعة كامبريدج توفر تفسيراً دقيقاً لهذه الظاهرة، فعند اختبار فئران التجارب المصابة بسرطان الجلد الميلانيني، ظهر أن الفئران التي تلقت الأسبرين أصيبت بنقائل ورمية أقل من الفئران التي لم تُعالج بالأسبرين، حيث حرر الأسبرين الخلايا التائية من تثبيط الترومبوكسان، ما مكّنها من قتل الخلايا السرطانية.
حذر الباحثون من أن الأسبرين ليس حلاً شاملاً، فقد يعاني بعض الأفراد آثاراً جانبية خطيرة، مثل النزيف الداخلي أو قرحة المعدة، لذلك، يجب على المرضى المهتمين بالعلاج بالأسبرين مناقشة ذلك مع طبيب الأورام المختص، لتقييم كل حالة حسب حاجتها الفريدة وتحديد المخاطر وموازنتها مع الفوائد.
اقرأ أيضاً: دواء نوفلام لتسكين الآلام واستخدامات أُخرى
توصيات لاستخدام الأسبرين في تحسين علاج السرطان
أوصى باحثو الدراسة بتوخي الحذر وعدم تناول الأسبرين باعتباره علاجاً ذاتياً ضد السرطان، ويخططون لدراسة تشمل أكثر من 10,000 مريض مصاب بسرطان الثدي والقولون والمستقيم والمريء، والبروستاتا في مرحلة مبكرة في أنحاء بريطانيا والهند، لتحديد جرعة الأسبرين المناسبة لإيقاف انتشار هذه السرطانات.
اقترح الباحثون أيضاً تبني المزيد من الأبحاث وتمويلها في هذا المجال، لتطوير أدوية جديدة تستهدف تثبيط جين "أيه آر آتش جي إي إف 1" لكن بآثار جانبية أقل من الأسبرين، فهذه الآلية المكتشفة قد تكون أقل تكلفة من العلاجات القائمة على الأجسام المضادة وحيدة النسيلة المستخدمة للوقاية من انتشار السرطانات، والتي تعتمد على تصنيع أجسام مضادة في مختبرات بحثية بتكلفة باهظة، ومن ثم حقنها في الجسم لملاحقة الخلايا السرطانية والقضاء عليها. بهذه الأبحاث المقترحة، يمكن توفير بدائل دوائية شائعة تقلل انتشار السرطان في البلدان النامية وذات الموارد الاقتصادية والصحية المحدودة.
اقرأ أيضاً: دليلك الشامل لمعرفة كل ما تريده عن مسكن الألم ديكلوفيناك
تشارك الصيدلانية المرخصة من وزارة الصحة في الإمارات العربية المتحدة والحاصلة على دبلوم في الشؤون التنظيمية لتسجيل المستحضرات الصيدلانية والمكملات الغذائية والأجهزة الطبية من كلية دبي للصيدلة، الدكتورة رشا علي، عبر قناتها على اليوتيوب فيديو تشرح به فائدة الأسبرين في تقليل خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم.