قد يكون السبب الرئيسي لانخداعهم بهذه الحيلة السحرية الشائعة هو التشابه في بنية الجسم التشريحية بين الأفراد وليس تشاركهم روح الدعابة. ففي دراسة جديدة، اختبر فريق من علماء النفس إحدى خدع خفة اليد التي تسمَّى "فرينش دروب" على 3 أنواع من القرود التي تختلف في بنية أيديها، وتتضمن هذه الخدعة إخفاء جسم ما عندما يفترض المشاهد أن لاعب الخفة قد أخذ هذا الجسم من اليد الأولى بواسطة إبهام اليد الأخرى.
لكن القرود التي لا تملك إبهاماً معاكساً لم تقع في فخ الخدعة، وكانت على دراية بمكان وجود الحلوى التي حاول لاعب الخفة إخفاءها، فيما انطلت الخدعة على القرود التي تملك إبهاماً معاكساً. نُشرت نتائج هذه الدراسة في 4 أبريل/ نيسان في مجلة "كورنت بيولوجي" (Current Biology).
أهمية بنية لاعب الخفة في نجاح الخدعة
وتبيّن النتائج أن لاعب الخفة يجب أن يتمتع ببنية جسدية وتشريحية مشابهة لبنية الجمهور الذي يتفاعل معه لإتمام الخدعة بنجاح. قد يكون التشابه في القدرات الحركية والحيوية بين الأفراد أمراً ضرورياً لتوقع حركات الآخرين والتنبؤ بها. لكن على الرغم من محاولة المشاهد التنبؤ بدقة، يستطيع لاعب الخفة تنفيذ الخدعة بنجاح من خلال إرباكه وتضليله بفضل التقنيات التي يستخدمها.
اقرأ أيضاً: دراسة الأصوات التي تصدرها قرود الأورانغوتان قد تساعد في حل لغز تطور اللغات
يقول مؤلف الدراسة، إلياس غارسيا بيليغرين (Elias Garcia-Pelegrin) في بيان صحفي: "يستخدم لاعبو الخفة تقنيات معقدة لتضليل الجمهور وإيهامهم بأنهم يشاهدون شيئاً مدهشاً ومستحيلاً. إنها طريقة رائعة لدراسة نقاط الضعف في عمليات الانتباه والإدراك، فمن خلال دراسة تجربة القرود وردود أفعالها تجاه الخدع السحرية، يمكننا فهم كثير من الأمور المتعلقة بالجذور التطورية للعيوب الإدراكية التي تحد من قدرتنا على كشف الخدع السحرية".
يعمل غارسيا بيليغرين الآن أستاذاً لعلم النفس في الجامعة الوطنية في سنغافورة، وقد مارس السحر لمدة عقد من الزمن وأجرى هذه التجارب في أثناء دراسته للحصول على درجة الدكتوراة في جامعة كامبريدج.
ما هي خدعة فرينش دروب؟
خدعة "فرينش دروب" من أولى الخدع التي يحاول السَّحَرة المبتدئون تعلّمها وإتقانها؛ حيث يعرض لاعب الخفة عملة معدنية في يد، ثم يمد اليد الأخرى ليلتقط العملة وراحتها موجهة نحو الداخل وإبهامها مخفيّ وراء الأصابع. يدرك المشاهد أن الإبهام المخفي جاهز للإمساك بالعملة، لذلك يفترض أن لاعب الخفة قد التقط العملة به عندما تختفي. ثم يتحول انتباه المشاهد إلى اليد الثانية التي يعتقد أنها أصبحت تمسك العملة ولكنه يجدها فارغة، وفي هذه الأثناء يُسقط لاعب الخفة العملة سراً في راحة يده الأولى التي عرض العملة فيها بدايةً.
في هذه الدراسة التي أُجريت على القرود، حلّت قطع من الطعام محل العملات المعدنية، وقدم لاعب الخفة المكافآت للقرود التي خمّنت اليد الصحيحة فقط. قبل إجراء التجربة، توقع الفريق أن القرود التي تملك إبهاماً معاكساً ستتصرف مثل الإنسان وتفترض أن الإبهام المخفي قد أمسك بالحلوى، وبالتالي ستختار اليد الخاطئة.
اقرأ أيضاً: دراسة: الروابط الاجتماعية عند قرود الرّيص تزيد البكتيريا المعوية المفيدة لديها
أجرى الفريق هذه الخدعة على نحوٍ متكرر على 24 قرداً من ثلاثة أنواع؛ وهي قرود الكابوتشين (capuchins) والقرود السنجابية (squirrel monkeys) وقرود المارموزيت (marmosets). اختبر الباحثون 8 قرود من نوع الكابوتشين باستخدام الفول السوداني لمكافأتها، وتتميز هذه الأنواع بمهارة ملحوظة وتستخدم الحجارة لكسر الجوز في البرية. تستطيع قرود الكابوتشين أيضاً تحريك كل إصبع على حدة كما تتميز بوجود إبهام معاكس؛ ما يمنحها قبضة دقيقة تمسك الأشياء بإحكام بين الإبهام والأصابع الأخرى.
تمكّن لاعب الخفة من خداع القرود في 81% من المحاولات، واختارت القرود غالباً اليد الثانية الفارغة بدلاً من اليد الأولى التي أمسكت الطعام في البداية. وعلى الرغم من أن القرود السنجابية تتمتع بمهارة حركية أقل من قرود الكابوتشين، وقدرتها على تدوير الإبهام محدودة، فبإمكانها تحريكه في اتجاه الأصابع الأخرى للإمساك بالأشياء. ومع أنّ القرود السنجابية تستخدم الإبهام المعاكس بشكل طبيعي مع الأصابع الأخرى، فهي لا تتمتع بالقبضة الدقيقة التي تتمتع بها قرود الكابوتشين والبشر. اختبر الباحثون القرود السنجابية باستخدام ديدان الطحين، وخُدعت في 93% من المحاولات.
لا تملك قرود المارموزيت إبهاماً معاكساً؛ لكن لديها إبهاماً يتموضع إلى جانب الأصابع الأخرى لتصبح الأصابع الخمسة على سوية واحدة وتفصل بينها مسافات متساوية، وهذه الأصابع مثالية لتسلق جذوع الأشجار الثخينة. خُدعت هذه القرود في 6% فقط من المحاولات. وفي هذه التجربة، اختارت القرود اليد التي كانت تحمل قطع المارشميلو اللذيذة في البداية طوال التجربة.
اختبار قرد الكابوتشين باستخدام خدعة "فرينش دروب" المزيفة؛ حيث نُقل الطعام بالفعل من يد إلى أخرى، في جزء من التجربة. حقوق الفيديو: إلياس غارسيا- بيليغرين
دور البنية التشريحية للقرود في استجاباتها
حاول الفريق التوقف عن الخدعة من خلال نقل الحلوى من يد إلى أخرى بشكل فعلي وواضح، بدلاً من تضليل القرود واستخدام التوجيه الخاطئ. وعندها استطاعت قرود الكابوتشين والقرود السنجابية التنبؤ بالنتائج على نحوٍ صحيح وحصلت على مكافآتها، بينما فشلت قرود المارموزيت في ذلك. وكخطوة أخيرة؛ طوّر الفريق نسخة معدّلة من خدعة "فرينش دروب" وتُسمَّى "الإسقاط السريع" (Power drop). تتضمن هذه الحركة الإمساك بالأشياء بكامل قبضة اليد، وهي حركة يدوية يمكن أن تؤديها أنواع القرود جميعها لكن بدرجات متفاوتة. لاحظ الفريق أن هذه الطريقة خدعت أنواع القردة جميعها في معظم المحاولات.
اقرأ أيضاً: لماذا تعيش الببغاوات أعماراً طويلة؟
تقول المؤلفة المشاركة وعالمة النفس في جامعة كامبريدج، نيكولا كليتون (Nicola Clayton) في بيان صحفي: "ثمة أدلة متزايدة على أن أجزاء الجهاز العصبي التي نستخدمها عند قيامنا بعمل ما تنشط أيضاً عندما نشاهد شخصاً آخر ينفّذ العمل نفسه. ويمكن أن يفسر هذا التطابق في نظامنا الحركي العصبي سبب نجاح خدعة "فرينش دروب" مع قرود الكابوتشين والقرود السنجابية وفشلها مع قرود المارموزيت". يقول الفريق إن حركة الأصابع والإبهام تساعد على فهم الطريقة التي يشكّل بها الفرد أفكاره وافتراضاته عن العالم المحيط. وتقول كليتون: "يثير عملنا احتمالاً مثيراً للاهتمام بأن القدرة الجسدية الفطرية للفرد تؤثر بدرجة كبيرة في إدراكه وقدرته على تذكر الأشياء التي يراها والتنبؤ بالحركات اليدوية التي يؤديها الأفراد المحيطون به".