تتجاوز قيمة سوق المكملات الغذائية في الولايات المتحدة 50 مليون دولار. ازدادت شعبية جزء من هذه السوق، وهي سوق مكملات زيت السمك، في السنوات الأخيرة، وذلك بسبب الفوائد الصحية العديدة لهذا الزيت التي يُروَّج لها على ملصقات هذه المنتجات. مع ذلك، لم يتمكن الباحثون الطبيون من إثبات أن تناول أحماض أوميغا 3 الدهنية على شكل مكملات زيت السمك يوفر العديد من الفوائد للقلب والأوعية الدموية. وفقاً لدراسة نُشرت بتاريخ 23 أغسطس/ آب 2023 في مجلة الجمعية الطبية الأميركية لطب القلب (JAMA Cardiology)، يستمر مسوّقو زيت السمك بتقديم ادعاءات مبالغ فيها حول فوائد هذه المكملات على الرغم من غياب الأدلة الرصينة.
حمض السمك وعناصره الغذائية
يحتوي زيت السمك على نوعين من أحماض أوميغا 3 الدهنية، وهما حمض الإيكوسابنتاينويك (إي بي أيه) وحمض الدوكوساهكساينويك (دي آتش أيه)، يوجدان في بذور الكتّان والجوز والأسماك الدهنية مثل السلمون. ارتبط ارتفاع نسب هذين الحمضين بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين. مع ذلك، فإن هذه النتائج الرصدية تعتمد على تناول الحمضين من المصادر الطبيعية ضمن النظام الغذائي، وليس من المكملات الغذائية.
بيّنت دراسة نُشرت عام 2021 أجرتها المعاهد الصحية الوطنية أن مكملات زيت السمك التي لا يتطلب شراؤها وصفة طبية لا تحسّن صحة القلب والشرايين في الواقع. بالإضافة إلى ذلك، وجدت تجربة معشّاة أجريت على أكثر من 15 ألف مريض مصاب بمرض السكري أن احتمال الإصابة بالمشكلات القلبية الوعائية الخطيرة لم يختلف بقدر كبير بين المشاركين الذين تناولوا مكملات أوميغا 3 وأولئك الذين لم يتناولوها.
حلّل فريق من مركز ساوث ويسترن الطبي التابع لجامعة تكساس في مدينة دالاس في الدراسة الجديدة الادعاءات المتعلقة بالصحة الموجودة على ملصقات 2,819 مكملاً من مكملات زيت السمك، مأخوذة من قاعدة بيانات ملصقات المكملات الغذائية التابعة للمعاهد الصحية الوطنية.
احتوى أكثر من 80% من المكملات على ادعاءات متعلقة بالبنية والوظيفة. يصف هذا النوع من الادعاءات الدور الذي تؤديه أحماض أوميغا 3 الدهنية في الجسم بطريقة غامضة، مثل "دعم القلب والعقل والمزاج" أو "تعزيز صحة القلب".
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: انخفاض أوميغا 3 يزيد من خطر الذهان والاكتئاب
مزاعم بفوائد غامضة
راجع المؤلفون أيضاً الادعاءات الصحية المبرّرة، ووجدوا أن نسبة الملصقات التي تحتوي عليها تبلغ 19% فقط (399 ملصقاً). احتوى 394 ملصقاً منها على ادعاءات تتعلق بمرض القلب التاجي، واحتوت 3 ملصقات على ادعاءات متعلقة بضغط الدم، واحتوى اثنان على ادعاءات تتعلق بالحالتين السابقتين معاً. ترتبط هذه الادعاءات بقدرة المكمّل الغذائي على الإسهام في علاج مرض ما أو الوقاية منه، وتقدّمها إدارة الدواء والغذاء الأميركية بعد مراجعة الأدلة.
حالياً، لا يوجد سوى ادعاءين صحيّين مبررّين حول زيت السمك يتعلّقان بأمراض القلب والشرايين، يتعلق أحدهما بمرض القلب التاجي والآخر بضغط الدم. كتبت إدارة الدواء والغذاء في عام 2019: "تبيّن الأبحاث التي تدعم الادعاءات الصحية للأحماض الدهنية ولكنها لم تصل إلى نتائج حاسمة أن استهلاك حمضي أوميغا 3 الدهنيين إي بي أيه ودي آتش أيه قد يقللان من خطر الإصابة بمرض القلب التاجيّ".
مع ذلك، تذكر الوكالة أيضاً أن الادعاءات المتعلقة بالبنية والوظيفة لا يمكن أن تضمن أن المكملات الغذائية لديها القدرة على الوقاية من أي مرض أو علاجه أو تخفيف أعراضه؛ إذ إنها ببساطة "تصف دور المغذيات أو المكوّنات الغذائية التي تُستخدم للتأثير في البنية أو الوظيفة البشرية".
كتب متحدث باسم إدارة الدواء والغذاء رداً على طلب بوبيولار ساينس للتعليق على موضوع ملصقات مكملات زيت السمك الغذائية: "عموماً، لا تعلّق إدارة الدواء والغذاء على دراسات محددة، ولكنها تقيّمها بوصفها جزءاً من مجموعة متكاملة من الأدلة بهدف تعزيز فهمنا لقضية معينة ومساعدتنا على إنجاز مهمتنا المتمثّلة في حماية الصحة العامة. وتراجع الوكالة نتائج الدراسة الجديدة حالياً".
اقرأ أيضاً: نمط الحياة الصحي يمكنه إضافة أكثر من 5 سنوات لمتوسط العمر الافتراضي للإنسان
قالت أستاذة أمراض القلب والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، آن ماري نافار، لصحيفة واشنطن بوست: "صحيحٌ أن أحماض أوميغا 3 الدهنية توجد في الدماغ وتؤدي دوراً مهماً في الوظائف الدماغية على مختلف أنوعها. لكن ما لم يُثبت باتّساق ضمن التجارب العالية الجودة هو أن تناول كميات إضافية من هذه الأحماض على شكل مكملات زيت السمك الغذائية يؤدي إلى تحسين الأداء أو الوقاية من الأمراض".
أضافت نافار أيضاً أنها شعرت "بالقلق" عندما علمت في أثناء إجراء الدراسة أن ملصقات مكملات زيت السمك تتضمن غالباً ادعاءات حول الفوائد الصحية المتعلقة بمجموعة واسعة من الأعضاء الجسدية، مثل الدماغ والقلب والعينين.
اعترف المؤلفون بعدد من العيوب التي عانتها الدراسة الجديدة. تقدّم الشركات معلومات الملصقات الغذائية إلى قاعدة بيانات ملصقات المكملات الغذائية التابعة لمعاهد الصحة الوطنية طوعاً، ما يعني أن الدراسة الجديدة لم تكن شاملة. بالإضافة إلى ذلك، قيّم المؤلفون فقط المكمّلات الغذائية من أكبر 16 علامة تجارية لزيت السمك والادعاءات الصحية الموجودة على ملصقاتها، وليس المواد الترويجية.
اقرأ أيضاً: للتخسيس أو نمو العضلات: المكملات الغذائية تضر بالكبد وتدمره أحياناً
قالت متخصصة التغذية السريرية المعتمدة ومتخصصة التغذية الشاملة المُجازة، ميغان لايونز، لموقع هيلث لاين (Healthline): "إجراء دراسات التغذية بالطريقة الصحيحة صعب للغاية. يؤثّر الكثير من المتغيرات في صحة البشر، مثل الحالات الصحية المختلفة والمدخول الغذائي المتنوع وأنماط الحركة المختلفة وأنماط النوم والإجهاد المتفاوتة، وتسهم هذه المتغيرات جميعها في الصحة العامة للبشر".