لطالما كانت بيوت النحل مطمعاً للكائنات الحية، وقد استطاع البشر خداعها منذ آلاف السنين وتعلموا كيفية إدارتها بحكمة، للحصول منها على العسل والشمع المفيدين. ليس البشر فقط، فهناك العديد من الكائنات الأخرى التي ترصد بيوت النحل لتنعم بالعسل حتى وإن تعرضت لهجوم شرس من النحل، وقد عُرف عن النحل منذ القدم أنه كائن متعاون بطبيعته، لكن ربما لم يُدرك أحد أنه كائن ذكي لدرجة التفريق بين الأرقام الزوجية والفردية، وهذا ما كشفت عنه دراسة أجرتها مجموعة بحثية بقيادة "سكارلت هوارد" (Scarlett Howard)، ونُشرت في 29 أبريل/نيسان 2022 في دورية "فرونتيرز إن إيكولوجي آند إيفوليوشن" (Frontiers in Ecology and Evolution).
اقرأ أيضاً: على طريقة النحل: روبوت يمكنه تحريك جناحيه باستخدام عضلات اصطناعية
لماذا نهتم بنحل العسل؟
عرف البشر نحل العسل منذ آلاف السنين، ويعود أقدم استخدام موثق للعسل إلى العصر الحجري القديم، أي قبل 25 ألف عام، واهتموا بتربيته للحصول على شيئين مهمين، وهما:
العسل طيب المذاق
يحتوي عسل النحل على بعض السكريات الغنية بالطاقة مثل الفركتوز والجلوكوز، إضافة إلى العديد من الفيتامينات والمعادن الأساسية. وهناك العسل الذي يأتي من النحل البري، ويحتوي على نسبة عالية من البروتين. هذا يعني أنّ عسل النحل له قيمة غذائية عالية ومصدر مهم للطاقة. فضلاً عن مذاقه اللذيذ، ما جعل البشر مغرمين به.
شمع العسل
وهو مادة يصنعها النحل لتغليف اليرقات، ولها العديد من الاستخدامات منها كوقود في الشموع والمصابيح، وتُشير الأدلة التاريخية والأثرية إلى أنه كان يُستخدم في التحنيط وتغليف المومياوات.
النحل يفرق بين الأرقام الزوجية والفردية
تُرى كيف تستطيع التفريق بين الأرقام الزوجية والفردية؟ ربما عن طريق حفظ بعض الأساسيات مثل أنّ الأرقام الفردية الآحاد فيها هي: "1، 3، 5، 7، 9"، والآحاد في الأرقام الزوجية: "0، 2، 4، 6، 8". أو محاولة قسمة الرقم على 2، فإذا أعطت النتيجة رقماً صحيحاً، هذا يعني أنّ الرقم زوجي، أما إذا كانت النتيجة رقماً غير صحيح، فالرقم فردي. لكن على أي حال، إنّ البشر متميزون في التفريق بين الأرقام الزوجية والفردية بدقة وسرعة ويربطونها بردود أفعالهم، فقد اتضح أنّ البشر لديهم تحيزات فطرية خاصة بالأرقام، إذ يستجيبون للأشياء المتعلقة بالأرقام الزوجية باليد اليمنى، والأرقام الفردية باليد اليسرى. وهذا السلوك يُسمى بالتكافؤ.
وأشارت الدراسة إلى أنّ نحل العسل يستطيع التفريق بين الأرقام الزوجية والفردية، حيث يمكنه تعليم ترتيب الكميات وإجراء بعض العمليات الحسابية البسيطة مثل الجمع والطرح، ووجدوا أيضاً أن له قدرة على مطابقة الرموز مع الكميات.
تم تقسيم نحل العسل قيد الدراسة إلى مجموعتين لتدريبه على ربط الأرقام الزوجية بمياه السكر، والأرقام الفردية بسائل الكينين. ثم بدأ الباحثون في تدريبه للتفريق بين الأرقام الفردية والزوجية باستخدام بطاقات مطبوعة مرسوم عليها الأرقام من 1 إلى 10، وأخيراً استطاع النحل اختيار الإجابة الصحيحة بنسبة 80%. وأثناء التجربة، لاحظ الباحثون أنّ النحل يتعلم الأرقام الفردية بسرعة أكبر من تعلمه للأرقام الزوجية، على عكس البشر الذين ينحازون للأرقام الزوجية قبل الفردية.
بعد ذلك، بدأ الباحثون في اختبار كل نحلة وحدها على أرقام جديدة، واستطاعوا تصنيفها إلى أنها أرقام فردية بنسبة 70%. وخلصت الدراسة إلى أنّ أدمغة النحل قادرة على تصنيف الأرقام الفردية والزوجية.
هل عملية تصنيف الأرقام بسيطة؟
الدماغ البشري معقد للغاية، ويحتوي على 86 مليار خلية عصبية، لكن دماغ النحلة أقل تعقيداً ويتكون من 960 ألف خلية عصبية. لكن إذا كان البشر والنحل قادرين على التفريق بين الأرقام الزوجية والفردية، فهذا يعني أنّ مهمة تصنيف الأرقام إلى زوجية وفردية بسيطة. ما جعل الباحثون يلجؤون إلى التكنولوجيا للبحث في هذا الأمر عبر إنشاء شبكة عصبية اصطناعية مكونة من 5 ملايين خلية عصبية ثم قاموا باختبارها عن طريق النبضات من 0 إلى 40. وكان على الشبكة الاصطناعية تصنيفها، واستطاعت فعل ذلك بدقة 100%، ما يعني أنّ عملية تصنيف الأرقام لا تحتاج إلى دماغ كبير ومعقد.
لم يستطع الباحثون معرفة كيف استطاع النحل تصنيف الأرقام إلى زوجية وفردية، هل عن طريق عد العناصر ثم مطابقتها بالتصنيف الفردي والزوجي؟ أم أنه قادر على إجراء عملية القسمة؟ هناك العديد من الاحتمالات التي لم يتوصل إليها العلماء بعد، لكن أداء النحل لهذه المهمة قد يُساعد مستقبلاً في فهم كيفية عمل دماغ الإنسان.