قد يعتقد أي شخص يشاهد العالمة السويدية آنيا لوند وهي تتمرن مؤخراً على جهاز الخطوات الخاص بالتمارين الهوائية بأنها طريقة غريبة للحصول على اللياقة. حيث كانت تقوم بالخطوات وهي تحمل حقيبة كتف، والتي كان حزامها يقطر بالماء. في هذه الحالة، لقد كانت التمرينات أمراً ثانوياً للعلم. إذ لم تكن لوند تحاول أن تبذل جهدها في التمارين، بل كانت تحاول محاكاة المشي السريع تحت المطر.
وكانت الفكرة هي اختبار استجابة إحدى المواد التجريبية للرطوبة. وهذا هو السبب وراء قيامها بغمر حزام الحقيبة في مياه الصنبور، على أمل ألا يتوقف النسيج الخاص المولّد للكهرباء الذي طورته هي وفريقها عن إنتاج الطاقة عندما يكون رطباً، بل من شأنه أيضاً أن يصبح أقوى. وقد نجح الأمر في كلتا الحالتين.
وقالت: "إن السبب في تركيزنا على تشغيلها تحت الماء هو أن معظم المنسوجات الإلكترونية قد يؤدي تركيبها إلى توقفها عن العمل عندما تكون رطبة. ومن أجل الاستخدام العملي، فمن المهم أن يتحمل هذا النسيج كلاً من الطقس الرطب والغسيل، كما هو متوقع من المنسوجات الأخرى. ويمكن استخدام المنسوجات الخاصة بنا في حزام الكتف، ولكن يمكن إنتاجها أيضاً على نطاق أوسع واستخدامها في مواد التنجيد أو الحصائر أو كمواد مالئة في البنى المركبة. وكلما كانت المنسوجات أكبر، كلما زادت الطاقة التي ستنتجها".
ولا يعدّ مفهوم الإلكترونيات القابلة للارتداء أو المنسوجات الإلكترونية مفهوماً جديداً، ولكن الجهود مستمرة لتحسينها باستخدام مصادر طاقة عملية ومبتكرة، الأمر الذي أصبح أكثر أهمية الآن. وقد دفع تغير المناخ الباحثين إلى محاولة ابتكار مصادر طاقة نظيفة وجديدة والتي تؤكد على الراحة والفائدة والاستدامة، وخاصة الخيارات الجديدة للبطاريات. فالبطاريات القلوية التقليدية أو بطاريات الليثيوم أيون عادة ما ينتهي بها المطاف في أكوام النفايات، حيث تكون عرضة لخطر تسريب المواد السامة إلى التربة. كما أنها ثقيلة وضخمة الحجم وصلبة، مما يجعلها مرهقة في الاستخدام.
وتعمل عدة مجموعات من العلماء - باستخدام أساليب مختلفة - على تصميم بدائل وظيفية للبطاريات التقليدية باستخدام النسيج أو الخيوط. ويقول تشوني تشي - عالم المواد في جامعة سيتي في هونغ كونغ، والذي قام فريقه بإنتاج بطارية قابلة لإعادة الشحن مصنوعة من خيوط مضادة للماء ويمكنها الاستمرار في العمل حتى إذا تم تقطيعها إلى قطع صغيرة: "لقد قمنا بتطوير بطاريات خيطية عالية الأداء وقابلة للارتداء والتمدد ويمكن نسجها في منسوجات ذكية. ويمكن دمجها بسهولة بالإلكترونيات المرنة والأقمشة الذكية والملابس الذكية"، وتحافظ على طاقتها حتى عندما "تنثني أو تتمدد أو ترتطم أو حتى عند غسلها في الماء".
وقامت لوند وزميلها كريستيان مولر – وكلاهما باحثان في جامعة شالمر للتكنولوجيا في السويد - بإعداد نسيج يحول الطاقة الحركية إلى كهرباء، ويعمل في الواقع بشكل أفضل عندما يكون رطباً، بمعنى أن الشخص الذي يرتدي النسيج يمكنه توليد الطاقة من خلال السير تحت المطر. وتقول لوند: "ألن يكون من الرائع أن تستخدم سترتك أو جواربك كمصدر للطاقة، وذلك فقط من خلال ارتدائها أثناء القيام بمهامك اليومية؟"
تعتمد التقنية المستخدمة من قبل مجموعة لوند لنسيجها المحبوك على التأثير الكهربائي الإجهادي، أي توليد الكهرباء عندما تتعرض المواد للتمدد أو الانضغاط. وأنتجت نسيجها بعد غزل بوليمر مع خيوط موصلة للكهرباء. وقالت: "وجدنا بأن غزل الألياف هو وسيلة رائعة للقيام بذلك، لأنه يستدعي شد المادة عدة مرات".
تتكون المادة الكهربائية الإجهادية من 24 ليفاً، ويكون كل منها رقيقاً مثل خصلة الشعر. وعندما تصبح رطبة، فإن الرطوبة تحسن الاتصال الكهربائي بين الألياف وتصبح أكثر كفاءة. وعلاوة على ذلك، تقول بأنه "كلما كان الوزن المعبأ في الحقيبة أثقل، وكلما زادت أجزاء الحقيبة التي تتكون من نسيجنا، كلما زادت كمية الطاقة الكهربائية التي نحصل عليها".
وأضافت: "بمجرد تطوير الألياف، بدأنا نبحث عن تطبيقات عملية لها. ووجدنا بأنه يمكنها أن تعمل كمستشعرات، فعلى سبيل المثال، إذا قمت بنسج حزام من النسيج ووضعته حول الصدر، فإن النسيج سوف يقوم باستشعار الحركات الصغيرة الناجمة عن ضربات القلب، وسيولد إشارات كهربائية رداً على ذلك".
التحدي الوحيد المتبقي للفريق السويدي قبل التنفيذ العملي ينطوي على الربط بين المنسوجات اللينة والإلكترونيات التقليدية الصلبة، مثل الساعات وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية. وقالت لوند بأنهم يعملون على "كيفية ربط هذين الأمرين بدون إتلاف النسيج، أو دون تدمير الإلكترونيات التقليدية بواسطة المياه".
بالنسبة لبطارية الخيوط القابلة لإعادة الشحن، قام العلماء الصينيون بتحويل ألياف الكربون النانوية إلى خيوط، ثم غلفوا قطعة واحدة من الخيوط بالزنك لتشكيل قطب كهربائي موجب، وغلفوا الأخرى بأكسيد المغنيسيوم لتشكيل قطب كهربائي سالب. ثم قاموا بلف القطعتين مثل حلزون مزدوج. وقال الباحثون بأن البطارية كانت مستقرة وقابلة لإعادة الشحن ومقاومة للماء. ويمكن أيضاً تقطيعها إلى عدة أجزاء، كل منها يمكنه أن يشغل الساعة.
وقال تشي: "بالمقارنة مع بطاريات الليثيوم أيون التقليدية التي تعاني من مشاكل جوهرية في السلامة والتكلفة، يمكن أن تعمل بطارية الخيوط هذه بشكل جيد في ظل ظروف قاسية مختلفة بما في ذلك القطع أو الانثناء أو التمدد أو حتى الغمر بالماء، مما يدل على أداء محسّن بشكل كبير من ناحية السلامة، وقدرة جيدة على التماسك، وقدرة عالية على التمدد وأداء ممتاز من ناحية المقاومة للماء. فبعد غمرها في الماء لمدة 12 ساعة، احتفظت البطارية بنسبة 96.5 في المئة من قدرتها المبدئية."
ووصف العلماء السويديون أعمالهم في بحث حديث نُشر في دورية Flexible Electronics. وظهرت دراسة علماء هونج كونج في عدد حديث من دورية ACS Nano، وهي إحدى نشرات جمعية الكيمياء الأميركية.
ويعتقد كلا الفريقين من الباحثين بأن بطارياتهم المبتكرة يمكن تحسينها بسهولة للاستخدام واسع النطاق بتكلفة معقولة. وعلى الرغم من التكنولوجيا المتقدمة التي تقوم عليها المواد الكهربائية الإجهادية، إلا أن التكلفة منخفضة نسبياً بالمقارنة مع سعر مادة جور تكس على سبيل المثال، وهي مادة مقاومة للماء وتسمح بمرور الهواء وتستخدم في الملابس الرياضية، كما تقول لوند. وتضيف: "يمكن نسج الخيوط بواسطة النول الصناعي، كما أنها مقاومة للتآكل بما يكفي للتعامل مع الظروف القاسية للإنتاج الضخم".
وقال تشي بأن المعدات اللازمة لإنتاج بطارية الخيوط بكميات كبيرة متاحة على نطاق واسع وغير مكلفة. كما أن المواد الخام هي أيضاً منخفضة السعر، بالإضافة إلى كونها آمنة وصديقة للبيئة. وقال: "من الصعب تقدير تكلفة زيادة هذه البطاريات، لكن التكلفة يجب أن تكون أقل من بطاريات الليثيوم أيون التقليدية لأن بطارية الخيوط تستخدم مواد منخفضة التكلفة".
تكتب مارلين سايمنس لموقع Nexus Media، وهو وكالة مرموقة تغطي المناخ والطاقة والسياسة والفن والثقافة.