هل تشكيل التحالفات الاستراتيجية المعقّدة حكر على البشر؟

هل تشكيل التحالفات الاستراتيجية المعقّدة حكر على البشر؟
حقوق الصورة: ديبوزت فوتوز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أذهلتنا الدلافين لعقود بحركاتها البهلوانية ووجوهها المرحة والجذّابة وذكائها. والآن، اكتشف الباحثون المزيد من المعلومات عن الشبكات الاجتماعية المعقّدة التي تشكّلها هذه الحيوانات.

بعد البشر: أكبر شبكات التحالف لدى الدلافين

وجدت دراسة نشرت في 29 أغسطس/ آب 2022 في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم أن ذكور الدلافين قارورية الأنف تشكل أكبر شبكات التحالف متعددة المستويات بعد البشر. يشكّل البشر تحالفات لأسباب استراتيجية متنوعة (سواء اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية وغيرها). ويبدو أن الدلافين تشكّل علاقات استراتيجية معقّدة شبيهة مع بعضها. قال فريق العلماء الدولي إن هذه العلاقات التعاونية التي تتشكّل بين جماعات الدلافين تزيد من قدرة الذكور على الحصول على أحد الموارد التي يتم التنازع عليها، وهي الإناث.

نظر الباحثون من جامعة بريستول وجامعة زيورخ وجامعة ماساتشوستس في البيانات المتعلقة بالترابط والاقتران (أو علاقات التزاوج قصيرة الأمد) لنمذجة بنية التحالفات بين 121 ذكراً بالغاً من الدلافين قارورية الأنف التي تعيش في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في خليج القرش. يعتبر هذا الخليج أحد مواقع التراث العالمي التي حدّدتها منظّمة اليونيسكو، ويقع في منطقة غاسكوين (Gascoyne region) غرب أستراليا ويحتوي على العديد من “السمات الطبيعية الاستثنائية مثل أحد أكبر مروج الأعشاب البحرية وأكثرها تنوّعاً حيوياً في العالم”، وفقاً للمنظّمة.

تحالف في سبيل التزاوج

وجد فريق الباحثين أن ذكور الدلافين التي تعيش في هذا الخليج تشكّل تحالفات من المرتبة الأولى تتألف من ذكرين أو 3 ذكور سعياً لتشكيل هذه العلاقات التزاوجية قصيرة الأمد مع الإناث بشكل تعاوني. تتنافس الذكور التي تشكل التحالفات من الرتبة الثانية، والتي تتألف من 14 ذكراً لا تجمعها علاقة ببعضها، مع الجماعات الأخرى على إناث الدلافين. تشكّل الدلافين أيضاً تحالفات من المرتبة الثالثة، وهي تتألف من ذكور التحالفات ثنائية المرتبة المتعاونة.

في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، اكتشف نفس فريق الباحثين أن ذكور الدلافين البالغة تتجول في أزواج أو مجموعات تتألف من 3 ذكور، وتتعاون “لتجميع” الإناث العزباء المستعدة للحمل. رصد الباحثون أولاً مجموعتين تتعاونان لمهاجمة مجموعة أخرى من الدلافين، ما يبيّن أن الدلافين تشكّل جماعات فرعية ضمن التحالفات الأوسع، تماماً مثل البشر.

قالت ستيفاني كينغ (Stephanie King)، المؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة وأستاذة العلوم الحيوية المساعدة في جامعة بريستول في بيان صحفي: “التعاون بين الحلفاء شائع للغاية في المجتمعات البشرية، وهو يعتبر أحد أهم أسباب نجاح نوعنا”، وأضافت: “كنا نعتقد من قبل أن قدرتنا على تشكيل علاقات استراتيجية تعاونية على عدة مستويات اجتماعية، مثل التحالفات التجارية والعسكرية على الصعيدين الوطني والدولي، هي ميزة تخصّنا كبشر. لكننا لم نبيّن فقط أن ذكور الدلافين قارورية الأنف تشكّل شبكات التحالفات متعددة المستويات الأكبر بعد البشر، بل بيّنا أن العلاقات التعاونية بين الجماعات المختلفة، بدلاً من حجم التحالف، تتيح للذكور قضاء المزيد من الوقت مع الإناث، ما يزيد من احتمال نجاحها في التكاثر”.

يبين بحث نُشر عام 2021 أن ذكور الدلافين تتعاون بشكل كبير مع جميع الحلفاء التي ساعدتها بشكل متسق من قبل، حتى إذا لم تكن مقرّبة منها. بالإضافة إلى ذلك، لم تتعاون هذه الذكور مع الذكور التي لم تساعدها بشكل متسق من قبل، حتى ولو كانت أصدقاء حينها. يبين ذلك أن الدلافين تشكّل مفاهيم اجتماعية تتعلق بـ”الانتماء لفريق”، وتحدّد الحلفاء وفقاً للتعاون المشترك في الماضي.

أصول تطورية

اعتقد العلماء من قبل أن التعاون بين الجماعات لدى البشر هو سلوك فريد ويعتمد على تشكّل الروابط الثنائية والرعاية الأبوية من قبل الذكور. وهاتان السمتان هما اللتان تميّزان البشر المعاصرين عن أسلافهم. يقول ريتشارد كونر (Richard Connor)، المؤلف المشارك للدراسة الجديدة والأستاذ الفخري في جامعة ماساتشوستس (والذي يعمل حالياً في جامعة فلوريدا الدولية): “تبيّن النتائج الجديدة أنه يمكن تشكيل التحالفات بين الجماعات دون وجود هاتين السمتين نتيجة وجود نظام اجتماعي ونظام تزاوج يشبه الأنظمة التي تسود جماعات الشمبانزي”.

اعتمدت الدراسة الجديدة على أبحاث أجريت لمدى 40 سنة على دلافين خليج القرش، ونشرت في الذكرى الثلاثين لنشر نفس الفريق اكتشافه أن ذكور الدلافين تشكل تحالفات من مستويين مختلفين.

قال مايكل كروتزن (Michael Krützen)، أحد مؤلفي الدراسة ورئيس معهد الأنثروبولوجيا في جامعة زيورخ في بيان صحفي: “من النادر أن يتم إجراء بحث غير متعلق بالرئيسيات في قسم الأنثروبولوجيا”، وأضاف: “لكن دراستنا تبين أنه يمكن استنباط الرؤى المهمة المتعلقة بتطوّر سمات كان يعتقد سابقاً أن البشر يتفرّدون بها من خلال دراسة التصنيفات الأخرى الاجتماعية والتي تتمتّع بأدمغة كبيرة”.