كيف تؤثر المواد الكيميائية صعبة التفكك على مستهلكي الأسماك؟

كيف تؤثر المواد الكيميائية صعبة التفكك على الأسماك ومستهلكيها؟
قد يكون من الأفضل أن تتجنب تناول أسماك الباس إذا كنت مقيماً في الولايات المتحدة. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على الرغم من أن تناول المنتجات الطازجة المحلية مفيد للبيئة، فإن تناول أسماك المياه العذبة التي تم اصطيادها محلياً قد يكون أكثر خطورة على الصحة مما كنا نعتقد، فقد وجدت دراسة من شركة إنفايرومنتال وركينغ غروب (Environmental Working Group) أن أسماك المياه العذبة في الولايات المتحدة تحتوي على مستويات خطرة من “المواد الكيميائية الأبدية” مثل المركب الذي يحمل اسم حمض بيرفلورو أوكتان السلفونيك (Perfluorooctane sulfonic acid). وينتمي هذا المركب إلى مجموعة من المواد الكيميائية المضافة التي تحمل اسم مركبات بير فلورو ألكيل وبولي فلورو ألكيل، (أو بير وبولي فلورو ألكيل، أو بي إف أيه إس اختصاراً).

اقرأ أيضاً: كيف يتذكر سمك الدانيو المخطط طريق العودة إلى موطنه؟

التلوث بالمواد الكيميائية الأبدية

قال كبير العلماء في شركة إنفايرومنتال وركينغ غروب والمؤلف المشارك الرئيسي للدراسة الجديدة، ديفيد أندروز (David Andrews) في رسالة عبر البريد الإلكتروني لموقع بوبيولار ساينس: “يطلق على مركبات بير فلورو ألكيل وبولي فلورو ألكيل اسم المواد الكيميائية الأبدية لأنها لا تتحلل في الطبيعة وتتراكم حيوياً عادة في أجسام البشر والحيوانات الأخرى مثل الأسماك”، وأضاف: “كانت هذه المركبات المكونات الأساسية في منتج سكوتش غارد (ScotchGard) من شركة ثري إم (3M). بالإضافة إلى ذلك، تم استخدامها في صنع بعض المنتجات الأخرى مثل الرغوة المائية الغشائية التي تستخدم لإخماد الحرائق. ويُعتبر مركب حمض بيرفلورو أوكتان السلفونيك واحداً من آلاف مركبات بير فلورو ألكيل وبولي فلورو ألكيل الموجودة في الطبيعة”.

خطورة مركبات بير فلورو ألكيل وبولي فلورو ألكيل

حمض بيرفلورو أوكتان السلفونيك هو واحد فقط من أنواع مركبات بير فلورو ألكيل وبولي فلورو ألكيل التي لوثت مصادر مياه الشرب وتراكمت في أجسام الأسماك والماشية ومنتجات الحليب والحيوانات التي يتم صيدها. ووجد مؤلفو الدراسة الجديدة أن تناول سمكة واحدة سنوياً يكافئ شرب المياه التي تحتوي على نسبة من حمض بيرفلورو أوكتان السلفونيك تساوي 48 جزءاً من تريليون جزء لمدة شهر واحد.

قال أندروز في بيان صحفي: “الأشخاص الذين يتناولون أسماك المياه العذبة، وخصوصاً الذين يصطادون الأسماك ويتناولونها بشكل منتظم، أكثر عرضة لأن تحتوي أجسامهم على مستويات مثيرة للقلق من مركبات بير وبولي فلورو ألكيل”، وأضاف: “قمت باصطياد الأسماك وتناولها بشكل أسبوعي في طفولتي؛ ولكن الآن كل ما أفكر فيه عند رؤية الأسماك هو تلوثها بهذه المركبات”.

اقرأ أيضاً: على طريقة مناعة القطيع: شعاب مرجانية يمكن أن تنقذ أنوعاً أخرى مهدّدة بالخطر

ووفقاً لمؤلفي الدراسة؛ تدعم النتائج الجديدة الدعوات لتطبيق إجراءات رقابية أكثر صرامة على استخدام مركبات بير وبولي فلورو ألكيل، وإجراء المزيد من الاختبارات على الأسماك. كما أن الدراسة الجديدة تثير بعض المخاوف المتعلقة بالعدالة البيئية في المجتمعات التي تعتمد على تناول أسماك المياه العذبة؛ مثل القبائل الأميركية الأصلية.

وجدت الدراسة أن الكميات المتوسطة لمركبات بير وبولي فلورو ألكيل في أسماك المياه العذبة كانت أكبر بـ 280 مرة من كمية المواد الكيميائية الأبدية التي وجدت في بعض أنواع الأسماك التي يتم اصطيادها وبيعها وتجارياً. ووفقاً لبيانات الاختبارات التي أجريت في الدراسة؛ يمكن أن يؤدي تناول وجبة واحدة من أسماك المياه العذبة إلى التعرض لكمية من مركبات بير وبولي فلورو ألكيل تقارب تلك التي يتم التعرض لها عند تناول الأسماك التي يمكن شراؤها من المتاجر يومياً لمدة سنة.

قال نائب الرئيس الأول للشؤون الحكومية في شركة إنفايرومنتال وركينغ غروب، سكوت فيبر (Scott Faber) في بيان صحفي: “هذه النتائج الجديدة صادمة”، وأضاف: “يكافئ تناول سمكة واحدة من نوع أسماك الباس شرب المياه الملوثة بحمض بيرفلورو أوكتان السلفونيك لمدة شهر واحد”.

قام مؤلفو الدراسة بتحليل البيانات المأخوذة من أكثر من 500 عينة من شرائح السمك التي تم جمعها بين عاميّ 2013 – 2015 ضمن البرامج الرقابية التي أجرتها وكالة الحماية البيئية الأميركية إلى جانب مسح تقييم الأنهار والمجاري المائية الوطنية ودراسة أنسجة شرائح الأسماك في البحيرات العظمى لصحة الإنسان.

اقرأ أيضاً: لم تكتفِ بالصحة: الانبعاثات الكيميائية تغير السلوك الإنساني والحيواني

المزيد من التلوث البيئي والأمراض

قالت كبيرة العلماء في شركة إنفايرومنتال وركينغ غروب والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، تاشا ستويبر (Tasha Stoiber) في بيان صحفي: “لوثت مركبات بير وبولي فلورو ألكيل الأسماك عبر الولايات المتحدة. وتحتوي الأسماك التي تعيش في البحيرات العظمى وتلك التي يتم اصطيادها في المناطق الحضرية على الكمية الأكبر من هذه المركبات”، وأضافت: “لا تتحلل هذه المركبات عند رمي المنتجات التي تحتوي عليها في القمامة أو المجاري المائية. وتبين دراستنا أن التخلص من هذه المنتجات بالطرق الأكثر شيوعاً قد يؤدي إلى المزيد من التلوث البيئي في نهاية المطاف”.

يمكن أن يرفع تناول الأسماك الملوثة بحمض بيرفلورو أوكتان السلفونيك من مستويات مصل الدم لدى البشر. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الاستهلاك غير المتكرر لأسماك المياه العذبة الملوثة إلى ارتفاع نسبة هذا الحمض في الجسم. وجد تقرير صدر عن الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب أن المواد الكيميائية التي تنتمي لعائلة مركبات بير وبولي فلورو ألكيل ترتبط بالإصابة بالسرطان وارتفاع نسب الكولسترول في الدم والعديد من الأمراض المزمنة المختلفة، بالإضافة إلى أنها ترتبط بانخفاض استجابة الأجسام المضادة للقاحات لدى الأطفال والبالغين.

قالت طالبة الدراسات العليا في جامعة ديوك والباحثة الرئيسية في الدراسة الجديدة، نادية باربو (Nadia Barbo) في بيان صحفي: “إن نسبة تلوث الأسماك بمركبات بير وبولي فلورو ألكيل مذهلة”، وأضافت: “يجب صوغ إرشادات وقائية موحدة تتعلق باستهلاك أسماك المياه العذبة عبر البلاد”.

في أوائل العقد الأول من القرن الجاري، وافق مختلف الشركات في الولايات المتحدة على التوقف عن استخدام مركبات بير وبولي فلورو ألكيل طوعاً. مع ذلك، يمكن أن يحتوي بعض المنتجات المستوردة على هذه المركبات. قررت إدارة الغذاء والدواء منع استخدام حمض بيرفلورو أوكتان السلفونيك في صنع أغلفة المواد الغذائية في عام 2016. ومع ذلك، فوفقاً لتقديرات شركة إنفايرومنتال وركينغ غروب؛ من المحتمل أن عدد مصادر التلوث الصناعي بمركبات بير وبولي فلورو في الولايات المتحدة ألكيل يتجاوز 40 ألف مصدر.

قال فيبر: “لعقود من الزمن، ألقت هذه المصادر كميات كبيرة من مركبات بير وبولي فلورو ألكيل في الأنهار والمجاري المائية والبحيرات والخلجان دون أي رقابة أو عواقب. يجب علينا أن نوقف هذا التلويث الناجم عن المصادر الصناعية والذي يؤثر في عدد متزايد من الأميركيين كل يوم”.

اقرأ أيضاً: اختلاط الحيوانات البرية بالبشر جعلها لا تخشى الإفتراس

بالإضافة إلى حمض بير فلورو الأوكتانويك (بي إف أو أيه)، يُعتبر حمض بيرفلورو أوكتان السلفونيك من مركبات بير وبولي فلورو ألكيل طويلة السلسلة؛ التي تتألف من سلاسل ثمانيّة الكربون (أي التي تحتوي كل سلسلة منها على 8 ذرات من الكربون). وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها؛ يوجد أكثر من 9 آلاف نوع من مركبات بير وبولي فلورو ألكيل في الطبيعة ويمكن تحويل سلاسل المركبات ثمانية الكربون إلى سلاسل رباعية الكربون وسداسية الكربون. يقول بعض الخبراء إن هذه المركبات الجديدة يمكن أن تتمتع بالكثير من التأثيرات الصحية السلبية التي تتمتع بها المركبات ذات السلاسل ثمانيّة الكربون؛ ما يعرّض المستهلكين والبيئة لخطرها أيضاً.

يُعتبر تجّنب التعرض لهذه المركبات مستحيلاً نوعاً ما، وذلك لأنها توجد في مختلف المنتجات من أدوات الطهو والملابس إلى السجاد. تم الكشف عن دلائل تبين وجود مركبات بير وبولي فلورو ألكيل في 52% من مستحضرات التجميل التي تم اختبارها في دراسة أُجريت عام 2021. وجد الباحثون أيضاً أن الطلاء الذي يستخدم في صنع المقالي غير اللاصقة؛ والذي يحتوي على مركب يحمل اسم متعدد رباعي فلورو الإيثيلين، هو المادة المضافة الأكثر شيوعاً.