بعد تفشي وباء فيروس كورونا؛ ازداد الحديث عن تفشي وباء آخر في الهند يحصد أرواح نصف المصابين به، كما أنه تسبب في وفاة الفنان المصري الشهير؛ سمير غانم. يَعرف هذا الوباء بالفطر الأسود، فما صحة هذه الأقاويل؟ وهل له علاقة بفيروس كورونا؟
حقيقة وفاة الفنان سمير غانم بسبب الفطر الأسود
توفي الفنان المصري «سمير غانم» عن عمر يناهز الـ84 عاماً، على إثر إصابته بفيروس كورونا، وانتشرت أنباء تفيد بأن سبب وفاته هو إصابته بـ «الفطر الأسود» الذي انتشر مؤخراً في الهند، وكان شقيقه «حسام غانم»، قد أكد أن الفنان الراحل كان مصاباً بكورونا؛ لكنه تخطى الإصابة، وأُصيب بفشل كلوي حاد بعدها، ثم أُُصيب بمرض الفطر الأسود في عينيه قبل وفاته مباشرةً، ونفى الفنان «حسن الرداد»؛ زوج الفنانة «إيمي سمير غانم» ابنة الراحل، ما قيل عن وفاة سمير غانم جرّاء الإصابة بفيروس كورونا، وقال إن السبب الحقيقي للوفاة هو تدهور وظائف الكلى التي تدمرت تماماً بحكم حالتها السيئة المسبقة، ومعاناة الفقيد من مشكلات مزمنة بها.
ونفت وزارة الصحة المصرية تلك المزاعم، وأكدت أنها لم تسجل حتى الآن أية حالة إصابة بالفطر الأسود في مصر بالنسبة لمرضى كورونا، وأنه لا صحة لما يتم تداوله بشأن انتشار سلالة الفطر الأسود في مصر بين مصابي كورونا.
ما هو مرض الفطر الاسود؟
الفطر الأسود ليس مرضاً جديداً، ويُعرف علمياً باسم «Mucormycosis»، ويسبب عدوىً فطريةً خطيرةً نادرةً حسب مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأميركي. ينتشر في البيئة من حولنا؛ خاصةً في التربة والمواد العضوية المتحللة؛ مثل الأوراق والسماد والخشب الفاسد، ويصيب الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية، أو يتناولون أدوية تقلل من مناعة الجسم؛ كالأشخاص الذين سيخضعون لعمليات زراعة الأعضاء أو زراعة الخلايا الجذعية أو مرضى السكري. يصيب الفطر الأسود الجيوب الأنفية أو الرئتين بشكل أساسي بعد استنشاق أبواغه «وحدات التكاثر الفطرية» من الهواء، ويمكن أن يصيب الجلد أيضاً؛ خاصةً في حال وجود جروح أو حروق.
تختلف أعراض الإصابة بالفطر حسب مكان الإصابة في الجسم، فإذا أصاب الدماغ، يعاني المريض من تورم الوجه من جانب واحد، والصداع، واحتقان الأنف أو الجيوب الأنفية، وظهور بقع سوداء على الأنف أو الجزء العلوي من الفم؛ والتي سرعان ما تصبح أكثر حدةً، بالإضافة إلى الحمى، أما إذا أصاب الفطر الرئتين؛ تتلخص الأعراض بالحمى والسعال وآلام الصدر وقصور التنفس، ويكون على شكل بثور أو قرحات إذا أصاب الجلد، وقد تتحول المنطقة المصابة إلى اللون الأسود، ويعتمد علاجه على إعطاء المضادات الفطرية، أو استئصال العضو المصاب أو جزء منه، وهو غير معدٍ؛ لا ينتقل من شخص إلى آخر.
يمكن أن ينتشر المرض إلى الدماغ بعد إصابة الجلد أو العينين أو الرئتين؛ وذلك عبر غزو الأوعية الدموية، مسبباً النخر أو موت الأنسجة، وتحولها إلى اللون الأسود. في الحالات الشديدة من العدوى؛ قد يفقد المريض بصره، أو تحدث له فجوة في الوجه، كما ويحصد المرض أرواح 54% من المصابين به.
انتشر أولاً في الهند
يكافح النظام الصحي في الهند لإنقاذ الأرواح، مع ازدياد تفشي وباء كورونا مؤخراً، وما زاد الطين بلّةً هو انتشار الإصابات بالفطر الأسود؛ خاصةً عند الناس الذين يتعافون من كورونا؛ على الرغم من أنه على مدى السنوات العشر الماضية، لم تشهد البلاد سوى عدد قليل من حالات الإصابة بهذا الفطر.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية؛ تم الإبلاغ عن الآلاف من حالات الإصابة بعدوى الفطر الأسود في جميع أنحاء البلاد؛ حيث تسببت بنقل المئات إلى المستشفيات، ووفاة 90 شخصاً على الأقل، وأعلنت ولايتان في الهند أن هذا المرض يعد وباءً، وجعلته الحكومة الهندية المركزية مرضاً يمكن الإبلاغ عنه.
يبلغ معدل الإصابة بهذا الفطر 1.7 في المليون؛ لكنه أكثر انتشاراً في الهند بـ70 مرة، والسبب أن المرض يصيب مرضى السكري على نحو خاص؛ حيث تزيد نسبة المصابين بالسكري في الهند؛ والبالغة 12% إلى 18% من السكان البالغين، من نسبة الإصابة بالفطر الأسود. بالإضافة إلى مناخ الهند الاستوائي المساعد على انتشار الفطريات، و التأخر في طلب المرضى للعناية الطبية، وتعمل شركات الأدوية الهندية الآن بأقصى طاقتها لتصنيع أكبر قدر ممكن من المضادات الفطرية لعلاج المرض.
العلاقة بين الفطر الأسود وكورونا
إن الأشخاص الذين يعانون من كورونا أو تعافوا منه، أكثر عرضةً لخطر الإصابة بالفطر الأسود، بسبب رد الفعل المناعي أو الالتهاب الموضعي في الجيوب الأنفية، وبسبب زيادة استخدام العلاج الكيميائي و الأدوية الستيروئيدية في علاج بعض مرضى كورونا، كما أن مرضى كورونا هم أكثر عرضةً للإصابة بالعدوى، لأن أجهزتهم المناعية مشغولة في محاربة فيروس كورونا.
أجرى باحثون دراسةً صغيرةً حديثةً حول الأمر، وخلصوا إلى أن مرضى كورونا المصابين بداء السكري، والذين عولجوا بأدوية الستيروئيد، لديهم خطر متزايد بشكل كبير من التعرض للعدوى بالأمراض الفطرية؛ من بينها الفطر الأسود؛ وذلك بسبب مستويات سكر الغلوكوز العالية في الدم، ومن الالتهابات الفطرية الشائعة الأخرى التي يمكن أن تصيب المتعافين من كورونا: داء المبيضات، وداء النوسجات الشائع في شرق ووسط الولايات المتحدة.
الدول العربية تنفي تسجيل إصابات بالفطر الأسود
بالعودة إلى مصر؛ نفى مسؤولون في وزارة الصحة وجود حالات في البلاد مصابة بالفطر الأسود، وأكد الدكتور«محمد عوض تاج الدين»؛ مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية، أنه لم يتم رصد أو ظهور أية حالات إصابة بالفطر الأسود؛ سواء بين مرضى فيروس كورونا أو من تعافوا منه؛ وهذا ما أكده الدكتور «محمد عبد الفتاح» أيضاً؛ لكن قال الدكتور «أشرف عقبة»؛ رئيس أقسام الباطنة والمناعة بجامعة عين شمس: «يتم تشخيص الإصابة بالفطر الأسود خلال الفترات الماضية في المستشفيات المصرية من قبل التعرف على السلالة الهندية؛ حيث انتشر الفطر هناك بعد ارتفاع الإصابات بهذا الشكل الصعب، والعلاج العشوائي باستخدام الكورتيزون».
وفي الدول العربية الأخرى؛ لم ترصد وزارة الصحة السعودية أية إصابات بمرض الفطر الأسود في المملكة، وأكد «محمد العبد العالي» المتحدث باسم الوزارة، في مؤتمر صحفي: «عدم الارتباط بين الفطر الأسود وفيروس كورونا»؛ مشدداً على «عدم رصد أية حالات للفطر الأسود بين المصابين بفيروس كورونا داخل المملكة»، وفي البحرين، قال وكيل وزارة الصحة المساعد الدكتور «عبد الله مفرح عسيري»: «ما يشاع عن أن الإصابات بالفطر الأسود مرتبطة بكوفيد-19 في مملكة البحرين غير صحيح».
وفي تونس، أكد الدكتور «أمين فوزي سليم»؛ المختص بالبيولوجيا الطبية، أن البلاد لم تسجل حالات بمرض الفطر الأسود الذي ظهر مؤخراً في الهند؛ مؤكداً امتلاك بلاده المخزون الكافي من الأدوية لمقاومة هذا المرض. وشدد الدكتور «جوليان سنكري»؛ المختص بالأمراض الصدرية والعناية المشددة، على أن سوريا لم تسجل حالات للإصابة بهذا الفطر حتى الآن؛ ولكن المشكلة الوحيدة التي يمكن أن تؤثر هي كثرة استخدام المثبطات لكل مصاب بفيروس كورونا؛ مما قد يؤدي إلى الإصابة بأمراض فطرية قاتلة؛ منها الفطر الأسود.
ختاماً؛ يمكن القول أن الفطر الأسود لم ينتشر ليصبح وباءً، وحتى الآن؛ لا يزال داخل الأراضي الهندية وبنسبة لا تمثل خطراً على العالم، أو حتى الهند نفسها.