تقنية كريسبر لتعديل الجينات؛ تقنية ثورية لا يزال العلماء يحاولون فك أسرارها. التشبيه الشائع لتعديل الجينات بتقنية كريسبر هو أنه يعمل مثل المقص الجزيئي؛ لكن لفهم أكثر شموليةً، فإن «كريسبر» نوع من تسلسلات الحمض النووي الموجودة في خلايا بدائيات النواة؛ كالبكتيريا، ويتكون «كريسبر- كاس» من جزيئين: قطعة من الحمض النووي «RNA» تُعرَف بالرنا الدليل، وإنزيم «كاس» الذي يمتلك القدرة على قطع الأحماض النووية في مواقع محددة، ببساطة يرتبط الرنا الدليل بالحمض النووي الفيروسي ليتمكن إنزيم «كاس» من قطعه، ومن ثم استبداله بالرنا الدليل الذي يحدده العلماء.
يرى العلماء أن الوقت قد حان لإعادة تصور لكريسبر الذي أُعلن عنه كتقنية تعديل وراثي في عام 2012، وذلك للاستفادة منها بأكبر قدر ممكن في علاجات الأمراض المختلفة.
كريسبر المُصغر يحل أزمة الكبير
تظل العديد من أنظمة كريسبر المختلفة المستخدمة أو التي يتم اختبارها سريرياً للعلاج الجيني للأمراض في العين والكبد والدماغ محدودةً في نطاقها لأنهم جميعاً يعانون من نفس المشكلة؛ والتي تتمثل في كونها كبيرة جداً؛ وبالتالي يصعب إيصالها إلى الخلايا أو الأنسجة أو الكائنات الحية.
في ورقة بحثية نُشرت في 3 سبتمبر/أيلول الجاري في دورية «الخلية الجزيئية»، أكد باحثون في جامعة ستانفورد الأميركية أنهم تمكنوا من تحقيق خطوة كبيرة إلى الأمام في تقنية كريسبر، طور الباحثون نظام مُصغر لكريسبر فعال ومتعدد الأغراض.
في حين أن أنظمة كريسبر شائعة الاستخدام؛ بأسماء مثل «كاس 9» و«كاس 12 أيه»؛ والتي تدل على إصدارات مختلفة من بروتينات «كاس» المرتبطة بكريسبر، والأخيرة تتكون من حوالي 1000 إلى 1500 من الأحماض الأمينية، فإن ما أطلقوا عليه «كاس ميني» به 529 حمض أميني فقط.
«كاس ميني» جاهز للتحدي
أكد الباحثون في تجاربهم أن «كاس ميني» يمكنه حذف وتنشيط وتعديل الشفرة الجينية تماماً مثل نظرائه الأكبر حجماً، ويمكن أن يكون من الأسهل توصيل حجمه الأصغر إلى الخلايا البشرية وجسم الإنسان؛ مما يجعله أداةً محتملةً لعلاج الأمراض المتنوعة؛ بما في ذلك أمراض العيون، وتنكس الأعضاء، والأمراض الوراثية بشكل عام.
لجعل النظام صغيراً قدر الإمكان؛ قرر الباحثون البدء ببروتين كريسبر «كاس 12 إف»، لأنه يحتوي على حوالي 400 إلى 700 حمض أميني فقط، ومع ذلك، فمثل بروتينات كريسبر الأخرى؛ ينشأ «كاس 12 إف» بشكل طبيعي من «Archaea» وهي كائنات وحيدة الخلية؛ مما يعني أنه غير مناسب تماماً لخلايا الثدييات، ناهيك عن الخلايا أو الأجسام البشرية.
من المعروف أن القليل من بروتينات كريسبر تعمل في خلايا الثدييات دون تعديل؛ لكن لسوء الحظ فإن «كاس 12 إف» ليس واحداً منهم، وهذا ما جعله تحدياً جذاباً للباحثين في ستانفورد.
«كاس ميني» بين المشكلة والحل
لم يجد الفريق البحثي أي نشاط ل«كاس 12 إف» الطبيعي في الخلايا البشرية، وافترض الباحثون أن المشكلة تكمن في أن الحمض النووي للجينوم البشري أكثر تعقيداً وأقل سهولةً من الحمض النووي الميكروبي؛ مما يجعل من الصعب على «كاس 12 إف» العثور على هدفه في الخلايا.
من خلال النظر في البنية المتوقعة حسابياً لنظام «كاس 12 إف»؛ اختارت بعناية حوالي 40 طفرة في البروتين يمكن أن تتجاوز هذا القيد وصنع الباحثون «كاس 12 إف» مختبرياً لاختبار العديد من متغيرات البروتين في وقت واحد.
قال الباحثون إن هذا النظام لم يعمل على الإطلاق لمدة عام؛ ولكن بعد التجارب الحيوية، وجد الباحثون أن بعض البروتينات المعدلة بيولوجياً تبدأ في العمل، وكانت النتائج الأولى ناجحةً ومتواضعة؛ لكن مع إصرار الباحثين وإضافة العديد من التكرارات الإضافية، تمكنوا أخيراً من تحسين أداء البروتين.
بالإضافة إلى تعديل البروتين بيولوجياً؛ صمم الباحثون أيضاً RNA؛ الذي يتحكم في توجيه بروتين كاس إلى الحمض النووي المستهدف. كانت التعديلات على كلا المكونين ضروريةً لجعل نظام «كاس ميني» يعمل في الخلايا البشرية، واختبر الباحثون قدرة «كاس ميني» على حذف وتحرير الجينات في الخلايا البشرية المعتمدة على المختبر؛ بما في ذلك الجينات المتعلقة بعدوى فيروس نقص المناعة البشرية، والاستجابة المناعية المضادة للورم وفقر الدم. لقد عملت على كل الجينات التي قاموا باختبارها تقريباً، مع استجابات قوية في العديد من الجينات.
بدأ الباحثون بالفعل في تجميع أوجه التعاون مع علماء آخرين لمتابعة العلاجات الجينية، ويصب الباحثون اهتمامهم أيضاً بكيفية المساهمة في التقدم في تقنيات RNAP مثل ما تم استخدامه لتطوير لقاحات فيروس كورونا المعتمدة على الرنا الرسول mRna؛ حيث يمكن أن يكون الحجم أيضاً عاملاً مقيداً.
أكد الباحثون أن القدرة على هندسة هذه الأنظمة مطلوبة في هذا المجال منذ الأيام الأولى لكريسبر، وأضافوا أن هذا النهج الهندسي يمكن أن يكون مفيداً للغاية في فتح الباب على إمكانيات جديدة، وعلاجات واعدة.