خلال الأسبوع الماضي، نقلت سفن من أستراليا ونيوزيلندا مئات آلاف اللترات من المياه إلى جزيرة تونغا في المحيط الهادئ، والتي سرعان ما نفدت منها مياه الشرب بعد كارثة ثوران أحد البراكين في 15 يناير/كانون الثاني 2022. وفقاً لـِ فتافحي فاكافانا، رئيس برلمان تونغا، لا يزال العديد من سكان البلاد الذين يزيد عددهم عن 100 ألف نسمة محرومين من المياه الآمنة بعد أن تلوثت إمدادات الشرب بالرماد البركاني.
وبحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة، أقامت منظمات الإغاثة 16 محطة مياه في أنحاء الجزيرة لتلبية هذه الحاجة. لكن عملية حفر الآبار وملء خزانات الأسطح كانت بطيئة، ويرجع ذلك جزئياً إلى بقاء فرق الإغاثة في الحجر الصحي لبعض الوقت تجنباً لدخول فيروس كورونا إلى الجزر التي ما تزال خالية من هذا الفيروس حتى الآن.
مرة أخرى: ضعف البنى التحتية في العالم
من الواضح أن الثوران البركاني الذي حدث تحت الماء يختلف عن العواصف والحرائق والفيضانات المرتبطة بالمناخ. لكنه يسلط الضوء على ضعف أنظمة المياه في العالم من حيث عدم قدرتها على تحمل مثل هذه الكوارث، الأمر الذي قد يخلق كوارث إنسانية يمكن أن تدوم لأشهر طويلة. يقول كريج كولتن، كبير المستشارين في معهد المياه، وهو منظمة لسياسة المياه مقرها لويزيانا، والخبير في الكوارث الساحلية: «هذا مثال كلاسيكي لما يحدث عندما تتفاقم كارثة نتيجة لكارثةٍ أخرى».
تحصل جزر تونغا على مياه الشرب من مصدرين. تعتمد المناطق الريفية عموماً على مياه الأمطار التي يجري تجميعها من أسطح المنازل، بينما تعتمد المناطق الحضرية على طبقة المياه العذبة الجوفية الضحلة التي تتوضع في طبقة الحجر الجيري المسامي الذي تتكون منه الجزر. يتوضع هذا الخزان الجوفي، والذي تشكل أيضاً من الأمطار المتجمعة، فوق المياه المالحة، مثل قطرة زيت تطفو على وجه الماء.
يعتقد الخبراء الذين يدرسون الظروف الجديدة في تونغا أنه لا بأس أن يشرب الناس من خزانات المياه حالياً إلى أن يترسب الرماد البركاني. لكن من الصعب التنبؤ بكيفية تأثير الرماد البركاني على طبقة المياه الجوفية. يقول إستيبان جازيل، عالم البراكين في جامعة كورنيل في هذا الصدد: «عندما تغلي مياه البحر من النشاط البركاني، يمكن أن تتشكل جميع أنواع المواد الكيميائية الجديدة، ويمكن أن يكون لبعضها أثر حامضي».
وقد قال كارول ستيورات، المدير المشارك للشبكة الدولية للمخاطر الصحية المرتبطة بالبراكين، لبوبيولار ساينس في 4 فبراير/شباط: «يوضح تحليل الرماد الذي يغطي تونغا أن درجة الحموضة فيه مماثلة لتلك الموجودة في مياه الشرب، وقاعدة الحجر الجيري للجزر قلوية أيضاً، ما يعني أنها يمكن أن تحيّد أي مركبات حمضية تصل إلى المياه الجوفية». لكن خزان المياه الجوفية قريب أيضاً من السطح، لذلك يشير جازيل إلى أنه يستحيل معرفة مقدار التلوث النهائي دون إجراء مزيد من التحليل الدقيق لطبقة المياه الجوفية. ويضيف: «أنصح السلطات في تونغا بمراقبة محتوى المياه الجوفية».
مشكلات المياه قد يخرج حلها عن استطاعة فرق الطوارئ
لا تقتصر مشكلات البنية التحتية هذه على تونغا، حتى في الولايات المتحدة، فإن فرق الاستجابة للطوارئ ليست مجهزة للتحقيق في جميع مشكلات جودة المياه التي تنشأ في أعقاب الأزمات البيئية، وفقاً لأندو ويلتون، المهندس المدني والبيئي في جامعة بيردو الذي يدرس جودة المياه بعد الكوارث.
تحدث ويلتون إلى بوبيولار ساينس من لويزفيل في كولورادو، والتي دمرتها حرائق الغابات في ديسمبر/كانون الأول الماضي: «الغابات مليئة بالمواد العضوية، وعندما تتعرض للحرائق، يمكن أن تتحول هذه المواد إلى مركبات مسرطنة سامة يمكن أن تسبب أضراراً حادة ومباشرة. تنتقل هذه المواد في الهواء أولاً، ولكن بعضها يستقر في نهاية المطاف في الماء، حيث تبقى هناك فترةً طويلة. عندما ينشب حريق في منطقة حضرية أو في الضواحي، فإن احتراق المواد البلاستيكية التي تُصنع منها أنابيب المياه المنزلية يمكن أن يؤدي إلى تلويث شبكة المياه بأكملها».
الكهرباء هي نقطة ضعف أخرى. عندما تنقطع الكهرباء، بسبب التجمد أو الحريق أو الإعصار، يمكن أن تفقد الأنابيب تحت الأرض الضغط ويمكن أن تتسرب إليها المياه الجوفية غير المعالجة. على سبيل المثال، بقيت مياه الشرب في نيو أورليانز غير صالحة لأربعة أشهر بعد إعصار كاترينا. كان هناك الكثير من الأضرار الناجمة عن الرياح لدرجة أن الكثير من الأشجار الكبيرة سقطت وحطمت خطوط المياه، ثم تدفقت المياه المالحة على المدينة وتغلغلت في أنابيب المياه المكسورة، ما أدى إلى دخول الكثير من الملوثات إلى أنظمة الشرب».
خذ إعصار ماريا على سبيل المثال. بعد أن ضربت العاصفة بورتوريكو، استغرقت عودة المياه النظيفة تسعة أشهر بسبب الموارد المحدودة للأراضي الأميركية. في غضون ذلك، اكتشفت وكالة حماية البيئة أن العديد من مصادر المياه التي تحول الناس لاستخدامها كانت ملوثةً بمياه الصرف الصحي.
ثم هناك الفيضانات، والتي يمكن أن تغمر مرافق معالجة المياه، حاملةً معها مياه الصرف الصحي والمواد الكيميائية الصناعية التي تسد أنظمة الترشيح.
تشبه استجابة الولايات المتحدة قصيرة المدى للكوارث إلى حد بعيد ما يحدث في تونغا، إذ تقوم الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ بتوفير مياه الشرب خارج المنطقة المتضررة، وتنقلها بالشاحنات في زجاجات وصهاريج. لكن الوصول إلى هذه الإمدادات يمكن أن يمثل مشكلةً أخرى. تم إنشاء خطوط ضخمة للمياه المعبأة بعد أن ضرب إعصار هارفي هيوستن وإعصار إيدا الذي ضرب لويزيانا.
ضرورة الاستعداد لفترات طويلة من الكوارث الثانوية
لكن الضرر الناجم عن الكارثة يمكن أن يستمر لفترة أطول. يقول ويلتون: «في عملنا، نقوم بتدريب المهندسين على كيفية تصميم مرافق معالجة المياه وعلى المواد الكيميائية التي تختبرها وكالة حماية البيئة بشكل روتيني. لكننا لا ندربهم على العمل في حرائق الغابات حيث يشتكي الناس من روائح غريبة عليك أن تعرف ماهيتها».
يعطي ويلتون مثالاً على حريق كامب فاير عام 2018، أكثر الحرائق دموية في تاريخ كاليفورنيا. لقد أبلغ مختبر حكومي بعد حدوث الحرائق عن وجود تلوث بالبنزين في نظام مياه الشرب. يقول ويلتون: «طلبت منهم أن يرسلوا لي بيانات المختبر. اتضح أن عينة الماء كانت تحتوي على الكثير من المواد الكيميائية الخطيرة. لم يكن ذلك بسبب إهمال السلطات في كاليفورنيا، بل لأنه لم يكن لديهم أشخاص على دراية بكيفية التصرف في الحالات التي لا تدرك فيها ماهية المواد الكيميائية الموجودة في المياه».
يُعد تحديد المادة المُلوثة مهماً، لأنه بناءً عليها سيتم تحديد المدة التي تبقى خلالها مياه الشرب ملوثةً. إذا كانت البكتيريا، فيمكن ببساطة غلي الماء، لكن بعض المواد الكيميائية يجب إزالتها كلياً من المياه حتى تصبح آمنة. ويمكن أن تغمر بعض الملوثات الأنابيب البلاستيكية وترشح بمرور الوقت إليها، الأمر الذي يتطلب استبدال النظام بأكمله.
تتفاقم هذه القضايا مع تغير المناخ، عبر الولايات المتحدة وخارجها. بينما تقوم تونغا بإزالة آثار الرماد البركاني، يرتفع منسوب المياه الجوفية فيها بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، ما يجعلها أكثر عرضة لتأثير العواصف الشديدة أيضاً. تتوقع الأمم المتحدة أنه في السنوات الخمسين المقبلة، هناك احتمال بنسبة 70% بأن يتعرض أكثر من 20 الفاً من سكان تونغا للنزوح بسبب العواصف الاستوائية. يمكن لكل كارثة أن تجعل النظام أكثر هشاشة في مواجهة الكارثة التالية.